567

ويالَها من حالةٍ مزريةٍ تدعو للرثاء، وتتفطّر لها قلوب أهل الإنصاف كمدًا، أن يُعمَدَ إلى رجلٍ صَرَفَ نشاطه وهمتَه لإنقاذ أبناء البلد وأجيال المستقبل من براثن الفوضوية الهدَّامة، وظلمات الإلحاد واللادينية، ووَهدةِ التحلُّل والرذيلة، فتُكالَ له التُّهَم بخيانة الوطن وتسميم أفكار الشباب وسَوقِهم نحو الرجعية!! إنه لَأمرٌ يُشبه وصْفَ التِّرياق الناجع بأنه سمٌّ ناقع!! وما هذا إلا جنونُ الضلالة الناشئُ عن محض الكفر والإلحاد.

أجل، إنه رجلٌ بريءٌ ابتُلي بمثل هذه الاتهامات التي تجافي الحقيقة، ولم يقع ضحية هذه الاتهامات مرةً أو مرّات، بل تلقى مثلها آلاف المرات؛ غير أنه مثلما كان أنموذجًا فريدًا في خدمته، كان كذلك في أخلاقه وأحواله الخاصة، إذْ عاش مثالًا رائعًا في الأخلاق الحميدة، وأظهَرَ من نفسه أرفعَ نماذج السمو والطهر والنقاء، فكان آيةً في النزاهة وحسن الخُلُق.

إننا -نحن طلابَه الذين لازَموه وقاموا على خدمته، واطَّلعوا على شؤون حياته العامة والخاصة عن كثب- نعلن بأعلى صوتنا أنه كما ظهرتْ أستاذيَّتُه في العلوم الإيمانية التي نَهَلَها من القرآن، وقدَّمها لفائدة أهل الإيمان وبني الإنسان، ظهرتْ أستاذيَّتُه كذلك في أدقِّ معاملاته وأحواله وحياته الخاصة، إذْ تَغلِب عليه السكينة والطمأنينة العالية النابعة من ولايةٍ رفيعةِ المقام، ومن حُسْنِ الخُلُق الذي تحدث عنه القرآن الكريم.

وإن أهل القلوب وأرباب الفضائل الذين نظروا في أحواله بعين التدقيق والفراسة، رأوا في قلبه المنوَّر شمسَ حقيقةٍ ومعرفةٍ تشع نورًا، وبحرًا زاخرًا لا تهدأ أمواجُه، فأعلنوا أن هذه الثمرة اليانعة المنوَّرة التي أثمرتْها شجرةُ الإسلام إنما هي مبعث فخرٍ للإنسان والزمان.

فيا أيها الأشقياء الذين قَصَدوا إلى رجلٍ هو أمثولةٌ في الفضيلة، وأعجوبةٌ في الخُلُق والأدب والإيمان والمعرفة والحقيقة، فعاملوه بسوءِ نيةٍ، وقاسُوه على نفوسهم الخبيثة،