568

فأطلقوا ألسنتهم فيه بالسوء، وافتَرَوا عليه افتراءاتٍ تخجل منها الشياطين، واجتهدوا في تشويه صورته والقضاء عليه.. إنَّ الافتراءات التي عملتم على نشرها بحق هذا الرجل، والسمومَ التي نفثتموها قد ضاعتْ هباءً، فلقد أضاء نورُ الحق وسطع حتى أنار العالَم، أما أنتم فأذلةٌ تُبغِضكم الإنسانية وتنفر منكم، فيالَبؤس حالكم!! إن رداء الإنسانية الذي ترتدونه يعود عليكم بالآلام والفواجع؛ على أن ثمة بابًا للنجاة، فلعلكم إن طرقتموه فُتِح لكم، ولقد أخذ سعيدٌ النُّورْسِيّ على نفسه العهدَ قائلًا: اشهدوا يا إخواني أنني مسامحٌ حتى أولئك الذين سَعَوا لإعدامي، إنْ هم أنقذوا إيمانهم برسائل النور وتمسكوا بها.

أجل، فكما أن معظم الذين حاربوه وسَعَوا لإدانته بالأمس صاروا اليوم أنصارَه وأصحابَه، فكذلك أنتم يا مَن افتريتم عليه ولفَّقتم ضده، فالمأمولُ إن ندمتم وأصغيتم إلى درس رسائل النور أن يَصفَح عنكم رمزُ الشفقة هذا ويدعو لكم.

نعم، فسعيدٌ النُّورْسِيّ بطلٌ عَزَّ نظيرُه، ولقد أظهر بطولتَه في ميادين القتال وفي قاعات المحاكم ضدَّ المستبدين؛ لكن على الرغم من فِعالكم وإساءتكم يا مَن عاديتموه وسعيتم للقضاء عليه، تعالَوا وانظروا كيف رفع يدَيه يدعو بضراعةٍ وعيونٍ دامعةٍ يسأل النجاة والسلامة لمن توجهوا إلى النور منكم، وتأكدوا بأنفسكم كيف يعامل كلَّ طبقات الشعب بكمالِ الشفقة ومنتهى التواضع، وشاهِدوا كيف تتجلى مرتبةُ الإنسانية السامية في هذه الشخصية الرفيعة.

إن الثناء والتقدير الذي يقال بحقه ليس من نوع التصفيق الذي يعرفه أهل الدنيا، وإنما هو اشتراكٌ في المباركة والتقدير الذي ترفعه الموجودات عرفانًا وامتنانًا لمن أنار بالإيمان ظلمتَها وجلَّى به قيمتَها؛ أجل، فإذا تحدثنا عن النُّورْسِيّ بالنظر إلى أنوار الحقيقة التي يمثِّلها ويترنَّم بها لم نجد الإنسانيةَ وحدَها هي من تبارك له وتقدِّره، بل نجد العالَم بأنواعه وأجناسه يفعل ذلك، ونجد الماضي والمستقبل يقدِّران خدمته الإيمانية.