587

لقد صَلَحَتْ حالُ مئات المساجين في سجن «دَنِزْلي» ممن كان بعضهم محكومًا بأقصى العقوبات، وذلك بقراءتهم «رسالة الثمرة» وحدَها، بل لقد كان منهم مَن سبقَ أن قتَل اثنين أو ثلاثة، فصار بفضل دروس الإيمان يتورَّع عن قتل بعوضة، حتى لقد أقرَّ مدير السجن بأن السجن أصبح بمثابة مدرسةٍ تربوية؛ وهذا سندٌ لدعوانا وحجةٌ لها لا تُرَدّ.

وأقول كذلك: أجل، إن تجريدي من كلِّ شيءٍ لهو عذابٌ أليمٌ وظلمٌ فادحٌ وخيانةٌ لأبناء هذا البلد وغدرٌ بهم، فإنَّ هذا الشعب المتدين الذي لم يجد مني ما يسوءُه رغم أني عشتُ بين أبنائه ثلاثين أو أربعين سنة، هو بأمسِّ الحاجة إلى القوة الإيمانية والمعنوية والسُّلوان، والدليل القطعي على هذا إقبالُ أبنائه على رسائل النور بشغفٍ منقطع النظير، غيرَ مبالين بالحملات المغرضة المكثفة ضدي، حتى إني أعترف أنهم يولونني احترامًا وتقديرًا لا أستحقه، بل يفوق حدِّي بمئة درجة.

وقد سمعتُ أن حكومة الولاية قد راجعت الحكومة المركزية في أمر نفقتي وإقامتي، وجاء الجواب بالقبول، وإني إذْ أشكرهم على إنسانيتهم أقول لهم: إن أحوَجَ ما أحتاجُه هو حريتي التي هي الدستور الأساس في حياتي، وإن تقييد حريتي بقيودٍ واستبداداتٍ غير مسبوقةٍ بناءً على هواجس وأوهامٍ لا أصل لها يُسْئِمُني الحياةَ نفسَها، فالسجن والزنازين بل القبر خيرٌ عندي من هذه الحال، إلا أن ما يمنحني الصبر والتحمل هو أن المشقة الزائدة في الخدمة الإيمانية سببٌ لزيادة الأجر.

فما دام هؤلاء المسؤولون ذوو المشاعر الإنسانية لا يريدون ظلمي، فليمنعوا أولًا المساس بحريتي في دائرة ما هو مشروع، فإني أستطيع العيش بدون خبزٍ، لكنْ لا أستطيع العيش بدون حرية.

أجل، فإن رجلًا تَدبَّر أمورَه تسعَ عشرةَ سنةً في هذه الغربة بمئتي ليرةٍ تركيةٍ فقط، وأخذَ نفسَه باقتصادٍ شديدٍ ورياضةٍ قوية، [الرياضة هنا بمعنى المجاهدة؛ هـ ت] ولم يُظهِر حاجتَه لأحد، ولم يَدخل تحتَ منةِ أحد، ولم يقبل صدقةً ولا زكاةً ولا راتبًا ولا هديةً، لَهُو رجلٌ محتاجٌ إلى الحرية في ظل العدالة أكثرَ من حاجته إلى النفقة بلا ريب.