658

إنه القول الحق، وعلينا أن نصغي له»، ومنها فتوحات الأنوار وتقدُّمها في كل جهة؛ وإن هذا الفأل الحسن يدفعنا للقول بأنه سيظهر بين الأجانب كثيرٌ من أمثال «بسمارك» و«كارليل»، وثمة أماراتٌ على ذلك.

نقدِّم هذا هديةً عيدٍ للنُّوريين، ونُرفِق مع الرسالة فقرة «بسمارك».

***

…….

ثانيًا: لما كانت أعظم قوةٍ تتمتع بها رسائل النور في مواجهة كل هؤلاء المعارضين: الإخلاص، فإنها كما لا تكون أداةً لأيِّ أمرٍ من أمور الدنيا، كذلك لا ترتبط بالتيارات المبنية على مشاعر التحزُّب، خصوصًا التيارات التي لها صلةٌ بالسياسة؛ لأن نزعة التحزُّب تُفسِد الإخلاص وتُبدِّل الحقائق.

حتى إن سبب تَركي السياسةَ قبل ثلاثين سنة أن عالِمًا مباركًا غلبتْ عليه نزعةُ التحزُّب للتيار الذي يتبعه، فانتقص عالِمًا صالحًا جليلًا انتقاصًا يصل لدرجة التكفير، لمجرد مخالفته فكرَه، بينما مَدَح وأثنى غاية الثناء على منافقٍ مشهورٍ مُعْتدٍ يوافق فكرَه، فراعَني هذا الموقف، ونفرتُ منه من أعماق روحي؛ أي إن نزعة التحزُّب متى ما داخَلتْها السياسة سبَّبتْ مثل هذه الأخطاء الفادحة، فقلتُ: أعوذ بالله من الشيطان والسياسة، وتركتُ السياسة من حينها.

ونتيجةً لحالي هذه فإنك تعلم -كما يعلم إخواني أمثالُك- أنني لم أقرأ صحيفةً منذ خمسٍ وعشرين سنة، ولا استمعتُ إلى أحدٍ يقرؤها، ولا اهتممتُ بما فيها أصلًا، ولم أتابع الحرب العالمية الثانية طَوالَ عشر سنين، وما علمتُ شيئًا عنها، ولا اهتممتُ بأمرها، كما تعلم أنني خلال الثِّنتَين والعشرين سنةً من أَسري المشحون بالعسف والأذى لم أراجع الجهات الرسمية لأمرٍ يتعلق براحتي سوى المدافعات القضائية، وما ذاك إلا تحاشيًا للتحزُّب والسياسة، وصونًا للإخلاص الذي في الأنوار أن يصيبه ضرر.