659

ثم إنكم تعلمون -كما سبق أن كتبتُ إليكم حين كنت في السجن- أن الذين أرادوا إعدامي، وأذاقوني صنوف الأذى، إنْ هم أنقذوا إيمانهم بواسطة رسائل النور، فإنني أُشهِدكم أنني مسامحٌ لهم، كما تعلمون أننا لم نتواصل مع أيٍّ من التيارات التي وفدت من الخارج أو جاءت من الداخل منذ سنتين أو ثلاث، ونبَّهتُ إخواني من ذلك نوعًا ما، وذلك لئلا يتضرر الإخلاص بنزعة التحزُّب.

وتعلمون أيضًا أنني مثلما لا أقبل الصدقات والمعونات، لا يمكن كذلك أن أكون وسيلةً لها، ولهذا أبيع ألبستي وأشيائي الضرورية، وأشتري بثمنها كتبي من إخواني الذين استنسخوها، لكيلا تدخلَ مصالحُ الدنيا في إخلاص رسائل النور فتَضُرَّ بها، ولِيعتبرَ من ذلك باقي الإخوة فلا تُتَّخذَ الرسائل أداةً لشيء؛ فالنور كافٍ لتلاميذ النور الحقيقيين، فليَقْنعوا به، ولا يتطلعوا إلى شرفٍ آخر أو إلى مصالح ماديةٍ أو معنوية.

ثم إن اللازم اجتنابُ الجدالِ والنزاع، وتركُ الخوض في المسائل الدينية بنقاشٍ متحيزٍ يثير الحفيظة ويوغِر الصدر، لكيلا يظهر أصحابُ ضغينةٍ يعادون النور؛ حتى إنه أثناء نقاش أخينا «مصطفى أُروج» مع أحد الأشخاص على نحوٍ يخالف مسلك رسائل النور، وَرَدَ إلى القلب -في اللحظة نفسها، وبحسٍّ قبل الوقوع- غضبٌ عارمٌ واستياءٌ شديد تجاهه، حتى لقد قامت لديَّ رغبةٌ بإقصائه عن المقام الرفيع الذي حازه من النور، وأسِفتُ لذلك قلبًا وقلت: لقد كان هذا الرجل عندي بمثابة «عبد الرحمن»، [يقصد تلميذَه النجيب وابنَ أخيه «عبدَ الرحمن»، وقد توفي شابًا سنة 1928م؛ هـ ت] فلماذا غضبتُ منه كل هذا الغضب الشديد؟!

ثم جاءني في هذا العيد، وحمدًا لله أنه سمع درسًا بالغ الأهمية، ووعى الخطأ الكبير الذي ارتكبه، وأقر بأنه وقع منه في نفس الوقت الذي انتابني فيه ذلك الغضب، فكان هذا كفارةً له عن خطئه، وخَلَصَ منه طاهرًا نقيًّا بإذن الله.