حادثة تسميمه

وقعت حادثة التسميم على يد كبيرِ العناصر المكلفين بمراقبة الأستاذ، وقد أغراه بالأمر أحدُ المسؤولين السياسيين بقوله: «لقد تلقينا أمرًا من الجهات العليا بتصفيةِ الرجل»؛ فصعد الرقيب في جنح الظلام إلى نافذةِ بيت الأستاذ بواسطة سلَّمٍ، ودَسَّ السُّم في طعامه؛ فما طلع الصباحُ إلا والأستاذ يتقلب ألمًا من أثر السُّم الذي سرى في جسده؛ وبالرغم من شدة السُّم إلا أن العناية الإلهية حفظته، وقد أخبر عن حاله قائلًا: «لقد حُفِظتُ من الموت بمددِ الأوراد القدسية كالجوشن الكبير، لكن المرض والألم شديدان».

بقي الأستاذ أسبوعًا كاملًا في حالٍ يُرثى لها، فلم يذق طعامًا ولا شرابًا إلا النزر اليسير، فلما كُتِب له الشفاء عاد من جديدٍ يشتغل بوظائف رسائل النور من مراجعةٍ وتصحيحٍ ونحو ذلك؛ ولم يكن ليترك شيئًا من صلاته حتى وهو في شدة المرض، غير أن تسميمه في المرة الثانية والثالثة كان شديدًا يفوق التحمُّل، [تعرض الأستاذ للتسميم مراتٍ كثيرة، وقد سُمِّم في «أميرداغ» وحدَها ثلاث مرات، وسَيَرِد في أواخر هذا القسم إخباره عن نفسِه بأنه سُمِّم إحدى عشرة مرة؛ هـ ت] فلم يقدر في حينها إلا على أداء الفرائض وهو طريح الفراش.

يحدثنا اثنان من طلابه تولَّيا العناية به ذات ليلة، وسَهِرا يحرسانه بعيونٍ دامعةٍ حتى الصباح في تلك الأيام التي شارف فيها على الموت، فيقولان: اعتدل في فراشه قُبيل الفجر.. جلس وهو مغمض العينين.. رفع يديه إلى السماء، وردَّدَ بصوتٍ خفيضٍ بضعَ كلماتٍ دعا فيها لرسائل النور بالظهور والانتشار، ولطلابها بالحفظ والسلامة.. ثم ما لبث أن انطرح في فراشه فاقدًا الوعي.