576

وطَوالَ مدّة إقامته بـ«أميرداغ» كان اثنان أو ثلاثةٌ من طلابه المتفانين يتناوبون على خدمته، وبالرغم من أنهم مُنِعوا من لقائه مدةً من الزمن، إلا أنهم لم يتوانَوا في خدمته، وبذلوا تضحياتٍ عالية.

لقد أفشى أحدُ كبار المسؤولين في «أميرداغ» سِرًّا لصديقه الذي أصبح فيما بعدُ أحدَ أبطال رسائل النور، وكَشَف له عن وجود مخطَّطٍ غيرِ معلَن يهدُف للقضاء على سعيدٍ النُّورْسِيّ بشكلٍ سِرِّي، ما يعني أن جميع صنوف المعاملة الجائرة التي لقيها الأستاذ لم تكن سوى نتيجةٍ لذلك المخطَّط، لقد كان الظلم والمراقبة والضغط الذي أصابه أليمًا وفادحًا، لا لأنه مورِس بحقِّه مرةً أو مرتين، بل لأنه كان مستمرًا من غير انقطاع.

وفي «أميرداغ» كان الأستاذ يصلي الجماعة في المسجد، وكان في معظم الأحيان يصلي العصر في مسجد السوق القريب من مركز المدينة، ثم يبقى فيه حتى صلاة العشاء، ليعود بعدَها إلى بيته، وقد كان هذا دأبه في السنتين الأُولَيَين من إقامته بـ«أميرداغ»، ثم منعه والي المدينة من المسجد بحجة أنه يلتقي فيه بالناس!

وكانت رسائل النور في تلك المرحلة ما تزال تُستَنسَخ كتابةً بخط اليد في أماكن كثيرةٍ وفي مقدمتها «إسبارطة»، وكان يأتي لزيارة الأستاذ أشخاصٌ كثيرون ممن قرؤوا الرسائل واستفادوا منها، إلا أنه لم يكن يوفَّق للقاء به إلا القليل منهم، إذ كان اللقاء يتاح لمن يحملون أُخوَّةً ومحبةً خالصةً لوجه الله تعالى، ولهم مع هذا مزيدُ استعدادٍ لخدمةِ الرسائل بكمال الإخلاص والولاء، [يوضِّح الأستاذ الأمر في «المكتوب السادس والعشرين» فيقول: «فلْيُعْلَم أن مَن يأتي لزيارتنا إما أن يأتي لأمرٍ دنيوي، فالباب مُغلَق؛ أو يأتي لأمرٍ أخروي، فإن كان لظنه أنني رجلٌ مباركٌ صاحب مقام فالباب مغلقٌ كذلك، إذْ لستُ مُعجبًا بنفسي ولا بمن يُعجَبون بي، ولله الحمد كثيرًا أنْ لم يجعلني مُعجَبًا بنفسي؛ وإن كان مجيئه لمجرَّد كوني دلَّالًا للقرآن الحكيم فأهلًا به على الرأس والعين، وهذا إما صديقٌ وإما أخٌ وإما طالب»؛ هـ ت] فكان هؤلاء يجالسون الأستاذ ويستمعون إلى درسه، وكان من دأبه مراعاةُ أفهام زائريه على اختلاف استعداداتهم، ومخاطبتُهم بحسب إدراكهم، وكان يوجه أنظارهم نحو رسائل النور والخدمة الإيمانية، ويبين لهم أن القيام بخدمة الإيمان من خلال رسائل النور سيحقق للناس أعظم فائدةٍ ماديةٍ ومعنويةٍ.

والجدير بالذكر أن زُوَّاره كانوا من مختلف طبقات المجتمع، وكان فيهم الكثير من الشباب وأهل العلم؛ ولا يخفى أن قرار البراءة الصادر من محكمة «دَنِزْلي» قد أثار الاهتمام في أوساط العاملين في سلك الدولة، وزاد من عدد طلاب النور.

***