579

مدارسَ نوريةً [كلُّ مكانٍ تُقرأ فيه الرسائل أو تُتدارَس يُعَدُّ بمثابة مدرسةٍ نورية؛ هـ ت] يعكف فيها على تصحيح الرسائل، ولكونه تحت المراقبة الدائمة من جهة، ولتعقُّبه من قِبَل الشرطة والرقباء من جهةٍ أخرى فقد ظل حتى العام 1947م يتجول وحدَه، ويجلس وحدَه، ويشتغل بالرسائل وحدَه، ولم يكن يرافقه سوى طالبٍ من طلابه يقود العربة، حتى إذا بلغ المكان المراد نزل فبقي وحدَه.

أما أكثر ما كان يشتغل به عند خروجه إلى ضاحية المدينة فهو تصحيح رسائل النور المكتوبةِ بخط اليد، ثم بعد مدةٍ استطاع طلابه المتفانون في خدمة الرسائل في كلٍّ من «إسبارطة» و«إينه بولو» الحصولَ على آلتَي نسخ، فشرعوا ينسخون مجموعات الرسائل بواسطتها، وصار الأستاذ يصححها.

كان الأستاذ يولي أهميةً شديدةً لكتابة الرسائل يدويًّا ونسخِها آليًّا، ويَعدُّ خدمةَ النور أهمَّ مسألةٍ في هذا الزمان، ويتصرف بناءً على هذا الأساس، وكان يقول: إن رسائل النور معجزةٌ قرآنيةٌ ستنوِّر هذا العصر والعصور التي تليه.

كانت خدمة النور المباركةُ المقبولةُ المنوَّرةُ هذه تؤدى كلَّ يوم، ولم يكن الأستاذ حَسَنَ الخط ولا سريع الكتابة، فكان يشترك في هذه الخدمة بتصحيح الرسائل؛ وكان عمله في التصحيح يمتد لساعاتٍ طويلةٍ من غير أن يعرف تعبًا، فلقد كان قيامه بخدمة النور يمثل له غذاءً معنويًّا، ولم يكن ينقطع عنها حتى وهو في حالة المرض الشديد.

ومعلومٌ أن الأستاذ كان قد انسحب من الحياة الاجتماعية، ومُنِع من التواصل مع الآخرين، فلم يعد يلتقي بأحد، وبات محرومًا من الأنس والسُّلوان الذي يجده المرء من اجتماعه ببني جنسه، إلا أنه وجد في هذا الحرمان كنزَ غنًى لا يفنى؛ فلقد أحسنتْ إليه الرحمة الإلهية بالأنوار، إذْ لم يكن له أولادٌ أو عيال، ولم يكن يملك من متاع الدنيا شيئًا ولا من أراضيها شبرًا، وإنما كان لديه رسائل النور فحسب، فكانتْ كلَّ شيءٍ بالنسبة إليه، وكانتْ محلَّ سروره ومبعثَ سُلوانه؛ لقد كان متوجهًا إلى النور بكل إمكاناته، وكان يعلم أن وظيفته الفطرية هي تعلُّم الأنوار وتعليمها ونشرُها بين الناس.