580

أما حديثه إلى الأطفال وحواره معهم فكان يبعث على السرور وينطوي على كثيرٍ من العِبَر؛ لقد كان الأطفال في «أميرداغ» وما حولها من القرى يسارعون إليه كلما رأوه، وكان يوليهم أهميةً كأنهم كبار، ويتوجه إليهم بقلبه ويقول لهم: أبنائي.. أنتم أبرياء لا إثم بذمتكم، وأنا جِدُّ مريض، فادعوا لي فإن دعاءكم مقبول، لقد أشركتُكم في دعائي باعتباركم طلابي وأبنائي المعنويين.

كانوا يحيُّونه وأعينهم تفيض محبةً، وكان يبادلهم التحية بصدقٍ واحترامٍ أكثر مما يبادل به الكبار الغافلين، ويقول: إن هؤلاء هم طلاب النور في المستقبل، وإن سبب إقبالهم عليَّ وصِلتِهم بي هو أن أرواحهم الطاهرة تشعر أن رسائل النور قد جاءت لتُمدَّهم وتنجدهم، فهم يُظهِرون هذه الصلة والمحبة المتفانية تجاهي عفويًّا باعتباري ترجمانًا ومُبيِّنًا لذلك النور.

وكان الأستاذ يُنبِّه الشباب الذين يأتونه إلى ضرورة الالتزام بالصلاة، ويؤكد لهم أن مداومتَهم على قراءة دروس الرسائل، واجتنابَهم ما يموج به هذا الزمان من الرذائل، من شأنه أن يعود عليهم بعظيم الفائدة والسعادة؛ ولقد نبَّهتْ دروسُ الأستاذ هذه آلافَ الشباب من غفلتهم.

وكان يُذكِّر كلَّ موظَّفٍ أو عاملٍ يلقاه في الطريق أو في الحقل بموعظةٍ تناسبه، ويؤكد لهم على أهمية الصلاة، ويبين لهم أن الأعمال والوظائف الدنيوية التي يقومون بها يمكن أن تصير عبادةً بالنية الصالحة، وكان يوضح بشكلٍ خاص أن مزاعم القائلين بأن الدين مانعٌ من الرقي والتحضر ليست إلا ضربًا من الهذيان، وأن الأمر بعكس ذلك، فإنَّ تحلِّي الإنسان والمجتمع والوطن بنور الإيمان يحقق السعادة والنهضة ماديًّا ومعنويًّا.

أجل، فإن الإنسان إذا التزم أداءَ الصلاة وعمل باستقامة، صار عمله ونشاطه الدنيوي عبادةً يؤجَر عليها في الآخرة، وأورثه أنوارًا وسعادةً أبدية؛ ولا ريب أن هذا