602

لتلاميذ رسائل النور في مواجهة تلك الموانع، فاضطررتُ لكتابة هذه الإكرامات نوعًا من الحشد المعنوي حول رسائل النور، إظهارًا لها على أنها قويةٌ قوةَ جيشٍ بذاته غيرُ محتاجةٍ لأحد.

وإلا فحاشا أن يكون مرادنا الترويجَ لأنفسنا أو استجلابَ الإعجاب بها، أو مدحَها والغرورَ بها، فإنه يُفسِد سِرَّ الإخلاص الذي هو أساسٌ جليلٌ من أسس رسائل النور؛ وكما دافعتِ الرسائل عن نفسِها بنفسِها وأظهرتْ قيمتَها الباهرة، فإنها ستكون بإذن الله وسيلةً للدفاع المعنوي عنا والعفوِ عن زلاتنا.

إخواني الأعزاء..

لقد تحقَّقتْ لديَّ قناعةٌ قطعيةٌ -بناءً على إخطارٍ معنويٍّ- أن رسائل النور قد تراءت على نطاقٍ واسعٍ فيَّ وفي قريتنا وناحيتنا وبنحوٍ عجيبٍ من الحسِّ قبل الوقوع، وذلك قبل ظهورها بأربعين سنة؛ وكنتُ أرغب أن أبوح بهذا السر لطلابي القدامى أمثال «شفيق» وشقيقي «عبد المجيد»، غير أني سأذكره الآن لكم، فلقد وهبني الله تعالى بكم الكثيرَ من أمثال «عبد المجيد» و«عبد الرحمن»؛ وهو أنني حين كنت في سن العاشرة كانت لديَّ حالةٌ من الفخر الشديد، حتى إنها تكون في بعض الأحيان في صورة التمدُّح، فكنتُ أتقلَّد هيئةَ من لهم أعمالٌ جليلة وبطولاتٌ عظيمة مع أن ذلك لم يكن برغبتي، وكنت أقول لنفسي: عَلامَ تتظاهر متمدِّحًا وتتباهى بالشجاعة على الأخص وأنت لا تكاد تساوي فلسًا؟! وكنت أظلُّ في حيرةٍ لا أعرف سرَّ ذلك.

وقد وَرَدَ الجواب عن هذه الحيرة منذ شهرَين، وهو أن رسائل النور تُشعِر بنفسِها مسبقًا، فإنك لما كنتَ مجرَّد بذرةٍ شبيهةٍ بقطعة حطبٍ تافهة كنتَ تشعر بحسٍّ قبل الوقوع كما لو أنك تملك حقًا عناقيدَ الفردوس تلك، فتزهو وتفتخر.