726

أرأيتم إلى رجلٍ أخضَعَ بخطبةٍ واحدةٍ منه ثمانيَ كتائب عسكريةٍ وأعادها إلى الطاعة؛ وجعل آلاف الناس قبل أربعين سنةً ينحازون إلى صفِّه بمقالةٍ واحدةٍ نشرَها؛ ولم يَخشَ أحدًا من القادة الثلاثة المذكورين آنفًا ولم يداهنهم؛ وأعلن في أروقة المحاكم قائلًا: «لو كانت لي رؤوسٌ بعدد شعر رأسي، وقُطِع في كلِّ يومٍ رأسٌ منها، لما أحنيتُ للظالمين هذا الرأسَ الذي نذرتُه للحقيقة القرآنية، وما استسلمتُ للزندقة والضلالة فأخونَ الوطن والشعب والإسلام»؛ ولم يكن له في «أميرداغ» علاقةٌ بأحدٍ سوى خمسةٍ أو عشرةٍ من إخوان الآخرة، وثلاثةٍ أو أربعةٍ يقومون على خدمته..

كيف يُقال بحقه في لائحة الاتهام: «إن سعيدًا هذا قد عمِلَ سِرًّا في «أميرداغ»، وغسل أدمغة بعضِ الناس هناك بغيةَ الإضرار بالأمن والاستقرار؛ وإن حولَه عشرين رجلًا يكيلون له المدح والثناء، وتكشف مراسلاتهم الخاصة فيما بينهم أن هذا الرجل يدير سياسةً سريَّةً تعادي الحكومة والثورة»؟!

وكيف يَلقى من الاضطهاد والأذى ما يَلقى، ويُسجن في زنزانةٍ انفراديةٍ طَوالَ سنتين مع الإهانة والعداوة التي لا مثيل لها، ويُمنعُ من الإدلاء بقوله في المحاكم؟!

إنني أحيل هؤلاء على ضميرهم ووجدانهم ليعرفوا ما أشد بُعدَهم عن الحق والعدل والإنصاف!!

أرأيتم إلى رجلٍ نال من إقبال الناس عليه ما يفوق حدَّه أضعافًا مضاعفًا، وأعاد بخطبةٍ منه آلافَ الأشخاص إلى الطاعة، وجعل آلافَ الناس يدخلون في جمعية الاتحاد المحمدي بمقالةٍ منه، وجعل خمسين ألف شخصٍ في مسجد «أيا صوفيا» يستمعون إلى خطبته بإنصاتٍ وتقديرٍ.. أيمكن لهذا الرجل أن يعمل ثلاث سنين في «أميرداغ» كما زعمتم، فلا تكون حصيلةُ سعيه هذا إلا تضليل خمسةٍ أو عشرةٍ فحسب؟! أم هل من المقبول أن يدع عمل آخرته جانبًا لينشغل بأحابيل السياسة، ويملأَ قبرَه الذي دنا منه ظلماتٍ بدلًا من الأنوار؟! ألا إن الشيطان نفسَه ليعجِز عن إقناعِ أحدٍ بهذا.