718

ضررٌ بسببي؛ وعسى أن يكون في قراري هذا ما أُثاب عليه في آخرتي، وأتخلص به من شرِّ نفسي الأمّارة، وبذا أكون ممتنًّا في سِرِّي لما هو مؤلمٌ في ظاهر أمري؛ على أنه لو لم يكن هؤلاء الأبرياء المساكين مسجونين معي في هذه القضية، لكان لي في محكمتكم هذه كلامٌ آخر.

وقد رأيتم ما فعله الشخص الذي نظَّم لائحة الادعاء بحقي، إذ سعى للطعن فيَّ بالحيلة والمخادعة، وكان أشبه بمن يجمع الماء من ألفِ وادٍ، فقد عَمَد إلى جميع ما كتبتُ من كتبٍ ومراسلاتٍ شخصيةٍ وغير شخصيةٍ كتبتُها خلال ما يقرب من ثلاثين سنةً من حياتي، فأضفى عليها معنًى خاطئًا، واحتال في تقديمها كما لو أنها كُتِبتْ جميعًا في هذا العام، بل كأنها لم تنظر فيها محكمةٌ، ولم يشملها عفوٌ، ولم يجرِ عليها تقادُم!!

ومع أني كثيرًا ما هوَّنتُ من شأنِ شخصي، ولم يوفر خصومي بدورهم وسيلةً في هذا المجال إلا استعملوها، إلا أن ذلك لم يُجْدِ نفعًا في صرفِ إقبال الناس عليَّ، لدرجة أن الأمر أثار هواجس أهل السياسة، وسبب ذلك أن الحاجة الماسَّة لتقوية الإيمان في هذا الزمان وفي هذا البلد تستلزم أشخاصًا لا يتخذون الحقيقةَ أداةً لشيء، ولا يعطون النفس حظًّا في شيء، حتى يُستفادَ من دروسهم الإيمانية، ويَبلغَ فيها المرء درجة القناعة القطعية.

أجل، لم يسبق أن كانت هذه البلاد في حاجةٍ ماسَّةٍ كما هي اليوم، فقد داهمنا الخطر من الخارج؛ وقد أعلنتُ معترفًا بأن شخصي لا يكفي لسَدِّ هذه الحاجة، إلا أن الناس يظنون أنني أنا مَن يسُدُّها، وما ظنُّهم هذا لمزيةٍ فيَّ، بل لشدةِ الحاجة من جهةٍ، ولقلةِ ظهور آخرين في هذا الميدان من جهةٍ أخرى.

والحال أني كنت أتأمل في هذا الأمر بحيرةٍ وتعجُّبٍ منذ زمنٍ بعيد، وقد عرفتُ مؤخَّرًا الحكمةَ من إقبال الناس عليَّ برغم معايبي الجمَّة وعدم لياقتي بوجهٍ من الوجوه، وهي أن حقيقةَ رسائل النور والشخصية المعنوية لتلاميذها قد لفَتا نظرَ تلك الحاجة الماسَّة، فأقبل الناس عليَّ ظنًّا منهم أنني ممثلُ تلك الحقيقة البديعة والشخصيةِ الخالصة المخلصة، مع أن نصيبي منها باعتبار الخدمة الإيمانية لا يبلغ الواحدَ بالألف.