769

عبقريتهم ومعارفهم، وإنما هو إلهاماتٌ وتلقيناتٌ معنويةٌ مباشرةٌ من رسالةِ ذلك السيد المصطفى مَجلى الوحي ومعدن الطُّهر (ص)، وما الأوراد المباركة و«المثنوي النُّوري» و«فتوح الغيب» وأمثالها إلا نماذج من هذه الآثار القدسية البديعة، وما هؤلاء الأئمة الأماجد إلا بمثابة مترجمين لها، وإنما نصيبهم منها التنظيمُ وأسلوبُ البيان، فهم بمثابة مظاهر ومرايا لتلك المعاني السامية.

أما رسائل النور، فقد ضمت هذه الأسفارُ البديعة من الفيض العُلويِّ والكمال المتسامي ما لم يُرَ مثله من قبل، وقد شهِدَ مَن شهِدَ على أنها حظيت من فيوضات القرآنِ المِشعلِ الإلهي وشمسِ الهداية ونَيِّرِ السعادة ما لم يحظَ به سِفرٌ من قبلها، ولقد بات حقيقةً واضحةً كالشمس أن أساس هذه الآثار نورُ القرآن الخالص، وأن فيها من فيض الأنوار المحمدية ما ليس في غيرها، وأن لها من الصلة بالسيد المصطفى (ص) والحُظوة منه ما ليس لنظيراتها من مؤلفات الأولياء، وأن لترجمانها ومَظهرها نصيبه من ذلك بحسَبها.

أجل، فقد وَرِثَ ترجمانُها في أشهرٍ يسيرةٍ من العلوم والمعارف والأسرار والحِكَم ما لم يحظَ به غيرُه وهو ما يزال بعدُ في سن الصِّبا لم يسبق له تحصيل، فلم يكن ترجمان النور هذا أعجوبةً علميةً فحسب، بل مثَّل بما وصفنا عفةً مشخصةً، وشجاعةً خارقةً، واستغناءً مطلقًا، وعنايةً وموهبةً فائقةً ماثلةً للعيان.

لقد ناظر علماء عصره وهو لم يبلغ الحلم بعد، فكانت له الغلبة والحجة، وانهالت عليه الأسئلة في شتى القضايا، فأجاب عليها جميعًا إجاباتٍ مسددةً من غير اضطرابٍ ولا تردد، وحمل لقب الأستاذ وهو بعد في سن الرابعة عشرة، ونشر أنوار العلم والحكمة في الناس من حوله، وشاهد أهلُ العلم والعرفان من العمق والدقة في عباراته، ومن الرفعة والقوة في بيانه، ومن الفراسة البعيدة والبصيرة النافذة في توجيهاته، ما حيرهم ودفعهم لأن يطلقوا عليه بحقٍّ لقب بديع الزمان.