707

وقد حصل مرةً أنّ أحد القضاة أمرَ عامله أن يقطع يدَ سارقٍ وجَب في حقه القطع، فرآه يقطعها بحدَّةٍ وغضب، فعزله في الحال، وقال بأسفٍ شديد: إن مَن يُقحِم مشاعرَه على هذا النحو باسم العدالة هو ظالِمٌ ظلمًا فادحًا.

أجل، ليس له حين ينفذ حكم القانون أن يحتدَّ على المحكوم حتى وإن لم يكن مشفقًا عليه، فإن احتدَّ كان ظالمًا؛ بل إنْ كانت العقوبةُ القصاصَ، وقَتَل العاملُ الجانيَ محتدًّا غاضبًا كان قاتلًا بنوعٍ ما كما أفاد ذلك القاضي العادل.

وعليه، فما دامت مثلُ هذه الحقيقةِ الخالصةِ المبرَّأةِ عن الغرض هي التي تسود المحكمة، فما بال المَعنيِّين هنا يوجِّهون الإهانات لطلاب النور، ويُعاملونهم بحِدَّةٍ وجفاءٍ، مع أنهم أبرياء محتاجون للسُّلوان ورأفة العدالة، وقد برَّأتهم ثلاث محاكم، ويَشهد لهم تسعون بالمئة من هذا الشعب بأماراتٍ جِدِّ كثيرةٍ أنهم أشخاصٌ نافعون للوطن والشعب لم يتأتَّ منهم ضرر!!

ولأننا قررنا أن نواجه كلَّ مصيبةٍ وإهانةٍ بالصبر والتحمل، فقد سكتنا محيلين الأمر على الله عز وجل، وقلنا: عسى أن يكون في الأمر خيرٌ لنا، غير أني خشيتُ من هذه المعاملة السيئة التي يُعامَل بها أولئك الأبرياء المساكين بناءً على تقارير مغرضةٍ تثير الهواجس.. خشيتُ أن تصبح سببًا لحلول البلايا، فاضطررتُ لكتابة هذا الدفاع.

والحقيقة أنه إن كان في هذه القضية مسؤوليةٌ فهي مسؤوليتي، أما هؤلاء الإخوة المساكين فإنما ساعدوني ابتغاء مرضاة الله لأجل أن يُحرِزوا إيمانهم وآخرتهم لا غير، وهم إن كانوا يستحقون شيئًا فإنما يستحقون التقدير الجزيل، غير أنهم لقُوا من سوء المعاملة ما أثار الحِدَّة حتى من الشتاء نفسه. [يقصد ما وقع في ذلك الشتاء من شدة البرد والعواصف غير المعهودة ونحوها مما يُعَدُّ نذيرَ سوء؛ هـ ت]