695

قلتُ لهم: إنني أعيش منزويًا منذ حوالي عشرين سنة، وقد بقيتُ طَوالَ هذه المدة تحت الرقابة والمتابعة الدائمتَين، سواءٌ في «قسطمونو» التي أقمتُ بها ثماني سنواتٍ في منزلٍ مقابلٍ لمخفر الشرطة، أو في غيرها من الأماكن، فضلًا عن أن منزلي فُتِّش عدة مراتٍ، ومع هذا كلِّه لم تُرَ مني أيَّةُ أمارةٍ أو بادرةٍ تتصل بالدنيا أو بالسياسة؛ فلو كان ثمة شيءٌ من هذا القبيل، ثم لم تعلم به جهات الشرطة والقضاء، أو عَلِمتْ به وتجاهلتْه، لكانت هي المسؤولةَ أكثر مني بلا شكٍّ؛ وإن لم يكن مني شيءٌ من ذلك، فلماذا تتعرضون لي من غير موجبٍ، وبما يضرُّ الوطن والشعب، مع أنه لا يُتعَرَّضُ في العالَم كلِّه للمنزوين المنشغلين بآخرتهم؟!

نحن تلاميذَ رسائل النور لا يمكن أن نجعل رسائلَ النور أداةً للتيارات السياسية، بل ولا حتى للعالَم بأسره؛ ثم إن القرآن قد منعَنا من السياسة بشدة.

أجل، وأما وظيفة رسائل النور فهي خدمةُ القرآن بالحقائق الإيمانية، والبراهين القوية القطعية التي تَضطرُّ أعتى الفلاسفة الزنادقة إلى الإيمان، والتصدي للكفر المطلق الذي يدمر الحياة الأبدية، ويحيل الحياة الدنيوية سُمًّا زُعافًا؛ فلأجل هذا لا يمكن أن نتخذ رسائل النور أداةً لأيِّ شيء.

فأولًا: إكرامًا لحقائق القرآن النفيسة كالألماس لئلا تُهان، وصونًا لها من أن تنحطَّ في نظر أهل الغفلة إلى قطعِ زجاجٍ بتوهُّم الدعاية السياسية.

وثانيًا: منعَتْنا كذلك الشفقةُ والحقُّ والحقيقةُ والوجدان، وهي من جوهر مسلك رسائل النور، منعَتْنا بشدةٍ من السياسة ومن المساس بالأمن؛ لأنه يرتبطُ بكلِّ واحدٍ أو اثنين من اللادينيين الذين سقطوا في الكفر المطلق واستحقوا الصفعات والمصائب، سبعةٌ أو ثمانيةٌ أبرياء ما بين أطفالٍ ومرضى وشيوخ، فإذا وقعت الكارثة وحَلَّت المصيبة اكتوى بنارها هؤلاء المساكين أيضًا.