746

وسلطوا علينا المحاكم أربع مرات، وزجوا بنا في السجون ثلاث مرات؛ ولهذا يعملون بكل دسائسهم على إلحاق الأذى بشخصي الذي لا أهمية له، فيضيقون عليَّ، ويستفزونني، ويضعونني في سجنٍ انفراديٍّ، ويمنعونني من التواصل مع أي شخص؛ غير أني ألحظ في هذا الأذى التفاتاتِ العناية فأشكر ربي وأتحمَّل.

لقد تحملت شدائد تفوق شدائدكم عشر مرات، وأنا أضعف منكم بعشر مرات، وأحسب أن هذا يجعل الشدائد المحدودة الجزئية العابرة التي يلقاها رجالٌ أقوياء أماجدُ أمثالكم في حكم العدم، ولهذا لا أرى ما يستلزم المزيد من مواساتكم.

ثالثًا: لا تنزعجوا مما يلحقونه بشخصي من تضييقٍ وقدحٍ وتشويه سمعة، فإنه علامةٌ على أن الأنوار وطلابها لا يُتعرَّض لهم، وأمارةٌ على أن القوم قد ضلوا السبيل؛ فإنهم يظنون أن القيمة والبراعة كامِنَتان في شخصي، فيضيقون عليَّ ويسعون للحطِّ من شأني، وفي هذا عظيم النفع والفائدة للأنوار، كما أنهم بسَجني يجعلون الواجبات الشخصية والخدمة النورية التي عجَزْتُ عن أدائها بسبب السجن في حكم المؤدَّاة على الوجه الأتم، وعسى أن يكون في هذا أجرٌ يُكفَّر به عن تقصيراتي بإذن الله.

رابعًا: إن المنافقين العاملين في الخفاء قد ضَلَّلوا بعض المسؤولين بشكلٍ أو بآخر، وأثاروا مخاوفهم بقولهم: «إن مَن يلتقي بسعيدٍ يواليه ويغدو نوريًّا، فلا تسمحوا لأحدٍ بالتواصل معه»؛ حتى لقد جعلوا مسؤولي السجن والحراسَ يتهربون مني، وأنا بدوري ممتنٌّ لهذه الحال وأشكر الله عليها.

لا ضير من عدم تلاقينا صورةً، فإننا في مكانٍ واحدٍ، ونحن معًا على الدوام معنًى وروحًا وقلبًا ووظيفةً وفكرًا وتعاونًا، فحسبُنا التلاقي المعنوي.

سعيد النُّورْسِيّ

***