761

باسمه سبحانه

إخواني الأعزاء الأوفياء..

سأخبركم بمسألةٍ جرت قبل أربعين سنةً، تشبه مسألة البارحة، وهي أن علاقة طلاب «سعيدٍ القديم» بأستاذهم كانت قد بلغت من قوة الترابط درجة التضحية والفداء؛ وكان للمنظمات الأرمنية -أعني فدائيي الطاشناق- نشاطٌ مسلَّحٌ في أطراف «وان» و«بتليس»، فكان «سعيدٌ القديم» يتصدى لهم، وينجح بدرجةٍ ما في وضعِ حدٍّ لهم، وكان قد جهَّزَ لطلابه بنادق «ماوزر»، فكانت مدرسته أشبه بثكنةٍ عسكريةٍ، يتجاور فيها الكتاب جنبًا إلى جنبٍ مع السلاح.

وذات يومٍ حضر ضابطٌ برتبة فريقٍ، وشاهَدَ ما شاهَدَ، فقال: هذه ثكنةٌ وليست مدرسة!! وكان هذا بعد وقوع «حادثة بِتْليس»، [حادثة «بِتْليس»: حادثة عصيانٍ مسلحٍ جرت في شرقيِّ الأناضول عام 1913م، قادها بعض رجال العلم ردًّا على سلوكيات بعضِ ضباط الاتحاد والترقي المنافية للدين والأخلاق والقيم؛ هـ ت] فثارت هواجسه ومخاوفه، وأمر من فوره أنْ: «خذوا أسلحته»، فأخذوا ما وقع بأيديهم منها، وكانت خمس عشرة بندقية «ماوزر»، ثم ما لبث أن اندلعت الحرب العالمية فاسترجعتُ بنادقي.

فكان بعضهم يسألني في تلك الآونة: لماذا تخشاكم المنظمات الأرمنية وفيها فدائيون أشاوس، لدرجة أنكم كلما انتشرتم على جبل «أَرَك» في «وان» انسحبوا من أمامكم وتفرقوا إلى أماكن أخرى!! فما القوة التي تتمتعون بها إلى الحد الذي يجعلهم يتصرفون هكذا؟

فكنتُ أجيب: إذا كان فدائيو الأرمن يُظهرون هذه التضحيات الخارقة لأجلِ حياةٍ دنيويةٍ فانيةٍ، ولأجل سلامةٍ ومصلحةٍ مؤقتتين تنطوي عليهما قوميةٌ ضيقةٌ هدَّامةٌ،