845

فعندئذٍ يمكن للمرء أن يقول: أنا عبدٌ مأمور، والحال أن قضيتنا هذه فيها وجوهٌ لا تحصى من المخالفة للقانون والمصادَمة لأعراف الإسلام وشرائعه، والانتهاك لقوانينه القدسية لصالح أمرٍ تعسفيّ، فهي تَنتهِك تعاليمَ الإسلام الآمرةَ بالرأفة بالمريض والعطف على الغريب وعدم التضييق على مَن يدعو إلى القرآن والإيمان في سبيل الله، وتَعمِدُ فوق هذا إلى رجلٍ منزوٍ قد ترك الدنيا فتأمره بارتداء قبعةٍ على شاكلة الرهبان الأجانب!!

وإن القيام بمثل هذه الإجراءات مع شخصٍ غريبٍ فقيرٍ مثلي، قد طعن في السن، واشتد به المرض، وبلغ بابَ القبر، وانزوى وترك الدنيا منذ خمسٍ وثلاثين سنةً لئلا يخالف السنة النبوية السَّنيَّة.. لا ريب أن هذا النوع من المعاملة إنما يُدار في كواليس الشيوعية، ويوجَّه لضرب الوطن والشعب والإسلام والدين خدمةً لمصالح الفوضوية الهدَّامة، ويستهدف في الوقت نفسه التيار الديمقراطي والنواب المتديِّنين الذين حملوا على عاتقهم مهمة خدمة الدين والوطن والتصدي لمخططات التخريب الخارجية؛ وإنني في دفاعي هذا أَلفِتُ انتباههم لئلا يتركوني وحيدًا في التصدي لهذا المخطط الخبيث.

حاشية:

إن رجلًا نذر نفسه للدفاع عن الإسلام، ووهب حياته لخدمة القرآن، وحافظ على عزة الإسلام فلم يقف للقائد الروسي الذي تعمَّد المرور من أمامه عدة مرات، ولم يرضخ لتهديده له بالإعدام؛ وجابَهَ معتزًّا بإسلامه قائدَ الجيش الإنكليزي الذي احتل اسطنبول ومَن مالأه من المشايخ الذين أفتوا له فلم يكترث لتهديده إياه بالقتل، بل أعلنها مدويةً في المنشورات أن ابصقوا في وجوه هؤلاء الظَّلَمةِ الأوغاد؛ وخاطب مصطفى كمال وسط حشدٍ من خمسين نائبًا غير مبالٍ بحدَّته ونَزَقِه فقال له: «إن تارك الصلاة خائن»؛ وأبى أن يداهن أو يتملَّق رجال المحكمة العسكرية، بل رد على استجواباتهم المتوعِّدة قائلًا: أنا مستعدٌّ للتضحية بروحي فداءً لمسألةٍ واحدةٍ من مسائل الشريعة؛ واختار العزلة