794

إن أعظم عمدةٍ له ولرسائل النور إنما هي الإيمانُ بالله وتوحيدُه اللذان هما لُباب غاية الإسلام، وإنه لَيُكِنُّ من العداوة للشرك وعبادة الأوثان ما لو قُدِّر له أن يعيش في فجر الإسلام لأُوكلت إليه مُهمّة تحطيم الأصنام في ذلك الحين.

لقد عاش ما يناهز قرنًا من الزمان يجاهد في ترسيخ حقائق الإيمان والقرآن في القلوب، وكانت حياته فوق ذلك حياةَ فضيلةٍ وشهامة، عرفتْه ساحات الوغى باسلًا مقدامًا يَكُرُّ على عدوه ماضيَ العزيمة ثابتَ الجَنان، وعرَفَه الأسرُ بطلًا لا يَعبأ بآسريه ولا تُرهبه مِنَصَّة الإعدام، حتى لقد جعل قائدَ الأعداء يراجع قراره ويثوب إلى الإنصاف.

إنه فدائي لا يتردد في التضحية بروحه في سبيل الأمة والوطن، وهو خصمٌ عنيدٌ للفتنة والإفساد والتخريب، يتحمل صنوف الظلم والأذى في سبيل مصلحة الأمة، ويترفَّع حتى عن الدعاء على مَن ظلمَه، بل يرجو الصلاح والإيمان لمن زجوا به في السجون، ويهون عنده الموت في سبيل غايته القدسية.

أما طعامه فقدَحُ حَساء وكأسُ ماء ولقيماتُ خبز، وأما لباسه فغايةٌ في البساطة والتزهد: كساءٌ قطنيٌّ أبيض، وهو مع هذا بالغُ الاهتمام بالنظافة، يبدل ثيابه ويغسلها قبل أن تتسخ.. لا يحمل العملة الورقية ولا يَمَسُّها بيده.. لا يملك من متاع الدنيا شيئًا.. يعيش لأمته لا لنفسه.

نحيف القامة غير طويل، لكنه جليلٌ مَهيب، ثاقب النظرات تُشِعُّ عيناه ببريقٍ عجيب.. قد يكون أفقر مَن في الدنيا مادةً.. لكنه سلطانٌ في عالَم المعنويات.

لم تفلح آلام سنوات عمره التي تربو على الثمانين في أن تخط التجاعيد في وجهه.. إنما وحده شعره هو الذي غزاه الشيب.. أزهر اللون.. حليق اللحية.. مفعمٌ بالنشاط كأنه شاب.. هادئٌ لطيف المعشر.. لكنه متى احتدمت الأمور اعتدل في جلسته كأنه أسد وتحدث بكلامٍ هادرٍ كأنه سلطانٌ على عرشه.