796

يمر العالَم اليوم بأزمةٍ معنويةٍ كبرى، وتنتشر فيه يومًا بعد يومٍ الآفاتُ والأمراضُ التي ظهرت في المجتمع الغربي ذي الأُسس المعنوية المتصدعة، فبأيَّة حلولٍ سيتصدى العالَم الإسلامي لهذه الأمراض الفتَّاكة؟ هل سيواجهها بِنفس الحلول الباطلة التي صاغها الغرب الذي يعاني التفكك والانحلال؟ أم سيواجهها بأُسسه الإيمانية المتينة النقية؟

إنني أرى أصحاب العقول الكبيرة في غفلة، ولا يمكن لأسس الكفر النَّخِرة أن تُتخذ دعائم لقلعة الإيمان، ولهذا أجدني أُكثِّف جهودي لقضية الإيمان لا غير.

إنهم لا يفهمون رسائل النور أو لا يريدون فهمها.. يظنونني شيخًا تقليديًّا غارقًا في جدليّات المذاهب وصفحات المتون والشروح.. لقد اشتغلتُ بالعلوم الحديثة وما أنتجه العصر من معارف وفلسفات، حتى حَلَلتُ أعمق المسائل بهذا الخصوص، وألَّفت فيها مؤلفاتٍ، لكني لا أعرف حذلقة الكلام والتلاعب بالألفاظ، ولا أُعير التفاتًا لمُخاتَلات الفلسفة.. وإنما همِّي هذه الأمة: حياتُها الجَوَّانية ووجودُها المعنوي وضميرُها وإيمانُها.. وليس لي شغلٌ إلا بأساسَي التوحيد والإيمان اللذَين أرساهما القرآن.. فهما الدِّعامة التي تقوم عليها أمة الإسلام.. ومتى تزعزعت هذه الدِّعامة كان وجود الأمة في خطرٍ ماحق.

يقولون لي: لماذا تعرَّضتَ لهذا وذاك؟

أقول: لم أنتبه لذلك.. فأمامي حريقٌ هائل يبلغ لهيبه عَنان السماء.. يحترق فيه أبنائي.. وتصل ألسنة ناره إلى إيماني.. فأهبُّ مسرعًا لأُخمِد الحريق وأُنقِذَ إيماني.. فيقف أحدهم في طريقي يريد إعاقتي، فتَصدِمه قدمي.. ما أهمية ذلك؟ ما قيمةُ حادثةٍ تافهةٍ كهذه إزاء هذا الحريق الهائل؟ تفكيرٌ ضيقٌ ونظرٌ قاصر.

أيظنونني رجلًا أنانيًّا لا همَّ له إلا خَلاصُ نفسه؟! لقد ضحَّيتُ بكلِّ ما لدي في سبيل إنقاذ إيمان المجتمع، بل ضحَّيت حتى بآخرتي.. إنني على مدى حياتي الممتدة