785

هذا الزمان العصيب، فإن هذا إيذانٌ لهم بوجوب أن يتخذوا هذا الدستور القرآني درعًا ونقطةَ استنادٍ لهم، ويواجهوا به مَن كانوا بالأمس يعاملونهم بحقدٍ وضغينة.

أما الدستور الثاني من دساتير الإسلام فهو الحديث الشريف القائل: «سيدُ القوم خادمُهم». [أخرجه مرفوعًا البيهقيُّ في الشُّعَب، وأبو نُعَيم في الحلية، والديلمي في مسنده، والخطيب وابن عساكر في تاريخَيهما، وأبو عبد الرحمن السُّلَمي في آداب الصحبة، وغيرهم، وأفاد العجلوني في كشف الخفاء بأنه حسنٌ لغيره لتعدُّد طرقه؛ هـ ت]

وهو ينص على أن المنصب لخدمة الناس، وليس أداةَ تحكُّمٍ لممارسة الحاكمية والأنانية عليهم؛ إلا أنه لنقص التربية الإسلامية في هذا الزمان، وضَعفِ العبودية لله تعالى، قَوِيت الأنانية واشتد ساعدها، فلم يعد المنصب خدمةً، بل أصبح حاكميةً وتحكُّمًا استبداديًّا ومرتبةً للتكبُّر، فزال العدل وفسد من أساسه، وضاعت حقوق العباد، وصار إعمال القانون شكليًّا يشبه أداء الصلاة من غير وضوءٍ ولا استقبال قبلة؛ وكيف لمن لم يعرف حقوق الله أن يعرف حقوق العباد؟!

وثمة اليوم تياران رهيبان يعارضان هذين الدستورَين ويقفان في وجه شخصٍ كـ«عدنان مَنْدَرِس» الذي قال: «سنعمل بما يوجبه علينا الدين والإسلام»؛ وثمة احتمالٌ كبيرٌ لأن يَشُنّا هجومهما عبر خداع الشعب برشاوٍ معنويةٍ هائلة، وعبر إفساح المجال للتدخل الأجنبي.

فأما التيار الأول فقد سبق أن استباح دماء أربعين بريئًا بل قريةً بأكملها بجريرةِ مجرمٍ واحدٍ، خلافًا للدستور الأول الآنف الذكر، وهو تيارٌ على قدرٍ عظيمٍ من الاستبداد المطلق، يرشو الناس اليوم بما تصبو إليه كلُّ نفسٍ مِن تصوير المنصب على أنه حاكمية، وبهذا يشنُّ هجومه على أنصار الحرية المتديِّنين.