787

والأخروية، واتخاذُها نقطة استنادٍ لكم في مواجهتهم؛ وإلا فإن أعداءكم المتربصين بكم في الداخل والخارج سيجعلون من جنايةٍ واحدةٍ ترتكبونها آلافَ الجنايات، ثم يُلحقون بها جنايات السابقين، فيُحمِّلون جميع ذلك على عاتقكم كما حمَّلوه على غيركم، وعندئذٍ سيبلغ الخطر عليكم وعلى الوطن والشعب مبلغًا لا يمكن تلافيه.

سأدعو لكم أنا وإخواني النوريين في مقابل ما ستقومون به من خدمات، وما ستعملون به من الدستورَين المذكورَين، قائلين: وفقكم الله في خدمتكم لدين الإسلام، وحفظكم من تلكم المخاطر.

وأما الدستور الثالث فهو هذا الحديث الشريف الذي يُرسي دستورًا من دساتير الحياة الاجتماعية في الإسلام: «المؤمن للمؤمن كالبُنيان يشُدُّ بعضُه بعضًا». [أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم، باب نصر المظلوم؛ وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم؛ هـ ت]

أي إنه لا بد لمواجهة الأعداء في الخارج من نسيان العداوات والتساند التام في الداخل، ولقد وعت الجماعات منافع هذا الدستور حتى أشدُّها بدائيةً، فترى أفرادها متى دهمهم عدوٌّ خارجيٌّ تناسَوا ما بينهم من عداوةٍ مع أن فيهم مَن قتل أبا الآخَر أو أخاه، وتساندوا لصدِّ العدوان الخارجي.

لكننا وبكلِّ أسفٍ نرى في الداخل مَن استولى عليه فكرُ التحزُّبِ النابعُ من الأنانية والمراءاة والغرور والسياسة الغدارة، فتجده يستمطر الرحمة على مَن يواليه ولو كان الشيطانَ نفسَه، ويلعن معارضيه ولو كانوا الملائكةَ؛ حتى إني قبل خمسٍ وثلاثين سنةً رأيتُ عالمًا صالحًا اغتاب عالمًا صالحًا جليلًا يخالف فكره السياسي وانتقده لدرجة التكفير، بينما أثنى بحرارةٍ على زنديقٍ يحارب الإسلام لمجرَّد أنه يوافق فكره ويؤيده، فتركتُ السياسة من حينها وفررتُ منها فراري من الشيطان.