سعيد نور وطلابه

ثمة رجلٌ طاعنٌ في سنه، محظوظٌ في سعيه، تلتف حوله أجيالٌ شتى من أبناء الثامنة إلى أبناء الثمانين، أعمارهم متفاوتة.. أفكارهم متنوعة.. أعمالهم مختلفة.. لكنْ لا فرق بينهم رغم ذلك، فقد جمعهم الإيمان بالله رب العالمين، وبرسوله الأمين، وبكتابه الكريم؛ وتُنبئ أحوالهم عن أناسٍ وجدوا ما كانوا يبحثون عنه، ويتلقَّون القرآن غضًّا طريًّا كأنه أُنزِل اليوم.

حين يتأمل المرء في أحوال سعيد نور وطلابه يشعر وكأنه انتقل إلى عصر السعادة.. عصر الرعيل الأول، يرى النور يشع من مُحيَّاهم، ويتراءى في ظاهرهم وباطنهم، وتعلوهم سكينةٌ غامرة.. ويا لها من سعادةٍ أن يرتبط المرء بما هو طاهرٌ عُلويٌّ خالد.. وأن يتصل بخالق الأكوان، القريب الرقيب في كل مكان.. أجل، ما أسعد المرء حين يسلك هذا الطريق ويكون من عشاقه!!

سعيد نور رجلٌ مَخَضتْه التجارب، وعاش خلال عمره الطويل ثلاث مراحل: مرحلة المشروطية، ثم الاتحاد والترقي، ثم الجمهورية؛ وكلُّ واحدةٍ من هذه المراحل كانت ملأى بالتحولات والانحلالات والانهيارات، لم يبق فيها شيءٌ إلا تهاوى، سوى رجلٍ واحدٍ ظل صامدًا لم يتزعزع.. رجلٌ قَدِم من ذُرى الشرق.. من حيث تطلع الشمس.. وجاء إلى اسطنبول يحمل بين جنبيه إيمانًا كالجبال الراسيات.. تَقَلَّده درعًا تصدى به لشرور هذه المراحل الثلاث.

لم يعتمد إلا على ربه، ولم يتأسَّ إلا بنبيه.. هذا كل ما لديه.. وقف عزيزًا شامخَ الرأس كجبلٍ أشَمّ، لم يقدر ظالمٌ على حَنيِه، ولم يُجارِه عالِمٌ في علمه.. إرادةٌ صلبةٌ كالصخر، وذكاءٌ حادٌّ كالبرق.. ذلكم هو سعيد نور.. رجل المعنويات المدهش الذي لم تستطع أن تردَّه على عقبيه محاكمُ عسكريةٌ ولا ثوراتٌ ولا انقلابات.. ولم تفلح المنافي ولا مِنَصّات