800

الإعدام في أن تجعله يحيد عن دربه.. لقد صمد أمام كلِّ هذه الشدائد والتحديات بقوةٍ وشجاعةٍ نابعتَين من إيمانه العميق، كأنما تجلى فيه قول الله تعالى: ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:139].

لقد قرأنا مدافعاته التي أدلى بها في المحاكم، فما هي بدفاعٍ عن النفس، بل هي دفاعٌ عن قضيةٍ كبرى، وحُقَّ لها أن تكون سِفرًا نفيسًا تشرق صفحاته بالشجاعة والثبات والعبقرية.

لماذا كان سقراط عظيمًا إلى هذه الدرجة؟ أليس لأنه استرخص حياته في سبيل القضية؟! إن أقل ما يوصف به سعيد نور هو أنه كسقراط، لكن أعداء الإسلام صوروه على أنه رجعيٌّ متخلِّف، فالعظمة بنظرهم لا تكون إلا للأجنبي.

لقد اقتيد هذا الرجل من محكمةٍ إلى أخرى، لكن كانت له الكلمة العليا حتى وهو في قفص الاتهام؛ وزُجَّ به في غياهب السجون، فانقلبت بفضله السجون والزنازين مدارسَ يوسفية، لقد أنار سعيد نور السجون والقلوب؛ وكم من مجرمين قتلة، ومنتهكي حُرُماتٍ، وخارجين على القانون، فَنُوا وانمحَوا عن ذواتهم أمام نموذج الإيمان هذا، وغدا كل واحدٍ منهم مؤمنًا طيبًا ومواطنًا صالحًا حتى لكأنهم خُلِقوا من جديد!! فأيَّةُ مدرسةٍ أو أيُّ نظامٍ تربويٍّ لديكم استطاع فعلَ هذا أو يستطيعه؟!

ولطالما نَفَوه من مكانٍ إلى آخر، فكان حيثما نُفي يُصبح المنفى وطنَه الأم، وحيثما حلَّ التفَّ حوله مؤمنون أطهار أنقياء، ولم تفلح القوانين ولا الأوامر، ولا رجال الأمن والشرطة، ولا جدران السجن المصمتة، في أن تفصل بينه وبين إخوانه المؤمنين لحظةً واحدة، بل انقلبت طبقاتُ الحواجز المادية الكثيفة الفاصلة بين الطلاب ومرشدهم الجليل ستائرَ لطيفةً بفضل الدين والإيمان والحب.

لقد قيَّده القوم بقيودٍ ماديةٍ صمّاء، وطوَّقوه بتهديدات القوة العمياء، لكنَّ عالَم الروح لا يعرف الخضوع لهذه القيود، بل سرعان ما اندفعت أمواجُ بحاره الزاخرة،