804

وجاءت انتخابات الرابع عشر من أيار 1950 م لينتهي ربعُ قرنٍ من الاستبداد وتتهاوى أركانه، وفرِحَ الناس فرحًا لا حدَّ له وكأنهم في عيد، إذ شعروا بأنهم هم أصحاب القرار المتحكِّمون بمقدَّراتهم، وبينما كان المأمول أن يتغير كلُّ شيءٍ إذا بنا نرى والي «أفيون» ومدير ناحية «أميرداغ» لم يغيرا شيئًا من سيرتهما الأولى، وظلَّت عناصر مخابراتهما تلاحق كلَّ تجمُّعٍ ولو كان من شخصَين أو ثلاثة، وتضع بيت بديع الزمان تحت المراقبة، ويصبح بمقدور أصغر عنصرٍ من عناصر الشرطة أن يُداهم البيوت من غير إذنٍ رسمي وينتهك حرماتها، خلافًا لقانون الجمهورية التركية الذي يقرر مراعاة حرمة البيوت، ثم لا يلقى هذا العنصر المغوار عقوبةً على فعلته الشنيعة هذه، وعاد القوم يتعرضون من جديدٍ لزيِّ الأستاذ وهيئته، ويُسجِّلون أسماء مَن يزورونه ويستدعونهم إلى المخافر كما كانوا في سابق عهدهم.

…….

كان المطلوب تصفيةَ عالِمٍ جليلِ القدر كبيرِ السن، وقفَ نفسَه لخدمة هذا الشعب على مدى ثمانين سنة؛ ومتى تقرر تنفيذ هذه المهمة الوضيعة؟ في شهر رمضان المبارك.. ليلة عيد الفطر، من خلال دسِّ السُّمِّ في طعام إفطاره!! أجل، وحسبكم بهذا شناعةً ووضاعةً لا يقبلها خُلُقٌ ولا ترضاها إنسانية!! ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أقيم عند باب بيته الشبيهِ بالزنزانة الانفرادية عنصرٌ من الحرس يمنع دخول أيِّ فرد، وتُرِك الأستاذ وحدَه يصارع الموت!! فواأسفاه على هذه الحال!! إنها لتُبكي كلَّ مَن في قلبه إيمانٌ وإسلام.. لكن ليس بتذراف الدموع والعويل نتصدى لهذا الأسى.. بل بالجِدِّ والعمل في سبيل الله.

نهاد يازار

***