909

بريءٌ منها، فلماذا يُصِرُّون على ظلمهم لي؟ ولماذا أظلُّ عرضةً للظلم والأذى المستمر رغم براءتي وسلامة ذمتي؟ ولماذا لم أستطع الخلاص من كلِّ هذه المصائب والمحن؟ ألا يُعدُّ هذا مخالِفًا للعدالة الإلهية؟

لقد ظلَّت هذه التساؤلات محلَّ تفكيري طَوالَ ربع قرن، ولم أكن أجد لها جوابًا، فكانت مَثارَ حزني وألمي، لكنني اليوم عرفتُ السبب الحقيقيَّ من وراء ظلمهم إيَّاي وإيذائهم لي، وإنني أقولها بكل أسف: لقد كان ذنبي أنني أردتُ اتخاذ خدمتي القرآنية أداةً لترقياتي وكمالاتي المادية والمعنوية، وهذا أمرٌ أعيه وأشعر به اليوم تمامًا، لكنني أحمد الله تعالى وأشكره بلا حدٍّ أنْ قامتْ موانع معنويةٌ قويةٌ لا يَدَ لي فيها، كانت تمنعني طَوالَ هذه السنين من اتخاذ خدمتي الإيمانية أداةً لترقياتي وكمالاتي المادية والمعنوية، أو وسيلةً للنجاة من العذاب والجحيم، أو حتى وسيلةً لنيل السعادة الأبدية أو سوى ذلك من المقاصد.

لقد أثارت هذه الخواطر والمشاعر العميقة عَجَبي وحَيرتي، فمع أن كل إنسانٍ يرنو لنيل المقامات المعنوية، ويسعى بالعمل الصالح للفوز بالسعادة الأُخروية، ومع أن التوجُّه لهذه الغايات حقٌّ مشروعٌ لكلِّ أحد، ولا ضرر منه على أحد، إلا أني لطالما مُنِعتُ من هذه الأحوال قلبًا وروحًا، وأُريتُ ألَّا مطلب أسعى إليه بعد مرضاة الله تعالى سوى تأدية الخدمة الإيمانية بدافعٍ من وظيفتي العِلمية الفطرية؛ ذلك أن الحقائق الإيمانية -وهي التي ما ينبغي أن تُتَّخَذ أداةً لشيء، أو تكون تابعةً لشيء، بل هي تسمو على كلِّ غايةٍ ومقصَد- لا بدَّ أن تُلَقَّنَ في هذا الزمان بعبودية فطرية لمن يحتاجها ولمن لم يعرفها، تلقينًا يترك بالغ الأثر، ولا بدَّ لحقائق القرآن أن تُعلَّم على نحوٍ لا تكون معه أداةً لشيء، بل تُعلَّم بحيث تُنقِذ إيمان المرء في هذه الدنيا المتقلِّبة المضطربة، وتورِث المعانِدَ اليقينَ القطعي، وحقيقٌ بمثل هذا المسلك أن يَقصِم ظهر الكفر المطلق، ويقطع دابر الضلالة المتمرِّدة المعاندة، ويورِث كلَّ إنسانٍ القناعةَ القاطعة.