923

أجابتْ عنها رسائلُ النور إجابةً عقليةً منطقية، وبيَّنت وجه إعجازٍ في كلِّ نصٍّ من نصوص هذه الآيات والأحاديث، وبذلك واجهت الشبهات والضلالات الواردة من العلوم والفنون فاستأصلتها من جذورها متبعةً في ذلك منهجيةً علميةً رصينة.

وإذا شئنا الحديث عن رسائل النور من منظور أدبيٍّ لقلنا: إنها تتمتع بسموٍّ أدبيٍّ فريد، ويمتاز أسلوبها المتفرِّد ببلاغةٍ وفصاحةٍ وعذوبةٍ وإيجازٍ لا نجده حتى في المؤلفات المشتهرة بين الناس، ويجدر بنا أن نذكر في هذا المقام أنه حين طلب بعضُ العلماء الأجلاء كتابَ «عصا موسى» بإلحاحٍ شديد ليترجموه إلى العربية قُدِّمَ لهم، فلما اطلعوا عليه شهدوا للأستاذ ورسائله بالفضل والمزية قائلين: لا يترجِم كتبَ بديع الزمان إلا بديعُ الزمان نفسه.. فنحن عاجزون عن ترجمة رسائل النور ترجمةً تحيط بما فيها من العلم، وتحافظ على ما فيها من بلاغةٍ وفصاحةٍ وإيجاز.

إن منهج بديع الزمان في مؤلفاته هو أنه -خلافًا لمعظم الكُتَّاب والأدباء- يولي المعنى أهميةً أكثر من اللفظ، فلا يُضحِّي بالمعنى لأجل اللفظ، بل يجعل اللفظ خادمًا للمعنى تابعًا له، ولا يراعي في أسلوبه هوى القارئ، وإنما يتخذ الحقيقة والمعنى عمدةً وأساسًا، فهو إذْ يفصِّل ثوبًا للبدن يقصُّه بما يناسب البدن وليس العكس؛ وتلك هي الجاذبية الربانية التي تنطوي عليها رسائل النور، والتي تسوق العقول والقلوب والأرواح والضمائر نحو الحقيقة فتخضع لها وتنقاد، حتى لَتجدُ الصغار والكبار، والشباب والشيوخ، والعوام والخواص ينجذبون نحوها كما ينجذب الفراش إلى النور؛ وخير مثالٍ على هذا هو الإقبال الشديد الذي شهدته الرسائل من شريحةٍ واسعةٍ من أبناء المجتمع مما أفزع أعداء الدين وأثار مخاوفهم.

وكما هي الحال مع شتى جوانب رسائل النور فليس بالمقدور وصفُ الجانب الأدبي فيها وبيانُ قيمته وأهميته كما يليق به، خصوصًا لأمثالنا ممن لم يبلغوا شأو الأدباء، ولئن جاءت عباراتنا في هذا المقام قاصرةً لا تفي بالمطلوب كما هو شأن جهد المُقِلِّ، إلا