919

من الإعجاز المعنوي للقرآن المعجز البيان لتؤدي هذه الوظيفة السامية، وكانت بالإضافة إلى هذا وسيلةً للترقي والتزكي في مراتب الإيمان التي لا تُحَدّ.

إخوتَنا الأعزاء.. في زمنٍ هائجٍ عاتٍ هَيمَنَ فيه الإلحاد والكفر المطلق.. وفي عهدٍ مروِّعٍ شُرِعَ فيه بتنفيذ مخططات محو الإسلام والإيمان والقرآن.. وفي حقبةٍ رهيبةٍ لم يسبق لها مثيلٌ في التاريخ شُنَّت فيها حربٌ شعواء على علماء الدين وكُمِّمَت أفواههم ومُنِعوا من أداء وظيفتهم الشرعية في نشر العلوم الدينية وبيان الحقائق القرآنية وتبليغها.. في هذه المرحلة بالتحديد برز بديع الزمان سعيد النُّورْسِيّ بمفرده إلى ميدان الجهاد الديني مضحِّيًا شجاعًا ومدافعًا ثَبْتَ الجَنان يَذود عن القرآن والإيمان والإسلام.. ووقف وحدَه يتحدى لا الفراعنة المحليين فحسب، بل جميع ملاحدة أوروبا، فكان رجلًا بأمة، وراح ينشر حقائق القرآن في ظلِّ ظروفٍ قاهرةٍ ساد فيها ِ الظلم الشديد والاستبداد المطلق، ولقي في سبيل ذلك ما لقي من الأذى والتضييق والمراقبة والملاحقة والمنع من أبسط الحقوق، وكان شعاره على الدوام: إن وظيفتنا هي السعي والعمل، أما النصر والهزيمة، والتوفيق والقبول، فبِيَدِ الله تعالى وحده، ولسنا نتدخل في الشؤون الإلهية.

لقد ألَّف أستاذنا رسائل النور بعنايةٍ إلهيةٍ في ظلِّ تلك الظروف الصعبة، ونشَرَ معظمَها كتابةً بخط اليد وبالحروف العربية القرآنية في الوقت الذي استُبدِلت بها رسميًّا حروفٌ لاتينية، وبذلك حافظ الأستاذ على خط القرآن، وحظي مئاتُ الآلاف من الشباب التركي بنعمةِ وشرفِ تعلُّم خط المصحف الشريف قراءةً وكتابةً؛ ولقد عبَّر الأستاذ في هذه الرسائل -بما آتاه الله من قوة إيمانٍ وإخلاصٍ تامٍّ- عن الحقائق القرآنية والإيمانية، وبيَّنها بأسلوبٍ جديدٍ تمام الجِدَّة يناسب أفهام العصر، ويتيح لجميع طلابه الاستفادة منها سواءٌ كانوا من العامة أو من الخاصة؛ وبهذا وُفِّق بفضل الله لإخراج تفسيرٍ قرآنيٍّ رفيعِ المستوى مشرقِ المعنى يفيض حيويةً كرسائل النور، ولقد كان من الآثار الجليلة لهذه المؤلَّفات الرائعة حِفظُ الوطن والشعب من الإلحاد والشيوعية.