920

وفي زمنٍ أُزيلت فيه الشعائر الإسلامية بالقوة، وكثُر فيه علماء السوء الذين قدَّموا مصالح الدنيا وظنوا أنفسَهم مجبَرين، فتنازلوا عن تلك الشعائر القدسية، وتصرفوا بما يعود على الدين بالضرر، واستجابوا لما طُلِبَ منهم من مسايرة البدع وإصدار فتاوى تخالف الإسلام.. في ذلك الزمن بالتحديد ثبت بديع الزمان ثباتًا راسخًا بلسان حاله ومقاله وأفعاله، فلم يغير ولم يبدِّل برغم كلِّ الأذى الذي لَقِيَه والذي وصل إلى درجة التهديد بالإعدام، بل خاض نضاله بكل إقدامٍ قائلًا: «إن الأجل واحدٌ لا يتغير، وإن الموت ما هو إلا تذكرة ذهابٍ من عالَم الفناء هذا إلى عالَم البقاء وعالَم النور»، وأخذ ينشر سِرًّا وخلال ثلاثين سنةً مؤلفاتٍ تُحذِّر من البدع وتحاربها، وتحافظ على الشعائر الإسلامية، وتُحيي السُّنة السَّنيَّة، وبذلك سَرَت في محيطه نفحةٌ من نفحات عصر النبوة، وسطعت فيه جَلوةٌ من جلواته.

لقد اختار الأستاذ العيش في عزلةٍ يكتنفها القهر والأذى لئلا يقع في مخالفةِ سنةٍ نبويةٍ واحدة، وعَجَزَ الاستبدادُ الإلحادي المطلق الذي لم يسبق له مثيلٌ في تاريخ البلاد، والذي فرَضَ حكمه على الملايين طَوالَ ثلاثين سنة.. عجز عن فرض حكمه على بديع الزمان بأيِّ شكلٍ من الأشكال، بل ظلَّ هؤلاء الظَّلَمَة المستبدون مهزومين في مواجهته.

إن رسائل النور تقوي إيمان المرء إذْ تنقله من الإيمان التقليدي إلى الإيمان التحقيقي، وبذا ينال سعادة الدارَين وحُسن الخاتمة، وهي في الوقت نفسه تُلزِم أعتى الفلاسفة الملحدين الحجةَ، بل إن إحدى خصوصياتها هي أنها -خلافًا لأسلوب المتكلمين- تلقي على قارئها الدرس الإيماني نقيًّا صافيًا دون الخوض في شبهات أهل الضلال وزيغهم، فتداوي أدواءَه المعنوية دون أن تُخلِّف في نفسه شيئًا من جراح الشبهات ونُدوبِها، وبهذا تقضي على الوساوس والأوهام، وتجيب على الأسئلة والإشكالات بأسلوبٍ يُلزِم النفس ويُطمئن القلب.

ورسائل النور تنير العقل والقلب معًا، وتُملِّك المرءَ زمامَ نفسه، ولهذا يتمسك