رسالةٌ من عالِمٍ فاضلٍ مقيمٍ بالمدينة المنوَّرة،
وعى حقائق رسائل النور وجرَّد نفسه لخدمة الإسلام

حضرةَ أستاذنا المحترم المبجَّل فاتح القلوب.. أقبِّل يديكم الكريمتين، وأضرع إلى ذي العزة والجلال أن يديم عليكم وعلى طلابكم الأعزاء الأوفياء الصحةَ والسلامة.

وصلني خبرُ براءتكم التي يجدر وصفُها بأنها عيدٌ للمسلمين، فسرَّتْني وأفرحَتْ قلبي كما سَرَّتْ وأفرحَتْ جميع طلاب النور، وكيف لا أُسَرُّ وهذه البراءة تعني انتصار الروح على الماديات، والنور على الظلمات، والإيمان على الكفر، والحق على الباطل، والتوحيد على الشرك، والعرفان على الجهل؟!

أجل، فعلى مرِّ السنين التي خَلَتْ نُصِبَتْ أمام فيض النور عقباتٌ كسلاسل الجبال الشاهقة، وأُقيمتْ عوائق كالهُوى الساحقة، وها هو شلال النور في نهاية المطاف يشق طريقه على نحوٍ معجزٍ، فيحطم السدود، ويكتسح العقبات، ويبدِّد بالنور كلَّ الظلمات.

كانوا يقولون: «إن التجليات الإلهية التي تتراءى مع الخوارق المعجِزة تَكِلُّ عن وصفها الأقلام، وتتضعضع الأفكار، وتَذوي شعلة الإلهام وتستحيل رمادًا»، والحقيقة أنني أشعر بهذا العجز يجتاح كياني إزاء هذا النصر الفريد، إذْ تنفتح لفكري وإلهامي آفاقٌ رحبةٌ لا تتناهى، وترتسم الدنيا في ناظريَّ مسجدًا نورانيًّا مَهيبًا، وتغشى كلَّ شيءٍ من حولي حالةُ وجدٍ عميق واستغراقٍ شامل، ويتجلى في كلِّ ذرةٍ سرٌّ سبحانيٌّ من قول الحق جلَّ شأنه: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء:44]، فأجدني حائرًا في وصف هذا الحدث السعيد، أَأَصِفه بأنه نصرٌ عظيم؟ أم فتحٌ مبين؟ أم إنقاذٌ إلهيّ؟ أم عيدٌ يعمُّ أرجاء الدنيا؟ ذلك أن النصر الإلهي الذي تَكَلَّلتْ به هذه الدعوة القدسية قد قوَّى عزائم الدعاة المجاهدين في العالَمين الإسلامي والإنسانيِّ، وبعث الحياة في أرواحهم، وأورث إيمانهم حماسًا ومَضاءً.