بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (ﻳﺲ:82-83)

ﻛﺘﺒﺖُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻟﺘﻤﻨﺢ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻌﻤﻴﺎﺀَ ﺑﺼﻴﺮﺓً، ﻭﻟﺘﺒﺪﺩ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ، ﻭﻟﺘﻜﻮﻥ ﻣﺒﻌﺜﺎ لاﻃﻤﺌﻨﺎﻧﻬﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺈﺭﺍﺀﺗﻬﺎ ﺃﺭﺑﻊ ﺃﺷﻌﺎﺕ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ.

   ﺍﻟﺸﻌﺎﻉ ﺍلأﻭﻝ

    ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﺔ! ﺗﻘﻮﻟﻴﻦ: ﺇﻥّ ﺃﺣﺪﻳﺔ ﺫﺍﺕِ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻣﻊ ﻛﻠﻴﺔ ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ، ﻭﻭﺣﺪﺓ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﻊ ﻋﻤﻮﻣﻴﺔ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺩﻭﻥ ﻣﻌِﻴﻦ، ﻭﻓﺮﺩﻳﺘﻪ ﻣﻊ ﺷﻤﻮﻝ ﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻪ ﺩﻭﻥ ﺷﺮﻳﻚ، ﻭﺣﻀﻮﺭﻩ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﻣﻊ ﺗﻨﺰﻫﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻭﺭﻓﻌﺘﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻣﻊ ﻗﺮﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﻣﻊ ﺃﻥ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺘﻪ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ.. ﻭﺗﻘﻮﻟﻴﻦ: ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺣﻜﻴﻢ، ﻭﺍﻟﺤﻜﻴﻢ لا ﻳﺤﻤّﻞ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻣﺎ لا ﻳﻘﺒﻠﻪ. ﺑَﻴْﺪَ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻳﺮﻯ ﻣﻨﺎﻓﺎﺓ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ. ﻟﺬﺍ ﺃﻃﻠﺐُ ﺇﻳﻀﺎﺣﺎ ﻳﺴﻮﻕ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ.

   ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻣﺎﺩﺍﻡ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ، ﻭﺗﻄﻠﺒﻴﻦ ﺫﻟﻚ ﻟﺒﻠﻮﻍ ﺍلاﻃﻤﺌﻨﺎﻥ، ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﻘﻮﻝ ﻣﺴﺘﻨﺪﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﻓﻴﺾ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ: ﺇﻥ ﺍﺳﻢ (ﺍﻟﻨﻮﺭ) -ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ- ﻗﺪ ﺣﻞّ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﻣﺸﻜـلاﺗﻨﺎ، ﻭﻳﺤﻞّ ﺑﺈﺫﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺃﻳﻀﺎ.

ﻧﻘﻮﻝ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻟﻔﺎﺭﻭﻗﻲ ﺍﻟﺴﺮﻫﻨﺪﻱ، ﻣﻨﺘﻘﻴﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻤﻨﻮﺭ ﻟﻠﻘﻠﺐ:

     ﻧَﻪ ﺷَﺒَﻢْ ﻧَﻪ ﺷَﺐْ ﭘَﺮَﺳْﺘَﻢْ ﻣَﻦْ     ﻏُـلاﻡِ ﺷَﻤْﺴَﻢْ ﺍَﺯْ ﺷَﻤْﺲِ ﻣِﻰ ﮔُﻮﻳَﻢْ ﺧَﺒَﺮْ

 (حاشية) ﻳﻌﻨﻲ: ﻭﺇﻧﻲ ﻏـلاﻡ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺃﺭﻭﻱ ﺣﺪﻳﺜَﻬﺎ ﻓﻤﺎ ﻟﻲ ﻭﻟﻠّﻴﻞ ﻓﺄﺭﻭﻱ ﺣﺪﻳﺜَﻪ.

ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﺃﺳﻄﻊ ﻣﺮﺁﺓ ﻋﺎﻛﺴﺔ لإﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﻨﺤﻦ ﺃﻳﻀﺎ ﺳﻨﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ. ﻭﺫﻟﻚ: ﺃﻥ ﺷﺨﺼﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻳﻜﺴﺐ ﺻﻔﺔ ﻛﻠﻴﺔ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﺟﺰﺋﻲ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻳﺼﺒﺢ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻛﻠﻲ ﻣﺎﻟﻚ ﻟﺸﺆﻭﻥ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻋﺎﻣﺔ.

ﻓﻤﺜـلا: ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻭﻫﻲ ﺟﺰﺋﻲ ﻣﺸﺨّﺺ، ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺸﻔﺎﻓﺔ ﺗﺼﺒﺢ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﻤﻸ ﺳﻄﺢ ﺍلأﺭﺽ ﺑﺼﻮﺭﻫﺎ ﻭﺍﻧﻌﻜﺎﺳﺎﺗﻬﺎ، ﺑﻞ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻠﻮﺍﺕ ﺑﻌﺪﺩ ﺍﻟﻘﻄﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﺎﻃﻌﺔ. ﻭﺣﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺿﻴﺎﺅﻫﺎ، ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﻟﻮﺍﻥ ﺳﺒﻌﺔ، ﻳﺤﻴﻂ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎﺑﻠﻬﺎ ﻭﻳﺸﻤﻠﻬﺎ ﻭﻳﻌﻤّﻬﺎ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴِﻪ ﻓﺎﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺷﻔﺎﻑ ﻳﺨﺒﺊ ﻓﻲ ﺑﺆﺑﺆ ﻋﻴﻨﻪ -ﻣﻊ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺸﻤﺲ- ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﻭﺍﻟﻀﻴﺎﺀ ﻭﺍلأﻟﻮﺍﻥ ﺍﻟﺴﺒﻌﺔ ﺃﻳﻀﺎ، ﺟﺎﻋـلا ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮ ﻋﺮﺷﺎ ﻟﻬﺎ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﺼﻔﺔ ﻭﺍﺣﺪﻳﺘﻬﺎ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎﺑﻠﻬﺎ، ﻓﻬﻲ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺃﺣﺪﻳﺘﻬﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﻨﻮﻉٍ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻲ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻊ (ﺧﺎﺻﻴﺘﻬﺎ) ﻭﺃﻭﺻﺎﻓﻬﺎ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ.

ﻭﻣﺎ ﺩﻣﻨﺎ ﻗﺪ ﺍﻧﺘﻘﻠﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻤﺜّﻞ، ﻓﺴﻨﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺛـلاﺛﺔ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻣﺤﻮﺭ ﻣﺴﺄﻟﺘﻨﺎ ﻫﺬﻩ.

ﺃﻭﻟﻬﺎ: ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻟﻸ ﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﻜﺜﻴﻔﺔ، ﻫﻲ ﻏﻴﺮ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻋﻴﻨﺎ، ﻭﻫﻲ ﻣﻮﺍﺕ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻣﺎﻟﻜﺔ لأﻳﺔ ﺧﺎﺻﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﻫﻮﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﺼﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ.

ﻓﻤﺜـلا: ﺇﺫﺍ ﺩﺧﻠﺖَ -ﻳﺎ ﺳﻌﻴﺪ- ﺇﻟﻰ ﻣﺨﺰﻥ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺳﻌﻴﺪ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻟﻒ ﺳﻌﻴﺪ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻠﻚ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻟﻮﻑ، ﻫﻮ ﺃﻧﺖ ﻓﻘﻂ لا ﻏﻴﺮ، ﻭﺍﻟﺒﻘﻴﺔ ﺃﻣﻮﺍﺕ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﻬﻢ ﺧﻮﺍﺹ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.

ثانيها: ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻟﻠﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ؛ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻋﻴﻨﺎ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻏﻴﺮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴِﻪ، ﺇﺫ لا ﺗﺴﺘﻮﻋﺐ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻲ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ؛ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﺎﻟﻜﺔ لأﻛﺜﺮ ﺧﻮﺍﺹ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻲ؛ ﻓﺘﻌﺘﺒﺮ ﺫﺍﺕ ﺣﻴﺎﺓ ﻣﺜﻠﻪ.

ﻓﻤﺜـلا: ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﺸﺮ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺃﺷﻌﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﺗﻈﻬﺮ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮﺁﺓ، ﻓﻜﻞ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﻨﻌﻜﺴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﺎﺛﻞ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻣﻦ ﺿﻮﺀ ﻭﺃﻟﻮﺍﻥ ﺳﺒﻌﺔ. ﻓﻠﻮ ﺍﻓﺘﺮﺿﺖ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺫﺍﺕ ﺷﻌﻮﺭ، ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﺣﺮﺍﺭﺗﻬﺎ ﻋﻴﻦ ﻗﺪﺭﺗﻬﺎ، ﻭﺿﻴﺎﺅﻫﺎ ﻋﻴﻦ ﻋﻠﻤﻬﺎ، ﻭﺃﻟﻮﺍﻧﻬﺎ ﺍﻟﺴﺒﻌﺔ ﺻﻔﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺴﺒﻊ، ﻟﻜﺎﻧﺖ ﺗﻮﺟﺪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﺍﻟﻔﺮﻳﺪﺓ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮﺁﺓ، ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﻧﻔﺴِﻬﺎ، ﻭلاﺗﺨﺬﺕ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﺮﺷﺎ ﻟﻬﺎ ﻳﺨﺼﻬﺎ، ﻭﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﻫﺎﺗﻒ؛ ﻓـلا ﻳﻤﻨﻊ ﺷﻲﺀ ﺷﻴﺌﺎ؛ ﻭلأﻣﻜﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻘﺎﺑﻞ ﻛـلا ﻣﻨﺎ ﺑﺎﻟﻤﺮﺁﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻳﻨﺎ، ﻭﻣﻊ ﺃﻧﻨﺎ ﺑﻌﻴﺪﻭﻥ ﻋﻨﻬﺎ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ.

ﺛﺎﻟﺜﻬﺎ: ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻟﻸﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ؛ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺣﻴﺔ، ﻭﻫﻲ ﻋﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴِﻪ، ﻭﻟﻜﻦ لأﻥّ ﻇﻬﻮﺭﻫﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻭﻓﻖ ﻗﺎﺑﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ، ﻓﺎﻟﻤﺮﺁﺓ لا ﺗﺴﻊ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ. ﻓﻤﺜـلا: ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻳﺤﻀﺮ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﻲ ﺩﺣﻴﺔ ﺍﻟﻜﻠﺒﻲ؛ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﺠﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻀﻮﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﺑﺄﺟﻨﺤﺘﻪ ﺍﻟﻤﻬﻴﺒﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺍلأﻋﻈﻢ، ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻦ لا ﺗﻌﺪّ ﻭلا ﺗﺤﺼﻰ، ﺇﺫ ﻛﺎﻥ ﻳﺒﻠّﻎ ﺍلأﻭﺍﻣﺮ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ. ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻓﻌﻞ ﻳﻤﻨﻊ ﻓﻌـلا.

ﻭﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﻧﻔﻬﻢ ﻛﻴﻒ ﻳﺴﻤﻊ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم، ﺻﻠﻮﺍﺕِ ﺃﻣّﺘﻪ ﻛﻠِّﻬﺎ، ﻓﻲ ﺍلأﻧﺤﺎﺀ ﻛﺎﻓﺔ، ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ، ﺇﺫ ﻣﺎﻫﻴﺘﻪ ﻧﻮﺭ ﻭﻫﻮﻳﺘﻪ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ.. ﻭﻧﻔﻬﻢ ﻛﺬﻟﻚ ﻛﻴﻒ ﺃﻧﻪ صلى الله عليه وسلم ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻭﺍﺣﺪ، ﻓـلا ﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪُ ﺍلآﺧﺮ.. ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﻛﺘﺴﺒﻮﺍ ﻣﺰﻳﺪﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﺳﻢ (ﺍلأﺑﺪﺍﻝ) ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﻳﻘﺎﻝ ﺇﻧﻬﻢ ﻳﺸﺎﻫَﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ. ﻭﻳُﺮﻭﻯ ﻋﻨﻬﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻧﻔﺴَﻪ ﻳﻨﺠﺰ ﺃﻋﻤﺎلا ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ. ﺇﺫ  ﻛﻤﺎ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﺰﺟﺎﺝ ﻭﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻟﻸﺟﺴﺎﻡ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ، ﻛﺬﻟﻚ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﺍلأﺛﻴﺮ ﻭﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ، ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻟﻠﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ ﻭﻭﺳﺎﺋﻂ ﺳﻴﺮ ﻭﺗﺠﻮﺍﻝ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﺍﻟﺒﺮﻕ ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﻝ. ﻓﺘﺘﺠﻮﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ ﻭﺗﺴﻴﺢ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ ﺍﻟﻨﻈﻴﻔﺔ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ، ﻓﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺃﻟﻮﻑ ﺍلأﻣﺎﻛﻦ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.

ﻓﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻋﺎﺟﺰﺓ ﻭﻣﺴﺨﺮﺓ ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ، ﻭﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺷﺒﻪ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻣﻘﻴﺪﺓ ﺑﺎﻟﻤﺎﺩﺓ ﻛﺎﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﻓﻲ ﻋﺪﺓ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ، ﺑﺴﺮ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ، ﺇﺫ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﺟﺰﺋﻲ ﻣﻘﻴّﺪ ﻳﻜﺴﺐ ﺣُﻜﻤﺎ ﻛﻠﻴﺎ ﻣﻄﻠﻘﺎ، ﻳﻔﻌﻞ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎﺭ ﺟﺰﺋﻲ ﺃﻋﻤﺎلا ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.. ﻓﻜﻴﻒ ﺇﺫﻥ ﺑﻤﻦ ﻫﻮ ﻣﺠﺮﺩ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻭﻣﻘﺪﺱ ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﻣﻦ ﻫﻮ ﻣﻨﺰّﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﺑﺎﻟﻘﻴﺪ ﻭﻇﻠﻤﺔ ﺍﻟﻜﺜﺎﻓﺔ ﻭﻣُﺒﺮّﺃ ﻋﻨﻬﺎ.. ﺑﻞ ﻣﺎ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻧﻮﺍﺭ ﻭﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺎﺕ ﻛﻠﻬﺎ ﺇلا ﻇـلاﻝ ﻛﺜﻴﻔﺔ لأﻧﻮﺍﺭ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﺑﻞ ﻣﺎ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻛﻠﻬﺎ، ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺇلا ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺷﺒﻪ ﺷﻔﺎﻓﺔ لإﻇﻬﺎﺭ ﺟﻤﺎﻝ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺪﻭﺱ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﻣﺤﻴﻄﺔ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﺷﺆﻭﻧﻪ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ.. ﺗُﺮﻯ ﺃﻱُّ ﺷﻲﺀ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺘﺴﺘﺮ ﻋﻦ ﺗﻮﺟﻪ ﺃﺣﺪﻳﺘﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺿﻤﻦ ﺗﺠﻠﻲ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﻭﺗﺠﻠﻲ ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﺑﺈﺭﺍﺩﺗﻪ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﻗﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﻋﻠﻤﻪ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ.. ﻭﺃﻱُّ ﺷﻲﺀ ﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺃﻱُّ ﺷﻲﺀ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺘﺨﻔَّﻰ ﻋﻨﻪ.. ﻭﺃﻱُّ ﻓﺮﺩ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻈﻞ ﺑﻌﻴﺪﺍ ﻋﻨﻪ.. ﻭﺃﻳﺔ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻘﺘﺮﺏَ ﻣﻨﻪ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﻜﺘﺴﺐَ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ؟

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﻧﻮﺭﻫﺎ ﺍﻟﻄﻠﻴﻖ ﻏﻴﺮِ ﺍﻟﻤﻘﻴﺪ، ﻭﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ، ﺃﻗﺮﺏُ ﺇﻟﻴﻚ ﻣﻦ ﺑﺆﺑﺆ ﻋﻴﻨﻚ، ﻭﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﻓﺄﻧﺖ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻌﺪﺍ ﻣﻄﻠﻘﺎ، لأﻧﻚ ﻣﻘﻴﺪ، ﻓﻴﻠﺰﻡ ﺍﻟﺘﺠﺮﺩ ﻣﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ، ﻭﻗﻄﻊ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﺗﺠﺎﻭﺯﻫﺎ ﻛﻲ ﺗﺘﻘﺮﺏ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﺗﻜﺒﺮ ﻛﺒﺮ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﻭﺗﻌﻠﻮ ﻋُﻠﻮّ ﺍﻟﻘﻤﺮ، ﻭﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺘﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍلأﺻﻠﻴﺔ ﻟﻠﺸﻤﺲ -ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ ﻣﺎ- ﻭﺗﺘﻘﺎﺑﻞ ﻣﻌﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﺣﺠﺎﺏ.

ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺫﻱ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ، ﻭﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺫﻱ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ -ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍلأﻋﻠﻰ-، ﻓﻬﻮ ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻴﻚ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﺃﻧﺖ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻨﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﻌﺪﺍ لا ﺣَﺪَّ ﻟﻪ. ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻚ ﻗﻮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ، ﻭﻋﻠﻮّ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﻓﺤﺎﻭﻝْ ﺃﻥ ﺗﻄﺒﻖ ﺍﻟﻨﻘﺎﻁ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.

   ﺍﻟﺸﻌﺎﻉ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

    ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (ﻳﺲ:82) ﻭﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ (ﻳﺲ:53)

ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻐﺎﻓﻠﺔ! ﺗﻘﻮﻟﻴﻦ ﺃﻥّ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬَﺎ ﺗﻔﻴﺪ ﺃﻥ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺧُﻠﻘﺖ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﺃﻣﺮ ﺇﻟﻬﻲ، ﻭﻇَﻬَﺮﺕ ﻟﻠﻮﺟﻮﺩ ﺩﻓﻌﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺍلآﺗﻴﺔ: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ (ﺍﻟﻨﻤﻞ:٨٨) ﻭ﴿أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ (ﺍﻟﺴﺠﺪﺓ:٧) ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺗﺒﻴﻦ ﺃﻥ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭُﺟﺪﺕْ ﺗﺪﺭﻳﺠﻴﺎ، ﺑﻘﺪﺭﺓ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﻭﻋﻠﻢ ﻣﺤﻴﻂ، ﻭﺇﺗﻘﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺼُّﻨﻊ ﺿﻤﻦ ﺣﻜﻤﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ. ﻓﺄﻳﻦَ ﻭﺟﻪُ ﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻧﻘﻮﻝ ﻣﺴﺘﻨﺪﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﻓﻴﺾ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ:

ﺃﻭلا: لا ﻣﻨﺎﻓﺎﺓَ ﺑﻴﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ، ﺇﺫ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻳُﺨﻠﻖ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍلأﻭﻟﻰ، ﻛﺎلإﻳﺠﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﺀ، ﻭﻗﺴﻢ ﺁﺧﺮ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﻛﺈﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﺜﻞ.

ﺛﺎﻧﻴﺎ: ﺇﻥ ﻣﺎ ﻳُﺸﺎﻫﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﻦ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﻏﺎﻳﺔ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﺨﻠﻘﺔ، ﺿﻤﻦ ﺳﻬﻮﻟﺔ ﻭﺳﺮﻋﺔ ﻭﻛﺜﺮﺓ ﻭﺳﻌﺔ، ﻳﺸﻬﺪ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻘﺴﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﻣﻄﻠﻘﺔ. ﻟﺬﺍ لا ﺩﺍﻋﻲ لأﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺪﺍﺭُ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺗﺤﻘﻖ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﺼﺢ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ: ﻣﺎ ﺳﺮُّ ﺣﻜﻤﺔ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻘﺴﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺍلإﻳﺠﺎﺩ ﻭﺍﻟﺨﻠﻖ؟.. ﻟﺬﺍ ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺑﻘﻴﺎﺱ ﺗﻤﺜﻴﻠﻲ؛ ﻓﻨﻘﻮﻝ ﻣﺜـلا:

ﺇﻥّ ﺻﺎﻧﻌﺎ ﻣﺎﻫﺮﺍ -ﻛﺎﻟﺨﻴّﺎﻁ ﻣﺜـلا- ﻳﺼﺮﻑ ﻣﺒﺎﻟﻎ ﻭﻳﺒﺬﻝ ﺟﻬﺪﺍ ﻭﻳﺰﺍﻭﻝ ﻣﻬﺎﺭﺓً ﻭﻓﻨﺎ، ﻟﻜﻲ ﻳﻮﺟﺪ ﺷﻴﺌﺎ ﺟﻤﻴـلا ﻳﺨﺺ ﺻﻨﻌﺘﻪ، ﻓﻴﻌﻤﻞ ﻣﻨﻪ ﺃﻧﻤﻮﺫﺟﺎ (ﻣﻮﺩﻳـلا) ﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻪ، ﺇﺫ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﻤﻞ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺑـلا ﻣﺼﺎﺭﻳﻒ ﻭلا ﺗﻜﺎﻟﻴﻒ ﻭﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﺗﺎﻣﺔ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺍلأﻣﺮ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﺳﻬـلا ﻭﻳﺴﻴﺮﺍ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﺄﻣﺮ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﻳُﻨﺠَﺰ، ﻭﺫﻟﻚ لأﻧﻪ ﻗﺪ ﻛﺴﺐ ﺍﻧﺘﻈﺎﻣﺎ ﻭﺍﻃﺮﺍﺩﺍ ﺩﻗﻴﻘﺎ ﻛﺎﻟﺴﺎﻋﺔ ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻳﺘﻢ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﺍلأﻣﺮ ﻟﻪ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ -ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍلأﻋﻠﻰ- ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﺍﻟﻤﺼﻮﺭ ﺍﻟﻌﻠﻴﻢ، ﻗﺪ ﺃﺑﺪﻉ ﻗﺼﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ، ﺛﻢ ﺃﻭﺩﻉ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻓﻴﻪ، ﺟﺰﺋﻴﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﻡ ﻛﻠﻴﺎ، ﺟﺰﺀﺍ ﻛﺎﻥ ﺃﻡ ﻛـلا، ﻣﻘﺪﺍﺭﺍ ﻣﻌﻴﻨﺎ، ﺑﻨﻈﺎﻡ ﻗﺪﺭﻱ ﺷﺒﻴﻪ ﺑﻨﻤﻮﺫﺝ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻲﺀ.

ﻓﺈﻥ ﺗﺄﻣﻠﺖَ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﺼﻮﺭ ﺍلأﺯﻟﻲ، ﺗﺮﺍﻩ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﺼﺮ ﺃﻧﻤﻮﺫﺟﺎ (ﻣﻮﺩﻳـلا) ﻳُﻠﺒﺴﻪ ﻋﺎﻟﻤﺎ ﺑﻜﺮﺍ ﺟﺪﻳﺪﺍ ﻟﻄﻴﻔﺎ ﻣﺰﻳﻨﺎ ﺑﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﻗﺪﺭﺗﻪ، ﻭﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ ﻣﻘﻴﺎﺳﺎ ﻳﻨﺴﺞ -ﺑﺨﻮﺍﺭﻕ ﺭﺣﻤﺘﻪ- ﻛﺎﺋﻨﺎﺕٍ ﺑِﻜﺮﺍ ﻋﻠﻰ ﻗﺪِّﻩ، ﻭﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﺳﻄﺮﺍ ﻳﻜﺘﺐ ﻓﻴﻪ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺕٍ ﺑِﻜﺮﺍ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﺰﻳﻨﺔ ﺑﺪﻗﺎﺋﻖ ﺣﻜﻤﺘﻪ. ﺛﻢ ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻛﻤﺎ ﺟﻌﻞ ﻛﻞ ﻋﺼﺮ ﻭﻛﻞ ﺳﻨﺔ ﻭﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﺃﻧﻤﻮﺫﺟﺎ، ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﺳﻄﺢ ﺍلأﺭﺽ ﺃﻳﻀﺎ، ﺑﻞ ﻛﻞ ﺟﺒﻞ ﻭﺻﺤﺮﺍﺀ، ﻭﻛﻞ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﻭﺑﺴﺘﺎﻥ ﻭﻛﻞ ﺷﺠﺮ ﻭﺯﻫﺮ ﺃﻧﻤﻮﺫﺟﺎ ﻭﻳُﻨﺸﺊ ﻛﺎﺋﻨﺎﺕٍ ﺟﺪﻳﺪﺓً ﻏﻀّﺔً ﻣﺘﺠﺪﺩﺓ ﻣﺘﺮﺍﺩﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺭﺽ، ﻓﻴﺨﻠﻖ ﺩﻧﻴﺎ ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﻭﻳﺄﺗﻲ ﺑﻌﺎﻟﻢ ﻣﻨﺴَّﻖ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺳﺤﺐ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳُﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻮﺳﻢ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕٍ ﺑﻜﺮٍ ﻟﻘﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﻳُﺒﺮﺯ ﻫﺪﺍﻳﺎ ﻣﺠﺪﺩﺓ ﻟﺮﺣﻤﺘﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﻭﺑﺴﺘﺎﻥ، ﻓﻴﻜﺘﺐ ﻛﺘﺎﺏ ﺣﻜﻤﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺑِﻜﺮ، ﻭﻳﻨﺼﺐ ﻣﻄﺒﺦ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﻣﺘﺠﺪﺩﺍ ﻭﻳُﻠﺒﺲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩَ ﺣُﻠّﺔ ﺑﺪﻳﻌﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﻭﻳﺨﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﺠﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺭﺑﻴﻊ ﻭﺷﺎﺡ ﺍﻟﺴﻨﺪﺱ ﻭﻳﺰﻳّﻨﻪ ﺑﻤﺮﺻﻌﺎﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺑﻜﺮ ﻛﺎﻟﻨﺠﻮﻡ ﺍﻟﻤﺘﻸ ﻟﺌﺔ، ﻭﻳﻤﻸ  ﺃﻳﺪﻳﻬﺎ ﺑﻬﺪﺍﻳﺎ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ..

ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻬﺬﻩ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺪّﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﺍﻟﻤﻨﺸﻮﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺣﺒﻞ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﻳﻌﻘﺐ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎ، ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﻭﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻭﺍلإﺗﻘﺎﻥ، لا ﺭﻳﺐ ﺃﻧﻪ ﻗﺪﻳﺮ ﻣﻄﻠﻖ ﻭﺣﻜﻴﻢ ﻣﻄﻠﻖ ﻭﺑﺼﻴﺮ ﻣﻄﻠﻖ ﻭﻋﻠﻴﻢ ﻣﻄﻠﻖ، لا ﻳﻤﻜﻦ ﺑﺤﺎﻝ ﻣﻦ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﺃﻥ ﺗﺒﺪﻭ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔ ﻗﻄﻌﺎ، ﻓﺬﻟﻜﻢ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻳﻘﻮﻝ: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (ﻳﺲ:83) ﻭ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾ (ﺍﻟﻨﺤﻞ:٧٧) ﻓﻴﻌﻠﻦ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﻳﺒﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﻭﺍﻟﻴﺴﺮ، ﻭﺍﻥ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻛﻠَّﻬﺎ ﻣﺴﺨّﺮﺓ لأﻭﺍﻣﺮﻩ ﻭﻣﻨﻘﺎﺩﺓ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻛﻤﺎﻝ ﺍلاﻧﻘﻴﺎﺩ، ﻭﺃﻧﻪ ﻳﺨﻠﻖ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺩﻭﻥ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﻭلا ﻣﺰﺍﻭﻟﺔ ﻭلا ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ، ﻭلأﺟﻞ ﺍلإﻓﺎﺩﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻓﻲ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻋﺒّﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ ﺃﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﺍلأﻣﺮ.

ﻭﺍﻟﺨـلاﺻﺔ: ﺃﻥّ ﻗﺴﻤﺎ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻳﻌﻠﻦ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻭﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭلا ﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﺨﻠﻖ. ﻭﻗﺴﻤﺎ ﺁﺧﺮ ﻳﺒﻴﻦ ﺍﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﺍﻟﺴﺮﻋﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍلاﻧﻘﻴﺎﺩ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﻜﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺇﻳﺠﺎﺩﻫﺎ ﻭﺇﻋﺎﺩﺗﻬﺎ.

   ﺍﻟﺸﻌﺎﻉ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ

    ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻤﻮﺳﻮﺳﺔ! ﻳﺎ ﻣﻦ ﺗﺠﺎﻭﺯﺕِ ﺣﺪّﻙِ   ﺇﻧﻚ ﺗﻘﻮﻟﻴﻦ: ﺇﻥ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾ (ﻫﻮﺩ:56) ﻭﻛﺬﺍ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ (ﻳﺲ:83) ﻭﻛﺬﺍ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ (ﻕ:16).. ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﺗﺒﻴﻦ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻘﺮﺏ ﺍلإﻟﻬﻲ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺁﻳﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﺜﻞ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (ﻳﺲ:83) ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ (ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺝ:٤) ﻭﻛﺬﺍ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ (..ﺳﺒﻌﻴﻦ ﺃﻟﻒ ﺣﺠﺎﺏ) ﻭﻛﺬﺍ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ.. ﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺗﺒﻴﻦ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺑُﻌْﺪِﻧﺎ ﻋﻨﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ. ﻓﺄﺭﻳﺪُ ﺇﻳﻀﺎﺣﺎ ﻟﺘﻘﺮﻳﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﺍﻟﻐﺎﻣﺾ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺫﻫﺎﻥ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺍﺳﺘﻤﻊ:

  ﺃﻭلا: ﻟﻘﺪ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ ﺍﻟﺸﻌﺎﻉ ﺍلأﻭﻝ؛ ﺃﻥّ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺑﻨﻮﺭﻫﺎ ﻏﻴﺮِ ﺍﻟﻤﻘﻴّﺪ، ﻭﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻏﻴﺮِ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ، ﺃﻗﺮﺏُ ﺇﻟﻴﻚ ﻣﻦ ﺑﺆﺑﺆ ﻋﻴﻨﻚ -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺮﺁﺓ ﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺭﻭﺣﻚ- ﺇلا ﺃﻧﻚ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻨﻬﺎ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺒﻌﺪ، لأﻧﻚ ﻣﻘﻴﺪ ﻭﻣﺤﺒﻮﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ. ﻭلا ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺃﻥ ﺗﻤﺲ ﺇلا ﻗﺴﻤﺎ ﻣﻦ ﺻﻮﺭﻫﺎ ﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻭﻇـلاﻟﻬﺎ ﻭلا ﺗﻘﺎﺑﻞ ﺇلا ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺟﻠﻮﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ، ﻭلا ﺗﺘﻘﺮﺏ ﺇلا لأﻟﻮﺍﻧﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺻﻔﺎﺗﻬﺎ، ﻭﻟﻄﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﺃﺷﻌﺘﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﺃﺳﻤﺎﺋﻬﺎ.

ﻭﻟﻮ ﺃﺭﺩﺕَ ﺃﻥ ﺗﺘﻘﺮﺏَ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍلأﺻﻠﻴﺔ ﻟﻠﺸﻤﺲ، ﻭﺃﺭﺩﺕَ ﺃﻥ ﺗﻘﺎﺑﻠﻬﺎ ﺑﺬﺍﺗﻬﺎ، ﻟَﺰِﻡَ ﻋﻠﻴﻚ ﺍﻟﺘﺠﺮﺩُ ﻋﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﺟﺪﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ ﻭﺍﻟﻤﻀﻲ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﻛﻠﻴﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ، ﻭﻛﺄﻧﻚ ﺗَﻜْﺒُﺮُ ﻣﻌﻨﻰً -ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺘﺠﺮﺩ- ﺑﻘﺪﺭ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﻭﺗﻨﺒﺴﻂ ﺭﻭﺣﺎ ﻛﺎﻟﻬﻮﺍﺀ، ﻭﺗﺮﺗﻔﻊ ﻋﺎﻟﻴﺎ ﻛﺎﻟﻘﻤﺮ، ﻭﺗﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻛﺎﻟﺒﺪﺭ. ﻭﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺃﻥ ﺗﺪّﻋﻲ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺏ ﺩﻭﻥ ﺣﺠﺎﺏ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ -ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍلأﻋﻠﻰ- ﻓﺎﻟﺠﻠﻴﻞ ﺫﻭ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺠـلاﻝ، ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﺍﻟﻤﻮﺟﺪ  ﻟﻜﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ، ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﺴﺮﻣﺪ، ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍلأﺯﻝ ﻭﺍلأﺑﺪ، ﺃﻗﺮﺏُ ﺇﻟﻴﻚ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻚ، ﻭﺃﻧﺖ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻨﻪ ﺑﻌﺪﺍ ﻣﻄﻠﻘﺎ. ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻳﻚ ﻗﻮﺓ ﺍلاﺳﺘﻨﺒﺎﻁ، ﻓﻄﺒّﻖ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻗﺎﺋﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ.

ﺛﺎﻧﻴﺎ: ﺇﻥ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ -ﻣﺜـلا- ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﻣﺘﺪﺍﺧﻠﺔ ﻓﻲ ﺩﻭﻟﺘﻪ، ﻓﺎﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻟﻠﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ ﻭﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻤﺸﻴﺮ ﻭﺍﻟﻔﺮﻳﻖ ﺣﺘﻰ ﻳﺒﻠﻎ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻤـلاﺯﻡ ﻭﺍﻟﻌﺮﻳﻒ. ﺃﻱ ﺃﻥّ ﺗﺠﻠِّﻲ ﻇﻬﻮﺭِﻩِ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﻭﺩﻭﺍﺋﺮ ﺿﻴﻘﺔ ﻭﺑﺸﻜﻞ ﻛﻠﻲ ﻭﺟﺰﺋﻲ.

ﻓﺎﻟﺠﻨﺪﻱ، ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺧﺪﻣﺘﻪ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ، ﻳﺘﺨﺬ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﻌﺮﻳﻒ ﻣﺮﺟﻌﺎ ﻟﻪ، ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻇﻬﻮﺭ ﺟﺰﺋﻲ ﺟﺪﺍ ﻟﻠﻘﻴﺎﺩﺓ. ﻭﻳﺘﺼﻞ ﺑﻘﺎﺋﺪﻩ ﺍلأﻋﻠﻰ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ لاﺳﻤﻪ، ﻭﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻪ ﺑﻌـلاﻗﺔ. ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻮ ﺃﺭﺍﺩ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻨﺪﻱ ﺃﻥ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﻘﺎﺋﺪ ﺍلأﻋﻠﻰ ﺑﺎﺳﻤﻪ ﺍلأﺻﻠﻲ، ﻭﺃﻥ ﻳﻘﺎﺑﻠﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ ﺍﻟﺼﻌﻮﺩ ﻭﻗﻄﻊ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻌﺮﻳﻒ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻟﻠﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﻌﺎﻡ. ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻨﺪﻱ ﺑﺎﺳﻤﻪ ﻭﺣﻜﻤﻪ ﻭﻗﺎﻧﻮﻧﻪ ﻭﻋﻠﻤﻪ ﻭﻫﺎﺗﻔﻪ ﻭﺗﺪﺑﻴﺮﻩ، ﻭﺍﻥ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺎ ﻭﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍلأﺑﺪﺍﻝ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺮﻳﺒﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺤﻀﻮﺭﻩ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﺇﺫ لا ﻳﻤﻨﻊ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻭلا ﻳﺤﻮﻝ ﺩﻭﻧﻪ ﺷﻲﺀ. ﻭﻣﻊ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻨﺪﻱ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ، ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺒﻌﺪ ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺍلأﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﻝ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺍلأﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺠﺐ ﺗﻔﺼﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻳﺸﻔﻖ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﻓﻴﺄﺧﺬﻩ ﺇﻟﻰ ﺣﻀﻮﺭ ﺩﻳﻮﺍﻧﻪ  ﺧـلاﻑ ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩ  ﻭﻳﺴﺒﻎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﻓﻀﺎﻟﻪ ﻭﺃﻟﻄﺎﻓﻪ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ -ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍلأﻋﻠﻰ- ﻓﺎﻟﻤﺎﻟﻚ لأﻣﺮ (ﻛﻦ ﻓﻴﻜﻮﻥ) ﺍﻟﻤﺴﺨّﺮ ﻟﻠﺸﻤﻮﺱ ﻭﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻛﺎﻟﺠﻨﻮﺩ ﺍﻟﻤﻨﻘﺎﺩﺓ؛ ﻓﻬﻮ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﻛﺎﻥ، ﻣﻊ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻨﻪ ﺑﻌﺪﺍ لا ﺣﺪﻭﺩ ﻟﻪ. ﻭﺇﺫﺍ ﺃﺭﻳﺪ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺩﻳﻮﺍﻥ ﻗﺮﺑﻪ ﻭﺣﻀﻮﺭﻩ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﺑـلا ﺣﺠﺎﺏ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺍﻟﻤﺮﻭﺭ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﺃﻟﻒ ﺣﺠﺎﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺠﺐ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻈﻠﻤﺔ، ﺃﻱ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍلأﺳﻤﺎﺋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺗﻴﺔ، ﺛﻢ ﺍﻟﺼﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺍﺳﻢ ﻣﻦ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻪ ﺃﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺮﻭﺭ ﺇﻟﻰ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻭﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﺛﻢ ﺍﻟﻌﺮﻭﺝ ﺇﻟﻰ ﻋﺮﺷﻪ ﺍلأﻋﻈﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻈﻲ ﺑﺎلاﺳﻢ ﺍلأﻋﻈﻢ؛ ﻓﺎﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺟﺬﺏ ﻭﻟﻄﻒ ﺇﻟﻬﻲ ﻳﻠﺰﻡ ﺃﻟﻮﻓﺎ ﻣﻦ ﺳﻨﻲّ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻙ.

ﻣﺜﺎﻝ: ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﺕ ﺃﻥ ﺗﺘﻘﺮﺏ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﺎﺳﻢ (ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ) ﻓﻌﻠﻴﻚ ﺍلاﺭﺗﺒﺎﻁ ﻭﺗﻜﻮﻳﻦ ﻋـلاﻗﺔ ﺃﻭلا ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﺧﺎﻟﻘﻚ ﺍﻟﺨﺎﺹ، ﺛﻢ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﺧﺎﻟﻖ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﺛﻢ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ ﺃﻧﻪ ﺧﺎﻟﻖ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺔ، ﺛﻢ ﺑﺎﺳﻢ ﺧﺎﻟﻖ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﻠِّﻬﺎ. ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﺗﺘﺪﺭﺝ ﻫﻜﺬﺍ ﺗﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﻞ ﻭلا ﺗﺠﺪ ﺇلا ﺟﻠﻮﺓ ﺟﺰﺋﻴﺔ.

ﺗﻨﺒﻴﻪ: ﺇﻥ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻗﺪ ﻭﺿﻊ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﻭﺳﺎﺋﻂ ﻛﺎﻟﻤﺸﻴﺮ ﻭﺍﻟﻔﺮﻳﻖ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻌﺠﺰﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺎلأﻋﻤﺎﻝ ﺑﻨﻔﺴﻪ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻴﺪﻩ ﻣﻠﻜﻮﺕ ﻛﻞِّ ﺷﻲﺀ، ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ، ﻓﻬﻮ ﻣﺴﺘﻐﻦٍ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻂ، ﺑﻞ ﻟﻴﺴﺖ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻂ ﺇلا ﺃﻣﻮﺭﺍ ﻇﺎﻫﺮﻳﺔ ﺑﺤﺘﺔ، ﺗﻤﺜﻞ ﺳﺘﺎﺭ ﺍﻟﻌﺰﺓ ﻭﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﻭﺩلاﺋﻞ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﻭﻋﺠﺰ ﻭﺍﻓﺘﻘﺎﺭ ﻭﺍﻧﺒﻬﺎﺭ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻂ ﻣُﻌﻴﻨﺔ ﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭلا ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺷﺮﻳﻜﺔ ﻓﻲ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻗﻄﻌﺎ لأﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺇلا ﻭﺳﺎﺋﻞ ﻟﻠﻤﺸﺎﻫﺪﺓ ﻭﺍﻟﺘﻔﺮﺝ.

   ﺍﻟﺸﻌﺎﻉ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ

    ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻜﺴﻮﻟﺔ!. ﺇﻥّ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻛﻤﻌﺮﺍﺝ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﻘﺒﻮﻝ ﺩﺧﻮﻝ ﺟﻨﺪﻱ ﺑﺴﻴﻂ ﺇﻟﻰ ﺩﻳﻮﺍﻥ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍلأﻋﻈﻢ ﺑﻤﺤﺾ ﻟﻄﻔﻪ -ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ- ﻓﻘﺒﻮﻟﻚ ﺃﻳﻀﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺜﻮﻝ ﺃﻣﺎﻡ ﺟـلاﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺑﻤﺤﺾ ﻟﻄﻒ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺫﻱ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﻤﻌﺒﻮﺩ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ. ﻓﺄﻧﺖ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻘﻮﻝ: ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ. ﺗﻤﻀﻲ ﻣﻌﻨﻰً ﻭﺗﻘﻄﻊ ﺧﻴﺎلا ﺃﻭ ﻧﻴّﺔً ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍلآﺧﺮﺓ، ﺣﺘﻰ ﺗﺘﺠﺮﺩ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ، ﻓﺘﺼﻌﺪ ﻣﻜﺘﺴﺒﺎ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﻛﻠﻴﺔ ﺃﻭ ﻇـلا ﻣﻦ ﻇـلاﻝ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﺃﻭ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﺻﻮﺭﻫﺎ، ﻭﺗﺘﺸﺮﻑ ﺑﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻀﻮﺭ ﺍﻟﻘﻠﺒﻲ ﻭﺍﻟﻤﺜﻮﻝ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﺘﻨﺎﻝ ﺣﻈﻮﺓ ﻋﻈﻤﻰ ﺑﺨﻄﺎﺏ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ ﻛﻞّ ﺣﺴﺐَ ﺩﺭﺟﺘﻪ.

ﺣﻘﺎ ﺇﻥ ﻛﻠﻤﺔ (ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ.. ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ) ﻭﺗﻜﺮﺍﺭَﻫﺎ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻭﺃﻓﻌﺎﻟِﻬﺎ ﻫﻲ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﻟﻘﻄﻊ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻭﺍﻟﻌﺮﻭﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺮﻗﻲ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ، ﻭﺍﻟﺼﻌﻮﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ، ﻓﻬﻲ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﻟﻤﺠﻤﻞ ﻛﻤﺎلاﺕ ﻛﺒﺮﻳﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺧﺎﺭﺝ ﻧﻄﺎﻕ ﻣﻌﺮﻓﺘﻨﺎ، ﻭﻛﺄﻥّ ﻛﻞَّ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻦ (ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻗﻄﻊ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺒﻠﻮﻍ ﺇﻟﻰ ﻇﻞ ﺃﻭ ﺷﻌﺎﻉ ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻫﺬﻩ، ﻣﻌﻨﻰً ﺃﻭ ﻧﻴﺔً ﺃﻭ ﺗﺼﻮﺭﺍ ﺃﻭ ﺧﻴﺎلا ﻟﻬﻮ ﻧﻌﻤﺔ ﻋﻈﻤﻰ ﻭﺳﻌﺎﺩﺓ ﻛﺒﺮﻯ. ﻭلأﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﻳُﺮﺩﺩ ﺫﻛﺮ (ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ) ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺞ ﺑﻜﺜﺮﺓ ﻫﺎﺋﻠﺔ. لأﻥ ﺍﻟﺤﺞ؛ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻛﻠﻴﺔ ﻟﻜﻞ ﺣﺎﺝ ﺑﺎلأﺻﺎﻟﺔ.

ﻓﺎﻟﺠﻨﺪﻱ ﺍﻟﺒﺴﻴﻂ ﻳﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻀﻮﺭ ﺍﻟﻤﻠﻜﻲ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﺧﺎﺹ -ﻛﺎﻟﻌﻴﺪ- ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺬﻫﺐ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ ﻓﻴﻨﺎﻝُ ﻟﻄﻒَ ﻣﻠﻴﻜﻪ ﻭﻛﺮﻣﻪ. ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﺎﺝ -ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ- ﻓﻬﻮ ﻣﺘﻮﺟِّﻪ ﺇﻟﻰ ﺭﺑﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ، ﻛﺎﻟﻮﻟﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﻄﻊ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ، ﻓﻬﻮ ﻣﺸﺮّﻑ ﺑﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻛﻠﻴﺔ، ﻓـلاﺑﺪَّ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻟﻠﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺘﺢ ﺑﻤﻔﺘﺎﺡ ﺍﻟﺤﺞ، ﻭﺁﻓﺎﻕ ﻋﻈﻤﺔ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﺎﻫﺪ ﺑﻤﻨﻈﺎﺭ ﺍﻟﺤﺞ، ﻭﺩﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﺳﻊ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﺤﺎﺝ ﻭﺧﻴﺎﻟﻪ، ﻛﻠﻤﺎ ﻗﺎﻡ ﻭﺃﺩّﻯ ﻣﻨﺎﺳﻚ ﺍﻟﺤﺞ، ﻭﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻜﺒﺮﻳﺎﺀ ﻭﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﻭﺃﻓﻖ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻨﺢ ﺣﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﺸﻮﻕ، ﻭﺍلإﻋﺠﺎﺏ ﻭﺍلاﻧﺒﻬﺎﺭ، ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻈﻤﺔ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ ﻭﻫﻴﺒﺔ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ، لا ﻳﺴﻜّﻦ ﺇلا ﺑـ(ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ.. ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ)! ﻭﺑﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻤﻨﻜﺸﻔﺔ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺩﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺘﺼﻮﺭﺓ.

ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺤﺞ ﻓﻲ ﺻـلاﺓ ﺍﻟﻌﻴﺪ، ﺑﺪﺭﺟﺎﺕ ﻋﻠﻮﻳﺔ ﻭﻛﻠﻴﺔ ﻭﻣﺘﻔﺎﻭﺗﺔ، ﻭﻛﺬﺍ ﻓﻲ ﺻـلاﺓ ﺍلاﺳﺘﺴﻘﺎﺀ ﻭﺻـلاﺓ ﺍﻟﻜﺴﻮﻑ ﻭﺍﻟﺨﺴﻮﻑ ﻭﺻـلاﺓ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ.

ﻭﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺗﻈﻬﺮ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ.

ﺳﺒﺤﺎﻥ ﻣﻦ ﺟﻌﻞ ﺧﺰﺍﺋﻨﻪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻜﺎﻑ ﻭﺍﻟﻨﻮﻥ.

 ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (ﻳﺲ:83)

 ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

 ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾

﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾

ﻭَﺻَﻞِّ ﻭَﺳَﻠِّﻢْ ﻋَﻠَﻰ ﺭَﺳُﻮﻟِﻚَ ﺍْلأﻛْﺮَﻡِ، ﻣَﻈْﻬَﺮِ ﺍﺳْﻤِﻚَ ﺍْلأﻋْﻈَﻢِ، ﻭَﻋَﻠَﻰ ﺁﻟِﻪِ ﻭَﺃﺻْﺤَﺎﺑِﻪِ ﻭَﺇﺧْﻮَﺍﻧِﻪِ ﻭَﺃﺗْﺒَﺎﻋِﻪِ ﺁﻣِﻴﻦَ ﻳَﺎ ﺃﺭْﺣَﻢَ ﺍﻟﺮَّﺍﺣِﻤِﻴﻦَ.

   ﺫﻳﻞ ﺻﻐﻴﺮ

    ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﻌﻠﻴﻢ ﻭﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻳُﻈﻬﺮ ﻗﺪﺭﺗَﻪ ﻭﺣﻜﻤﺘﻪ، ﻭﻋﺪﻡَ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻓﻌﻞ ﻣﻦ ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﻗﻄﻌﺎ، ﺑﺎﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺳﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻈﻬﺮﻩ ﻋﺎﺩﺍﺗُﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ.. ﻭﻛﺬﺍ ﻳُﻈﻬﺮ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﺸﻮﺍﺫ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ، ﻭﺑﺨﻮﺍﺭﻕ ﻋﺎﺩﺍﺗﻪ، ﻭﺑﺎﻟﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ، ﻭﺑﺎﺧﺘـلاﻑ ﺍﻟﺘﺸﺨﺼﺎﺕ، ﻭﺑﺘﺒﺪﻝ ﺯﻣﺎﻥ ﺍﻟﻨﺰﻭﻝ ﻭﺍﻟﻈﻬﻮﺭ.. ﻳُﻈﻬﺮ ﻣﺸﻴﺌﺘَﻪ ﻭﺇﺭﺍﺩﺗَﻪ، ﻭﺃﻧﻪ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﺍﻟﻤﺨﺘﺎﺭ، ﻭﺃﻥ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻩ لا ﻳﺮﺿﺦ لأﻱ ﻗﻴﺪ ﻛﺎﻥ، ﻣﻤﺰّﻗﺎ ﺑﻬﺬﺍ ﺳﺘﺎﺭ ﺍﻟﺮﺗﺎﺑﺔ ﻭﺍلاﻃﺮﺍﺩ، ﻓﻴُﻌﻠﻢ: ﺃﻥّ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻓﻲ ﻛﻞ ﺁﻥ، ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﺄﻥ ﻣﻦ ﺷﺆﻭﻧﻪ، ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺨﺼﻪ ﻭﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻴﻪ، ﻣﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻣﻨﻘﺎﺩ ﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺘﻪ.. ﻭﺑﻬﺬﺍ ﻳُﺸﺘﺖ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔَ، ﻭﻳﺼﺮﻑُ ﺍلأﻧﻈﺎﺭ، ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍلإﻧﺲ ﻋﻦ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺒﺐ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ.

ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍلأﺳﺎﺱ ﺗﺘﻮﺟﻪ ﺑﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ.

ﻓﻤﺜـلا: ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺃﻏﻠﺐ ﺍلأﻣﺎﻛﻦ، ﺃﻥ ﻗﺴﻤﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﺍﻟﻤﺜﻤﺮﺓ، ﺗﺜﻤﺮ ﺳﻨﺔ، ﺃﻱ ﺗُﻌﻄﻰ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ، ﻭﻫﻲ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﺗﺴﻠّﻤﻬﺎ ﺇﻟﻴﻨﺎ. ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍلأﺧﺮﻯ ﺗﺘﺴﻠﻢ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﺇلا ﺃﻧﻬﺎ لا ﺗﻌﻄﻴﻬﺎ، ﺭﻏﻢ ﻭﺟﻮﺩ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﻟﻸﺛﻤﺎﺭ.

ﻭﻣﺜـلا: ﺇﻥ ﺃﻭﻗﺎﺕَ ﻧﺰﻭﻝ ﺍﻟﻤﻄﺮ -ﺑﺨـلاﻑ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟـلاﺯﻣﺔ ﺍلأﺧﺮﻯ- ﻣﺘﺤﻮﻟﺔ ﻭﻣﺘﻐﻴﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺩﺧﻠﺖ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻤﻐﻴّﺒﺎﺕ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ ﺇﺫ ﺇﻥ ﺃﻫﻢَّ ﻣﻮﻗﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻫﻮ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ، ﻭﺍﻟﻤﻄﺮ ﻣﻨﺸﺄ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ، ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺍﻟﺒﺎﻋﺚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﻤﻬﺪﺍﺓ، لا ﻳﺪﺧﻞ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻤﻄﺮﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺠﺐ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺗﻮﺭﺙ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ، ﺑﻞ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺣﺠﺎﺏ ﻭﺿﻤﻦ ﺗﺼﺮﻑ ﺍﻟﻤﻨﻌﻢ ﺍﻟﻤﺤﻴﻲ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ. ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻜﻲ ﺗﺒﻘﻰ ﺃﺑﻮﺍﺏُ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻭﺍﻟﺸﻜﺮ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔً ﺩﺍﺋﻤﺎ.

ﻭﻣﺜـلا: ﺇﻥ ﺇﻋﻄﺎﺀ ﺍﻟﺮﺯﻕ، ﻭﺗﺸﺨﻴﺺَ ﺳﻴﻤﺎﺀ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻣـلاﻣِﺤﻪ ﻭﺻﻮﺭﺗِﻪ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺇﺣﺴﺎﻥ ﺇﻟﻬﻲ ﻳﻮﻫﺒﻪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ لا ﻳُﺤﺘﺴﺐ، ﻣﻤﺎ ﻳﺒﻴّﻦ ﺑﺠـلاﺀ ﻃـلاﻗﺔ ﺍﻟﻤﺸﻴﺌﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ.

ﻭﻗﺲ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺗﺼﺮﻳﻒ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ ﻭﺗﺴﺨﻴﺮ ﺍﻟﺴﺤﺎﺏ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ.