مقدمة في المحرَّفات

اعلم أن أرجحية الإفادة والإعلام -لتصوير الشيء على ما هو عليه- حرّفت طبيعة المسائل عن قانونها.. فكم من «شرطية» تجلت في لباس «الحملية». و.. «حملية» تَزَيَتْ بزيها. و.. «متصلة» احمرت تحت «المنفصلة». و..»كلية» استترت تحت «الجزئية». و.. «موجبة» تبرقعت «بالسلب». ورب قياس اندمج في «قضية». و«القضية» اختفت في «صفة أو قيد بل حرف». «وكم» من المعاني الطيارة: توضعت على أحد أغصان الكلام.. وكم من كلمة: تشرّبت طائفة من تلك المعاني..

وتحقيقه: أن كل علم يبحث-أي بالحمل الثبوتي- عن الأعراض -أي الصفات التامة- الذاتية -أي اللازمة الشاملة الواجب الثبوت- للشيء – أعني الموضوع.. فكانت مسائل كل علم «قضايا حملية موجبة كلية ضرورية في الخارج نظرية في الذهن».. «فما ترى» من الشرطيات والسوالب والجزئيات والممكنات والبديهيات – فإما من المبادئ التصورية، أو المبادئ التصديقية، أو الاستطراديات، أو متأولة بوجه من وجوه التلازم، أو مقدمة من مقدمات دليل المسألة أقيمت مقامها.. تأمل!.

كلية [1] شخصية والأول  إما مسوّر [2] وإما مهمل [3]

والسور [4] كليًا [5] وجزئيًا [6] يرى [7] وأربع [8] أقسامها حيث جرى [9]

[1] أي ما فيه اشتراك.. فإن نظر إلى الطبيعة فإما مع جواز سرايته إلى الأفراد، كالحمل في التعاريف على القول بقضيتها، أو بدون السراية مع ملاحظة الأفراد، كحمل المعقولات الثانية على الأولى، في كل ما يرى، أو بدون الملاحظة وبدون السراية كـ «الإنسان مفهوم ذهني». فهذه الثلاثة طبيعية..

ومنها الكل المجموعي وكل مراتب الأعداد. وهي في حكم الكلية في كبرى «الشكل الأول»([1])..

[2] أي التي مناط الحكم نصب العين كميتها([2])..

[3] وهو في المقام الخطابي في حكم الكلية. والاستدلال في حكم الجزئية.([3])

[4] اعلم أن للسُورِ مقامات مختلفة وصورًا متفاوتة؛ فقد يدخل على المحمول ويصير القضية منحرفة اللطائف..

ثم إن القضية تتضمن قضايا ضمنية بعدد القيود.. فكأن الحكم لما تداخل بين القيود أنبت في كل قيد حكمًا ضمنيًا يشار إليه بالإعراب. ففي «كلُّ مؤمن حقُّه الصدقُ بـالضرورة» أولًا: إثباتُ حقية الصدق للمؤمن. ثم ثبوت حقية الصدق للمؤمن عمومي. ثم ثبوت حقية الصدق لعموم المؤمن ضروري.

اعلم أن العكسين والتناقض والقياس -كما تنظر إلى القضية الأولى- تنظر إلى القضيتين الأخيرتين وتتنوع بسببهما.. فإن أحببت أن ترى تفاصيل السُورِ وتفاسير الجهة، فانظر في «تعليقاتي» على «الكلنبوي»: إذ إنها أجدى من تفاريق العصا([4])…

[5] أي لا المجموعي بل الإفرادي، لا البدلي بل الاطلاقي.

[6] أي يدل على البعض ولو في ضمن الكل، لأن أهل الاستدلال لا ينظرون إلى المفهوم المخالف، بسرّ ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمٌ (الإسراء:36)([5])

[7] أي فينقسم، فيكون، فيرى، إذ وجود المقسم بوجود الأقسام([6])..

[8] أي ينقسم باعتبار الكيف، فتتربع الأقسام فأينما صادفته فهو أحد الأربعة…

[9] أي لا يتشعب بالجريان ولا ينقسم بتنوع العروض.


[1] (أي ما فيه اشتراك) «ما» موصوفة شاملة لكل الكليات كما قال (فإن نظر الخ) أي إلى ذلك المفهوم المشترك إذا حكم عليه. فأما جواز سراية الحكم إلى الأفراد -كما في حمل التعاريف على المعرفات- كحمل (الحيوان الناطق) على الإنسان. أو مع عدم جواز السراية. لكن مع ملاحظة قبول الأفراد ومناسبتها لذلك الحكم كحمل المعقولات الثانية على الأولى مثل (الإنسان نوع). أو لا سراية ولا ملاحظة مثل (الإِنسان ذو مفهوم ذهني). فهذه الثلاثة من الكليات الطبيعية…

    (ومنها) أي من الكلية لا الشخصية (الكل المجموعي) لأن له أجزاءً بمنزلة الجزئيات للغير. (ومراتب الأعداد) كالعشرة والمائة وما بينهما لأنها وإن لم تكن من الجموع لكنها في كبرى (الشكل الأول) في حكم الكلية…

[2] (أي التي مناط الحكم الخ) تذكير (المسور) وتأنيث الضمير في (كميتها) دليل على أن (التي) صفة (الكلية) أي الكلية التي مناط الحكم كميتها.

[3] (في المقام الخطابي) أي في الظنيات..

[4] (كما تنظر إلى القضية الأولى الخ) يعنى «أن الموضوع والمحمول» في القضية الأصلية -كما أنهما منظوران في العكسين والتناقض- كذلك القيودات الدالة على الكمية والكيفية والجهة في القضية الأصلية معتبرة وملحوظة فيها. وبسببها تتنوع المحصورات والموجهات..

[5] (لأن أهل الاستدلال) دفع لما يقال: إذا قلت «بعض الإنسان حيوان» ينفهم من المفهوم المخالف أن البعض الآخر ليس بحيوان. وجه الدفع: أنهم لا ينظرون إليه..

[6] (أي فينقسم الخ) إشارة إلى ما يَرِد على الناظم: من أن رؤية الأقسام بوجودها وهو بعد انقسام القسم. ولا يكفي انفهام الأقسام بالرؤية والجريان بين الناس. بل لابد من التقسيم صراحة..