بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:173)

ﻟﻘﺪ ﻧﺎﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺳﺮﺍً ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا﴾ (ﻃﻪ:٤٤) ﻓﻠﻢ ﻳُﻜﺘﺐ ﺑﻠﻬﺠﺔ ﺷﺪﻳﺪﺓ.

ﻭﻫﻮ ﺟﻮﺍﺏ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻝ ﻳُﻮﺭﺩﻩ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻭﻥ ﺻﺮﺍﺣﺔ ﺃﻭ ﺿﻤﻨﺎً.

«ﺇﻧﻨﻲ لا ﺃﺭﻏﺐ ﻗﻂ ﻓﻲ ﺃَﻥْ ﺃُﺳﺠّﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلإﺟﺎﺑﺔ، ﻭلا ﺃَﺭﺗﺎﺡ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻓﻠﻘﺪ ﻓﻮّﺿﺖ ﺃَﻣﺮﻱ ﻛﻠَّﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﻟﻰ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ، ﻭﺗﻮﻛﻠﺖُ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺣﺪﻩ، ﻭﻟﻜﻨﻲ لا ﺃُﺗﺮﻙ ﻭﺷﺄﻧﻲ لأﺟﺪ ﺍﻟﺮﺍﺣﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻲ، ﻓﻴﻠﻔﺘﻮﻥ ﻧﻈﺮﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻟﺬﺍ ﺃَﻗﻮﻝ ﻣﻀﻄﺮﺍً لا ﺑﻠﺴﺎﻥ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ» ﺑﻞ ﺑﻠﺴﺎﻥ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ». ﻭلا ﺃﻗﻮﻝ ﺇﻧﻘﺎﺫﺍً ﻟﺸﺨﺼﻲ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﺑﻞ ﺇﻧﻘﺎﺫﺍً لأﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ﻭ«ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻣﻦ ﺷﺒﻬﺎﺕ ﻳﻨﺜﺮﻫﺎ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻣﻦ ﺃَﺫﺍﻫﻢ. ﻓﺄﺫﻛﺮ ﻭﺍﻗﻊَ ﺣﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ﻭﺇﻟﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ، ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺧﻤﺲ ﻧﻘﺎﻁ».

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ

ﻗﻴﻞ: ﻟِﻢَ ﺍﻧﺴﺤﺒﺖَ ﻣﻦ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻭلا ﺗﺘﻘﺮﺏُ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻗﻂ؟.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﻘﺪ ﺧﺎﺽ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ» ﻏﻤﺎﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺭﺏ ﻋﺸﺮ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﻋﻠَّﻪ ﻳﺨﺪﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ. ﻓﺬﻫﺒﺖْ ﻣﺤﺎﻭﻟﺘُﻪ ﺃﺩﺭﺍﺝَ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ، ﺇﺫ ﺭﺃﻯ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺫﺍﺕُ ﻣﺸﺎﻛﻞ، ﻭﻣﺸﻜﻮﻙٌ ﻓﻴﻬﺎ. ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻀﻮﻝ -ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻲّ- ﻓﻬﻲ ﺗﺤُﻮﻝ ﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺄَﻫﻢ ﻭﺍﺟﺐ. ﻭﻫﻲ ﺫﺍﺕُ ﺧﻄﻮﺭﺓ. ﻭﺃَﻥَّ ﺃَﻏﻠﺒَﻬﺎ ﺧﺪﺍﻉ ﻭﺃﻛﺎﺫﻳﺐ. ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺁﻟﺔً ﺑﻴﺪ ﺍلأﺟﻨﺒﻲ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺸﻌﺮ. ﻭﻛﺬﺍ ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﺨﻮﺽ ﻏﻤﺎﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥَ ﻣﻮﺍﻓﻘﺎً ﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺃﻭ ﻣﻌﺎﺭﺿﺎً ﻟﻬﺎ، ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺖُ ﻣﻮﺍﻓﻘﺎً ﻓﺎﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻲّ ﻓﻀﻮﻝ ﻭلا ﻳﻌﻨﻴﻨﻲ ﺑﺸﻲﺀ، ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻨﻲ ﻟﺴﺖ ﻣﻮﻇﻔﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭلا ﻧﺎﺋﺒﺎً ﻓﻲ ﺑﺮﻟﻤﺎﻧﻬﺎ، ﻓـلا ﻣﻌﻨﻰ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺘﻲ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻭﻫﻢ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻲّ لأﺗﺪﺧﻞ ﻓﻴﻬﺎ. ﻭﺇﺫﺍ ﺩﺧﻠﺖُ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﺃﺗﺪﺧﻞ ﺇﻣﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺃﻭ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻘﻮﺓ. ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻜﺮﻳﺎً ﻓﻠﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻲّ ﺃﻳﻀﺎً، لأﻥ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﺟﺪﺍً، ﻭﺍﻟﺠﻤﻴﻊُ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﻣﺜﻠﻲ، ﻓـلا ﺩﺍﻋﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺜﺮﺛﺮﺓ. ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺑﺎﻟﻘﻮﺓ، ﺃﻱ ﺑﺄﻥ ﺃُﻇﻬﺮ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﺑﺈﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ لأﺟﻞ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻫﺪﻑ ﻣﺸﻜﻮﻙ ﻓﻴﻪ. ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺍﻟﻮﻟﻮﺝ ﻓﻲ ﺁلاﻑ ﻣﻦ ﺍلآﺛﺎﻡ ﻭﺍلأﻭﺯﺍﺭ، ﺣﻴﺚ ﻳﺒﺘﻠﻲ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻭﻥ ﺑﺠﺮﻳﺮﺓ ﺷﺨﺺ ﻭﺍﺣﺪ. ﻓـلا ﻳﺮﺿﻰ ﻭﺟﺪﺍﻧﻲ ﺍﻟﻮﻟﻮﺝَ ﻓﻲ ﺍلآﺛﺎﻡ ﻭﺇﻟﻘﺎﺀَ ﺍلأﺑﺮﻳﺎﺀ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺃﻭ ﺍﺣﺘﻤﺎﻟﻴﻦ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻋﺸﺮﺓ ﺍﺣﺘﻤﺎلاﺕ. لأﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﻓﻘﺪ ﺗﺮﻙ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ» ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔَ ﻭﻣﺠﺎﻟﺴَﻬﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﻭﻗﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﺠﺮﺍﺋﺪ ﻣﻊ ﺗﺮﻛﻪ ﺍﻟﺴﻴﺠﺎﺭﺓ.

ﻭﺍﻟﺸﺎﻫﺪ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ ﺍﻟﻘﺎﻃﻊ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ: ﺇﻧﻨﻲ ﻣﻨﺬ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻟﻢ ﺃَﻗﺮﺃ ﺟﺮﻳﺪﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﻟﻢ ﺍﺳﺘﻤﻊ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﺣﺪ ﻗﻂ، ﻓﻠﻴﺒﺮﺯ ﺃﺣﺪُﻫﻢ ﻭﻳﺪّﻋﻰ ﺃﻧﻨﻲ ﻗﺪ ﻗﺮﺃﺕُ ﺃﻭ ﺍﺳﺘﻤﻌﺖ ﺇﻟﻰ ﺟﺮﻳﺪﺓ ﻣﻦ ﺃﺣﺪ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻥ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ» ﻳﻘﺮﺃ ﺣﻮﺍﻟﻲ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺟﺮﺍﺋﺪ ﻳﻮﻣﻴﺎً ﻗﺒﻞ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮﺍﺕ.

ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﺗُﺮﺍﻗَﺐ ﺃﺣﻮﺍﻟﻲ ﺑﺪﻗﺎﺋﻘﻬﺎ. ﻓﻠﻴﺪّﻉ ﺃﺣﺪ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺑﺪﺭ ﻣﻨﻲ ﻣﺎ ﻳُﺸﻢ ﻣﻨﻪ ﺷﻲﺀٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ. ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻥَّ ﺷﺨﺼﺎً ﺫﺍ ﺃﻋﺼﺎﺏ ﻣﺘﻮﻓﺰﺓ ﻣﺜﻠﻲ، ﻭلا ﻋـلاﻗﺔ ﻟﻪ ﻣﻊ ﺃﺣﺪ، ﻭﻳﺠﺪ ﺃﻋﻈﻢَ ﺍﻟﺤِﻴﻞ ﻓﻲ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﺤِﻴﻠﺔ ﺣﺴﺐ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ: «ﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﺤِﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﺤِﻴﻞ» ﻓﻤَﻦْ ﻛﺎﻥ ﺣﺎﻟُﻪ ﻫﻜﺬﺍ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺮ ﻓﻜﺮﻩ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﺃﻳﺎﻡ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔَ ﺃﻋﻮﺍﻡ. ﺇﺫ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﺭﻏﺒﺔ ﻭﻟﻬﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻟﻜﺎﻧﺖ ﺗﺪﻭﻱ ﺩﻭﻱَّ ﺍﻟﻤﺪﺍﻓﻊ، ﻭلا ﺗﺪﻉ ﺣﺎﺟﺔً ﺇﻟﻰ ﺗﺤﺮﻳﺎﺕ ﺃﻭ ﺗﺪﻗﻴﻘﺎﺕ.

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﻟِﻢَ ﻳﺘﺠﻨﺐ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ» ﺗﺠﻨﺒﺎً ﺷﺪﻳﺪﺍً ﻭﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﺌـلا ﻳُﻀَﺤّﻲ ﺑﺴﻌﻴﻪ ﻭﻓﻮﺯِﻩ لأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻠﻴﺎﺭﺍﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﻟﺤﻴﺎﺓ ﺧﺎﻟﺪﺓ، ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻀﻮﻟﻲ لا ﻳﺴﺘﻐﺮﻕ ﺳﻨﺔ ﺃﻭ ﺳﻨﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ ﻣﺸﻜﻮﻙٍ ﻓﻴﻬﺎ. ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﻳﻔﺮّ ﻓﺮﺍﺭﺍً ﺷﺪﻳﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ، ﺧﺪﻣﺔً ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃَﺟﻞُّ ﺧﺪﻣﺔٍ ﻭﺃَﻟﺰﻣُﻬﺎ ﻭﺃَﺧﻠﺼُﻬﺎ ﻭﺃَﺣﻘُّﻬﺎ. لأﻧﻪ ﻳﻘﻮﻝ:

ﺇﻧﻨﻲ ﺃﺗﻘﺪﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻴﺐ، ﻭلا ﻋﻠﻢ ﻟﻲ ﻛﻢ ﺳﺄﻋﻴﺶ ﺑﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﺮ. ﻟﺬﺍ ﻓﺎلأﻭﻟﻰ ﻟﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﺤﻴﺎﺓٍ ﺃﺑﺪﻳﺔ. ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍلأﻟﺰﻡ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺳﻴﻠﺔُ ﺍﻟﻔﻮﺯ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﻭﻣﻔﺘﺎﺡُ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ، ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ ﺇﺫﻥ ﺍﻟﺴﻌﻲ لأﺟﻠﻪ. ﺑﻴﺪ ﺃﻧﻲ ﻋﺎﻟﻢٌ ﺩﻳﻨﻲ، ﻣﻜﻠّﻒ ﺷﺮﻋﺎً ﺑﺈﻓﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻟﺬﺍ ﺃُﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃَﺧﺪﻣَﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺃﻳﻀﺎً. ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺗﻌﻮﺩ ﺑﺎﻟﻨﻔﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ، ﻭﻫﺬﻩ ﻣﺎ لا ﺃﻗﺪﺭ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻪ ﻳﺘﻌﺬﺭ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻌﻤﻞ ﺳﻠﻴﻢ ﺻﺤﻴﺢ ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﻋﺎﺻﻒ. ﻟﺬﺍ ﺗﺨﻠﻴﺖ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﻭﻓﻀّﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻌﻤﻞَ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﻫﻢُ ﺧﺪﻣﺔ ﻭﺃﻟﺰﻣُﻬﺎ ﻭﺃﺳﻠﻤُﻬﺎ. ﻭﻗﺪ ﺗﺮﻛﺖُ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻣﻔﺘﻮﺣﺎً ﻟﻴﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﻣﺎ ﻛﺴﺒﺘُﻪ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﻣﺎ ﺟﺮﺑﺘُﻪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻦ ﺃﺩﻭﻳﺔ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ. ﻟﻌﻞَّ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﻘﺒﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﻭﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﻛﻔّﺎﺭﺓً ﻟﺬﻧﻮﺏ ﺳﺎﺑﻘﺔ.

ﻭﻟﻴﺲ لأﺣﺪ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﺮﺟﻴﻢ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﺮﺽَ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ، ﺳﻮﺍﺀً ﻛﺎﻥ ﻣﺆﻣﻨﺎً ﺃﻭ ﻛﺎﻓﺮﺍً ﺃﻭ ﺻﺪّﻳﻘﺎً ﺃﻭ ﺯﻧﺪﻳﻘﺎً. لأﻥ ﻋﺪﻡ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ لا ﻳﺸﺒﻬﻪ ﺃﻣﺮ، ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﻟﺬﺓٌ ﺷﻴﻄﺎﻧﻴﺔ ﻣﻨﺤﻮﺳﺔ ﻓﻲ ﺍﺭﺗﻜﺎﺏ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍﻟﻔﺴﻖ ﻭﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﻋﺪﻡَ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ لا ﻟﺬﺓَ ﻓﻴﻪ ﺇﻃـلاﻗﺎً، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺃﻟﻢٌ ﻓﻲ ﺃﻟﻢ، ﻭﻋﺬﺍﺏٌ ﻓﻲ ﻋﺬﺍﺏ، ﻭﻇﻠﻤﺎﺕ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻮﻕ ﺑﻌﺾ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺗﺮﻙَ ﺍﻟﺴﻌﻲ ﻟﺤﻴﺎﺓ ﺃﺑﺪﻳﺔ، ﻭﺗﺮﻙَ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻨﻮﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ، ﻭﺍﻟﺪﺧﻮﻝَ ﻓﻲ ﺃلاﻋﻴﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺨﻄﺮﺓ ﻭﻏﻴﺮ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺔ، ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺧـلاﻑ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﻭﻣﺠﺎﻧﺒﺔٌ ﻟﻠﺤﻜﻤﺔ ﻟﺸﺨﺺ ﻣﺜﻠﻲ لا ﺻﻠﺔ ﻟﻪ ﻣﻊ ﺃﺣﺪ، ﻭﻳﻌﻴﺶ ﻣﻨﻔﺮﺩﺍً، ﻭﻣﻀﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺤﺮﻱ ﻋﻦ ﻛﻔﺎﺭﺍﺕٍ ﻟﺬﻧﻮﺑﻪ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ. ﺑﻞ ﻳﻌﺪّ ﺫﻟﻚ ﺟﻨﻮﻧﺎً ﻭﺑـلاﻫﺔ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺒﻠﻬﺎﺀ ﻳﻔﻬﻤﻮﻥ ﺫﻟﻚ.

ﺃﻣﺎ ﺇﻥ ﻗﻠﺖَ: ﻛﻴﻒ ﺗﻤﻨﻌﻚ ﺧﺪﻣﺔُ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ؟

ﻓﺄﻗﻮﻝ: ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺛﻤﻴﻨﺔٌ ﻏﺎﻟﻴﺔ ﻛﻐـلاﺀ ﺟﻮﺍﻫﺮ ﺍلأﻟﻤﺎﺱ، ﻓﻠﻮ ﺍﻧﺸﻐﻠﺖُ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ، ﻟﺨﻄﺮ ﺑﻔﻜﺮ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ: ﺃﻳﺮﻳﺪُ ﻫﺬﺍ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻣﻨﺤﺎﺯﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﺟﻬﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ؟ ﺃﻟﻴﺲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻋﻮ ﺇﻟﻴﻪ ﺩﻋﺎﻳﺔً ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﺠﻠﺐ ﺍلاﺗﺒﺎﻉ؟ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﻨﻔﻴﺴﺔ ﺃﻧﻬﺎ ﻗﻄﻊٌ ﺯﺟﺎﺟﻴﺔ ﺗﺎﻓﻬﺔ، ﻭﺣﻴﻨﻬﺎ ﺃﻛﻮﻥ ﻗﺪ ﻇﻠﻤﺖُ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻨﻔﻴﺴﺔ، ﻭﺑﺨَﺴﺖُ ﻗﻴﻤﺘَﻬﺎ ﺍﻟﺜﻤﻴﻨﺔ، ﺑﺘﺪﺧﻠﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ.

ﻓﻴﺎ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ  ﻟِﻢَ لا ﺗﺪَﻋﻮﻧﻲ ﻭﺷﺄﻧﻲ، ﻭﺗﻀﺎﻳﻘﻮﻧﻨﻲ ﺑﻄﺮﻕٍ ﺷﺘﻰ؟

  ﻭﺇﻥ ﻗﻠﺘﻢ: ﻳﺘﺪﺧﻞ ﺷﻴﻮﺥ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭﻧﺎ، ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﻄﻠﻘﻮﻥ ﻋﻠﻴﻚ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍلأﺣﻴﺎﻥ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﺸﻴﺦ!

ﺃﻗﻮﻝ: ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺴﺎﺩﺓ! ﺇﻧﻨﻲ ﻟﺴﺖ ﺷﻴﺨﺎً ﺻﻮﻓﻴﺎً، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺃﻧﺎ ﻋﺎﻟﻢ ﺩﻳﻨﻲ. ﻭﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ، ﺇﻧﻨﻲ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﻋﻠّﻤﺖ ﺃﺣﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔَ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ، ﻃﻮﺍﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﺍلأﺭﺑﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﻀﻴﺘُﻬﺎ ﻫﻨﺎ، ﻟﻜﺎﻥ ﻟﻜﻢ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﺍلاﺭﺗﻴﺎﺏ ﻭﺍﻟﻮﻗﻮﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻜﻮﻙ. ﻭﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ ﺃﻗﻞ ﻟﻤﻦ ﺃﺗﺎﻧﻲ ﺇﻟّﺎ ﺃﻥَّ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥَ ﻟﻴﺲ ﺯﻣﺎﻥَ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ. ﺍلإﻳﻤﺎﻥُ ﺿﺮﻭﺭﻱ، ﻭﺍلإﺳـلاﻡ ﺿﺮﻭﺭﻱ.

ﻭﺇﻥ ﻗﻠﺘﻢ: ﻳﻄﻠﻘﻮﻥ ﻋﻠﻴﻚ ﺍﺳﻢَ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻜﺮﺩﻱ» ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻜﺮَ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ لا ﻳﺘﻔﻖ ﻭﺷﺄﻧَﻨﺎ ﻭلا ﻃﺎﺋﻞ ﻟﻨﺎ ﺑﻪ.

ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻗﻮﻝ: ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺴﺎﺩﺓ! ﺇﻥ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ» ﻭ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ» ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻴﺪ. ﺃُﺑﻴﻨﻪ ﺷﺎﻫﺪﺍً ﻭﻟﻘﺪ ﻧﻈﺮﺕ -ﻣﻨﺬ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ- ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ ﻧﻈﺮﺓَ ﺍﻟﺴﻢّ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ، لأﻧﻬﺎ ﻣﺮﺽٌ ﺃﻭﺭﻭﺑﻲ ﺧﺒﻴﺚٌ ﺳﺎﺭ. ﻭﺫﻟﻚ ﺣﺴﺐ ﺍلأﻣﺮ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ ﺍﻟﺠﺎﺯﻡ ﺑﺄﻥَّ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻳَﺠُﺐُّ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ. ﻭﻟﻘﺪ ﺃﻟﻘﺖ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺍﻟﻮﺑﻴﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻟﻴﻤﺰّﻗَﻬﻢ ﻭﻳﻔﺮّﻗَﻬﻢ ﺷَﺬﺭ ﻣَﺬﺭ ﻟﻴﺴﻬﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﺑﺘـلاﻋَﻬﻢ ﻗِﻄﻌﺎً ﻣﺘﻨﺎﺛﺮﺓ. ﻭﻟﻘﺪ ﺑﺬﻟﺖُ ﻣﺎ ﻭﺳﻌﻨﻲ ﺍﻟﺠﻬﺪ ﻟﻌـلاﺝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﺍﺀ ﺍﻟﺨﺒﻴﺚ، ﻭﻳﺸﻬﺪ ﻃـلاﺑﻲ ﻭﻣﻦ ﻟﻪ ﻋـلاﻗﺔ ﻣﻌﻲ ﺑﺬﻟﻚ.

ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ، ﻓﻴﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺴﺎﺩﺓ! ﻣﺎ ﺍﻟﺪﺍﻋﻲ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﺘﺸﺒﺚ ﺑﻜﻞ ﺣﺎﺩﺛﺔ لإﻳﺬﺍﺋﻲ ﻭﺍﻟﺘﻀﻴﻴﻖ ﻋﻠﻲّ؟ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺇﺩﺍﻧﺔ ﺟﻨﺪﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﻟﺨﻄﺄ ﺍﺭﺗﻜﺒﻪ ﺟﻨﺪﻱٌ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻕ، ﻟﻜﻮﻧﻬﻤﺎ ﺟﻨﺪﻳﻴﻦ، ﺃﻭ ﺃﺧﺬ ﺣﺎﻧﻮﺗﻲ ﻓﻲ ﺑﻐﺪﺍﺩ، لأﻧﻪ ﺣﺎﻧﻮﺗﻲ، ﺑﺠﺮﻳﺮﺓ ﺣﺎﻧﻮﺗﻲ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﺎﻧﺒﻮﻝ  ﻓﻬﺬﺍ ﻫﻮ ﺷﺄﻧﻜﻢ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ ﺗﺘﺨﺬﻭﻧﻬﺎ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﺘﻀﻴﻴﻖ ﻋﻠﻲّ. ﺃﻱُّ ﻭﺟﺪﺍﻥٍ ﻳﺤﻜﻢ ﺑﻬﺬﺍ؟ ﻭﺃﻳﺔُ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺗﻘﺘﻀﻴﻪ؟

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﺇﻥَّ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ﻭﺃﺣﺒﺎﺑﻲ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳـلاﺣﻈﻮﻥ ﺭﺍﺣﺘﻲ ﻭﺃﺣﻮﺍﻟﻲ، ﻳﺴﺘﻐﺮﺑﻮﻥ ﻣﻦ ﺇﻳﺜﺎﺭﻱ ﺍﻟﺼﻤﺖَ ﻭﺗﺠﻤّﻠﻲ ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ ﺗﺠﺎﻩ ﻛﻞ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﺗﻨﺰﻝ ﺑﻲ، ﻓﻴﺘﺴﺎﺀﻟﻮﻥ: ﻛﻴﻒ ﺗﺘﺤﻤﻞ ﺍﻟﻀﻴﻖَ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﻕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺰﻝ ﺑﻚ؟ ﻓﻠﻘﺪ ﻛﻨﺖَ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺷﺪﻳﺪَ ﺍﻟﻐﻀﺐ، لا ﺗﺮﺿﻰ ﺃﻥ ﻳﻤﺲّ ﺃﺣﺪ ﻋﺰﺗَﻚ. ﻭﻛﻨﺖَ لا ﺗﺘﺤﻤﻞ ﺃﺩﻧﻰ ﺇﻫﺎﻧﺔ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺍﺳﺘﻤﻌﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺘﻴﻦ ﻭﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺘﻴﻦ. ﻭﺧﺬﻭﺍ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻣﻨﻬﻤﺎ!

الحكاية ﺍلأﻭﻟﻰ:

ﻗﺒﻞ ﺳﻨﺘﻴﻦ ﺫﻛﺮ ﻣﺪﻳﺮٌ ﻣﺴﺆﻭﻝ ﻓﻲ ﻏﻴﺎﺑﻲ ﻛﻠﻤﺎﺕٍ ﻣﻠﻔﻘﺔً ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻫﺎﻧﺔ ﻭﺗﺤﻘﻴﺮ ﻟﻲ، ﺩﻭﻥ ﺳﺒﺐ ﻭﻣﺒﺮﺭ. ﻭﻧُﻘﻞ ﺍﻟﻜـلاﻡُ ﺇﻟﻲّ، ﺗﺄﻟﻤﺖُ ﻣﺎ ﻳﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺔ ﺑﺄﺣﺎﺳﻴﺲ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ». ﺛﻢ ﻭﺭﺩﺕ ﺑﺮﺣﻤﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺣﻘﻴﻘﺔٌ ﺃﺯﺍﻟﺖ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻀﻴﻖ، ﻭﺩﻓﻌﺘﻨﻲ لأﺻﻔﺢَ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ. ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻲ:

ﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ: ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺗﺤﻘﻴﺮُﻩ ﻭﻣﺎ ﺃﻭﺭﺩﻩ ﻣﻦ ﻧﻘﺎﺋﺺ ﺗﺨﺺّ ﺷﺨﺼﻲ ﻭﻧﻔﺴﻲ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﻓﻠﻴﺮﺽَ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺇﺫ ﺃﻃﻠﻌﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻮﺏ ﻧﻔﺴﻲ. ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺻﺎﺩﻗﺎً، ﻓﺴﻮﻑ ﻳﺴﻮﻗﻨﻲ ﺍﻋﺘﺮﺍﺿُﻪ ﺇﻟﻰ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﻧﻔﺴﻲ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﻭﺗﺄﺩﻳﺒِﻬﺎ، ﻓﻬﻮ ﺇﺫﻥ ﻳﻌﺎﻭﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺠﺎﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭ. ﻭﺇﻥْ ﻛﺎﻥ ﻛﺎﺫﺑﺎً، ﻓﻬﻮ ﻋَﻮﻥٌ ﻟﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﻟﻠﺨـلاﺹ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻳﺎﺀ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺸﻬﺮﺓ ﺍﻟﻜﺎﺫﺑﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺳﺎﺱُ ﺍﻟﺮﻳﺎﺀ. ﻧﻌﻢ  ﺇﻧﻨﻲ ﻟﻢ ﺃﺻﺎﻟﺢ ﻧﻔﺴﻲ ﻗﻂ؛ لأﻧﻨﻲ ﻟﻢ ﺃﺭﺑِّﻬﺎ. ﻓﺈﻥ ﻧﺒّﻬﻨﻲ ﺃﺣﺪٌ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﻋﻘﺮﺏ ﻓﻲ ﺃﻱ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺟﺴﻤﻲ، ﻋﻠﻲّ ﺃﻥ ﺃﺭﺿﻰ ﻋﻨﻪ، لا ﺍﻣﺘﻌﺾَ ﻣﻨﻪ.

ﺃﻣﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺇﻫﺎﻧﺎﺗُﻪ ﺗﻌﻮﺩ ﻟﺼﻔﺔ ﻛﻮﻧﻲ ﺧﺎﺩﻣﺎً ﻟـلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﺘﻠﻚ لا ﺗﻌﻮﺩ ﻟﻲ، ﻓﺄُﺣﻴﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺇﻟﻰ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺳﺘﺨﺪﻣﻨﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ، ﻓﻬﻮ ﻋﺰﻳﺰ ﺣﻜﻴﻢ.

ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻛـلاﻣﻪ لأﺟﻞ ﺗﺤﻘﻴﺮﻱ ﻭﺇﻫﺎﻧﺔ ﺷﺨﺼﻲ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻭﺍﻟﺤﻂ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻲ، ﻓﻬﺬﺍ ﺃﻳﻀﺎً لا ﻳﺨﺼﻨﻲ، لأﻧﻨﻲ ﺃﺳﻴﺮٌ ﻣﻜﺒّﻞ ﻭﻏﺮﻳﺐ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻠﺪ، ﻓﺎﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﻛﺮﺍﻣﺘﻲ ﻟﻴﺲ ﻟﻲ ﻓﻴﻪ ﻧﺼﻴﺐ، ﺑﻞ ﻳﺨﺺ ﻣﻦ ﻳﺤﻜﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ﺛﻢ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﺛﻢ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﺎ ﺿﻴﻒ ﻟﺪﻳﻬﻢ. ﺇﺫ ﺇﻥ ﺇﻫﺎﻧﺔ ﺃﺳﻴﺮ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﺎﻟﻜﻪ، ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﺍﻓﻊ ﻋﻨﻪ.

ﻓﺎﻃﻤﺄﻥ ﺍﻟﻘﻠﺐُ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﺗﻠﻮﺕُ: ﴿ﻭﺍُﻓﻮّﺽُ ﺃﻣﺮﻱ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻥّ ﺍﻟﻠﻪ ﺑَﺼﻴﺮٌ ﺑﺎﻟﻌﺒﺎﺩ﴾ (ﻏﺎﻓﺮ:٤٤) ﻭﺃﻫﻤﻠﺖُ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔَ ﻭﺍﻋﺘﺒﺮﺗﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻘﻊ، ﻭﻧﺴﻴﺘُﻬﺎ. ﻭﻟﻜﻦ ﺗﺒﻴﻦ ﺑﻌﺪﺋﺬٍ -ﻣﻊ ﺍلأﺳﻒ- ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻢ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﻋﻨﻪ، ﻓﻌﺎﻗﺒَﻪ.

الحكاية ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ:

ﻃﺮﻕ ﺳﻤﻌﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺃﻥ ﺣﺎﺩﺛﺔً ﻭﻗﻌﺖ، ﻭﻗﺪ ﺳﻤﻌﺘُﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻭﻗﻮﻋﻬﺎ ﺇﺟﻤﺎلا ﻓﺤﺴﺐ، ﻟﻜﻨﻲ ﻟﻘﻴﺖ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﻛﺄﻧﻨﻲ ﺫﻭ ﻋـلاﻗﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﺑﺎﻟﺤﺎﺩﺛﺔ. ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻧﻨﻲ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺭﺍﺳﻞ ﺃﺣﺪﺍً، ﻭﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﻛﺘﺐ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺇﻟّﺎ ﻧﺎﺩﺭﺍً ﺇﻟﻰ ﺻﺪﻳﻖ ﻭﺣﻮﻝ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺇﻳﻤﺎﻧﻴﺔ، ﺑﻞ ﻟﻢ ﺃﻛﺘﺐ ﺣﺘﻰ ﻟﺸﻘﻴﻘﻲ ﺇﻟّﺎ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺧـلاﻝ ﺃﺭﺑﻊ ﺳﻨﻮﺍﺕ. ﻓﻜﻨﺖ ﺃﻣﻨﻊ ﻧﻔﺴﻲ ﻋﻦ ﻣﺨﺎﻟﻄﺔ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺍلاﺗﺼﺎﻝ ﺑﻬﻢ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻤﻨﻌﻮﻧﻨﻲ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ. ﻓﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﻟﻘﻰ ﺇﻟّﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍً ﺃﻭ ﺍﺛﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﺍلأﺣﺒﺎﺏ ﺧـلاﻝ ﺃﺳﺒﻮﻉ، ﻣﺮﺓ ﺃﻭ ﻣﺮﺗﻴﻦ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻀﻴﻮﻑُ ﺍﻟﻘﺎﺩﻣﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ، ﻭﻫﻢ ﺁﺣﺎﺩ لا ﻳﺰﻳﺪﻭﻥ ﻋﻦ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻭ ﺍﺛﻨﻴﻦ ﻓﻜﺎﻧﻮﺍ ﻳﻠﻘﻮﻧﻨﻲ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﺃﻭ ﺩﻗﻴﻘﺘﻴﻦ، ﺧـلاﻝ ﺷﻬﺮ، ﻭﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺃﺧﺮﻭﻳﺔ.. ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺍلاﻏﺘﺮﺍﺏ، ﻭﻗﺪ ﻣُﻨﻌﺖ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﺑﻘﻴﺖُ ﻭﺣﻴﺪﺍً ﻏﺮﻳﺒﺎً، لا ﻗﺮﻳﺐ ﻟﻲ، ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻳـلاﺋﻢ ﻣﻜﺴﺐ ﻧﻔﻘﺘﻲ. ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻨﻲ ﻗﺒﻞ ﺃﺭﺑﻊِ ﺳﻨﻮﺍﺕ، ﻋﻤّﺮﺕ ﻣﺴﺠﺪﺍً ﺧﺮﺑﺎً ﻭﻗﻤﺖ ﻓﻴﻪ ﺑﺎلإﻣﺎﻣﺔ لأﺭﺑﻊ ﺳﻨﻮﺍﺕ (ﻧﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ) ﺣﻴﺚ ﺃﺣﻤﻞ ﺷﻬﺎﺩﺓَ ﺍلإﻣﺎﻣﺔ ﻭﺍﻟﻮﻋﻆ، ﻣﻦ ﺑﻠﺪﻱ. ﻭﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﻟﻢ ﺍﺳﺘﻄﻊ ﺍﻟﺬﻫﺎﺏَ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻔﺎﺋﺖ. ﻓﺼﻠﻴﺖُ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻣﻨﻔﺮﺩﺍً ﻭﺣُﺮﻣﺖ ﻣﻦ ﺛﻮﺍﺏ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﺒﺎﻟﻎ ﺧﻤﺴﺎً ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﺿﻌﻔﺎً.

ﻓﺘﺠﺎﻩ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺘﻴﻦ ﺍﻟﻠﺘﻴﻦ ﻣﺮّﺗﺎ ﺑﻲ ﺃﻇﻬﺮﺕُ ﺻﺒﺮﺍً ﻭﺗﺤﻤـلا ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺃﻇﻬﺮﺗُﻪ ﻗﺒﻞ ﺳﻨﺘﻴﻦ ﺇﺯﺍﺀ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻝ. ﻭﺳﺄﺳﺘﻤﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻭﺍﻟﺘﺤﻤﻞ ﺑﺈﺫﻥ ﺍﻟﻠﻪ.

ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻭﺭ ﻓﻲ ﺧﻠَﺪﻱ ﻭﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﻗﻮﻟَﻪ ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻨﺖَ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺬﻳﻘﻨﻲ ﺇﻳﺎﻩ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺍلأﺫﻯ ﻭﺍﻟﺘﻀﻴﻴﻖ ﻋﻠﻲّ ﻣﻨﻬﻢ، ﺇﻥْ ﻛﺎﻥ ﺗﺠﺎﻩ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻘﺎﺻﺮﺓ ﺍﻟﻤﻠﻄﺨﺔ ﺑﺎﻟﻌﻴﻮﺏ ﻓﺈﻧﻲ ﺃﻋﻔﻮ ﻋﻨﻬﻢ، ﻟﻌﻞّ ﻧﻔﺴﻲ ﺗﺼﻠﺢ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﻌﺬﻳﺐ ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻛﻔﺎﺭﺓً ﻟﺬﻧﻮﺑﻬﺎ. ﻓﻠﺌﻦ ﻗﺎﺳﻴﺖُ ﻣﻦ ﺃﺫﻯً ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻤﻀﻴﻔﺔ، ﻓﺄﻧﺎ ﺷﺎﻛﺮٌ ﺭﺑﻲ، ﺇﺫ ﻗﺪ ﺭﺃﻳﺖ ﺑﻬﺠﺘﻬﺎ ﻭﻣﺘﻌﺘﻬﺎ.

ﻭﻟﻜﻦ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻳﺬﻳﻘﻮﻧﻨﻲ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏَ ﻟﻘﻴﺎﻣﻲ ﺑﺨﺪﻣﺔ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﺎﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻲ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺃُﺣﻴﻠُﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺠﺒﺎﺭ.

ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩُ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻀﻴﻴﻖ ﺇﻓﺴﺎﺩَ ﺗﻮﺟّﻪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻲّ ﻭﺍﻟﺤﻴﻠﻮﻟﺔ ﺩﻭﻥ ﺇﻗﺒﺎﻟﻬﻢ ﻋﻠﻲّ، ﺃﻱ ﻟﻠﺤﺪّ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻬﺮﺓ ﺍﻟﻜﺎﺫﺑﺔ، ﺍﻟﺘﻲ لا ﺃﺳﺎﺱ ﻟﻬﺎ، ﺑﻞ ﻫﻲ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻳﺎﺀ ﻭﺇﻓﺴﺎﺩ ﺍلإﺧـلاﺹ.. ﻓﻌﻠﻴﻬﻢ ﺇﺫﻥ ﺭﺣﻤﺔُ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﺮﻛﺎﺗﻪ؛ لأﻧﻲ ﺍﻋﺘﻘﺪ ﺃﻥ ﻛﺴﺐ ﺍﻟﺸﻬﺮﺓ ﻭﺇﻗﺒﺎﻝَ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺿﺎﺭ لأﺷﺨﺎﺹ ﻣﺜﻠﻲ. ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻬﻢ ﻋـلاﻗﺔ ﻣﻌﻲ ﻳﻌﺮﻓﻮﻧﻨﻲ ﺟﻴﺪﺍً: ﺃﻧﻨﻲ لا ﺃﻗﺒﻞ ﺍلاﺣﺘﺮﺍﻡ ﻟﻨﻔﺴﻲ، ﺑﻞ ﺃﻧﻔﺮ ﻣﻨﻪ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺻﺪﻳﻘﺎً ﻓﺎﺿـلا ﻋﺰﻳﺰﺍً ﻋﻠﻲّ ﻗﺪ ﻧﻬﺮﺗُﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﻣﺮﺓ ﻟﺸﺪﺓ ﺍﺣﺘﺮﺍﻣﻪ ﻟﻲ.

ﻭﻟﻜﻦ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻗﺼﺪُﻫﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻬﻮﻳﻦ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻲ ﻭﺇﺳﻘﺎﻃﻲ ﻓﻲ ﺃﻋﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺨﺺ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖَ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻗﻮﻡ ﺑﺘﺒﻠﻴﻐﻬﺎ، ﻓﻌﺒﺜﺎً ﻳﺤﺎﻭﻟﻮﻥ لأﻥ ﻧﺠﻮﻡ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ لا ﺗُﺴﺪَﻝ ﺑﺸﻲﺀ. ﻓﻤﻦ ﻳﻐﻤﺾ ﻋﻴﻨﻪ ﻳﺠﻌﻞ ﻧﻬﺎﺭَﻩ ﻟﻴـلا لا ﻧﻬﺎﺭ ﻏﻴﺮﻩ.