ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩِ﴾

    «ﺟﻮﺍﺏ ﻣﺨﺘﺼﺮ ﻋﻦ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﺳﺌﻠﺔ»

    اﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍلأﻭﻝ:

ﻫﻞ ﺳﻴﺪُﻧﺎ ﺍﻟﺨﻀﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ؟ ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻠِﻢَ ﻳﻌﺘﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻋﺪﺩٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍلأﺟﻠَّﺎﺀ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻧَّﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻥَّ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺧﻤﺲَ ﻣﺮﺍﺗﺐَ، ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺷَﻚَّ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀِ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ.

ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ: ﻫﻲ ﺣﻴﺎﺗُﻨﺎ ﻧﺤﻦ؛ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻘﻴﺪﺓ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ.

ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ: ﻫﻲ ﻃﺒﻘﺔُ ﺣﻴﺎﺓ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺍﻟﺨﻀﺮ ﻭﺳﻴﺪﻧﺎ ﺇﻟﻴﺎﺱ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ، ﺃﻱ ﻳﻤﻜﻨﻬﻤﺎ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﺎ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﺃﻥ ﻳﺄﻛـلا ﻭﻳﺸﺮﺑﺎ ﻣﺘﻰ ﺷﺎﺀﺍ. ﻓﻬﻤﺎ ﻟﻴﺴﺎ ﻣُﻀﻄﺮَّﻳﻦ ﻭﻣﻘﻴﺪﻳﻦ ﺑﻀﺮﻭﺭﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻣِﺜﻠَﻨﺎ. ﻭﻳﺮﻭﻱ ﺃَﻫﻞُ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻭﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀِ ﺑﺎﻟﺘﻮﺍﺗﺮ ﺣﻮﺍﺩﺙَ ﻭﺍﻗﻌﺔً ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ. ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﺗُﺜﺒﺖُ ﻭﺟﻮﺩَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺗﻨﻮّﺭﻫﺎ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥَّ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻣﺎﺕ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﻣَﻘﺎﻣﺎً ﻳُﻌﺒَّﺮُ ﻋﻨﻪ ﺑـ «ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺨﻀﺮ». ﻓﺎﻟﻮﻟﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﻠﻎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﻳﺠﺎﻟﺲ ﺍﻟﺨﻀﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻭﻳﺘﻠﻘَّﻰ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﺪﺭﺱ، ﻭﻟﻜﻦ ﻳُﻈﻦ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺧَﻄﺄً ﺃَﻥَّ ﺻﺎﺣﺐَ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﻫﻮ ﺍﻟﺨﻀﺮ ﺑﻌﻴﻨﻪ.

ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ: ﻫﻲ ﻃﺒﻘﺔ ﺣﻴﺎﺓ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺇﺩﺭﻳﺲ ﻭﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺍﻟﺴـلاﻡ. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺗﻜﺘﺴﺐ ﻟﻄﺎﻓﺔً ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺩ ﻣﻦ ﺿﺮﻭﺭﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ؛ ﻓﻬﻤﺎ ﻳﻮﺟَﺪﺍﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺑﺠﺴﻤَﻴﻬﻤﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﻴﻦ، ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺑﻠﻄﺎﻓﺔ ﺑَﺪَﻥٍ ﻣﺜﺎﻟﻲ ﻭﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔِ ﺟﺴﺪٍ ﻧﺠﻤﻲّ. ﻭﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩ ﺃﻥ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻳَﻨْـﺰِﻝُ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻭﻳﺤﻜﻢ ﺑﺎﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﻫﻲ ﺍلآﺗﻲ:

ﺇﻧﻪ ﺇﺯﺍﺀ ﻣﺎ ﺗُﺠﺮﻳﻪِ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔُ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﻴﺎﺭ ﺍلإﻟﺤﺎﺩ ﻭﺇﻧﻜﺎﺭ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﺗﺘﺼﻔﻰ ﺍﻟﻌﻴﺴﻮﻳﺔ ﻭﺗﺘﺠﺮﺩُ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺮﺍﻓﺎﺕ. ﻭﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺍﻧﻘـلاﺑﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍلإﺳـلاﻡ، ﻳُﺠﺮِّﺩُ ﺷﺨﺺُ ﺍﻟﻌﻴﺴﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱُّ ﺳﻴﻒَ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻱ ﻭﻳﻘﺘﻞ ﺷﺨﺺَ ﺍلإﻟﺤﺎﺩ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱّ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻟﺸﺨﺺَ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱَّ ﻟﻠﻌﻴﺴﻮﻳﺔ ﻳﻘﺘﻞ ﺍﻟﺪَّﺟﺎﻝَ ﺍﻟﻤُﻤﺜِّﻞَ ﻟـلإﻟﺤﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻪ ﻳﻘﺘﻞ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ.

ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ: ﻫﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ، ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﺑﻨﺺ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﺃﻥ ﻟﻬﻢ ﻃﺒﻘﺔ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﻋﻠﻰ ﻭﺃﺳﻤﻰ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺍلأﻣﻮﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ. ﻧﻌﻢ! ﺇﻥَّ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺿﺤّﻮﺍ ﺑﺤﻴﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺤﻖ، ﻳﻨﻌﻢُ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻜﻤﺎﻝ ﻛﺮﻣﻪ ﺣﻴﺎﺓً ﺷﺒﻴﻬﺔً ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ؛ ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺑـلا ﺁلاﻡ ﻭلا ﻣﺘﺎﻋﺐ ﻭلا ﻫﻤﻮﻡ؛ ﺣﻴﺚ لا ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﺃﻧﻬﻢ ﻗﺪ ﻣﺎﺗﻮﺍ، ﺑﻞ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﺃﻧﻬﻢ ﻗﺪ ﺍﺭﺗﺤﻠﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺃﻓﻀﻞ، ﻟﺬﺍ ﻳﺴﺘﻤﺘﻌﻮﻥ ﻣﺘﻌﺔ ﺗﺎﻣﺔ ﻭﻳﺘﻨﻌﻤﻮﻥ ﺑﺴﻌﺎﺩﺓ ﻛﺎﻣﻠﺔ؛ ﺇﺫ لا ﻳﺸﻌﺮﻭﻥ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻣﻦ ﺃﻟﻢ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻋﻦ ﺍلأﺣﺒﺔ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻟﺪﻯ ﺍلأﻣﻮﺍﺕ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﺃَﻧﻬﻢ ﻗﺪ ﻣﺎﺗﻮﺍ، ﺭﻏﻢ ﺃَﻥَّ ﺃﺭﻭﺍﺣَﻬﻢ ﺑﺎﻗﻴﺔٌ؛ ﻟﺬﺍ ﻓﺎﻟﻠﺬﺓُ ﻭﺍﻟﺴَّﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻤﺘﻌﻮﻥ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ ﻗﺎﺻﺮﺓٌ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ. ﻭﻫﺬﺍ ﻧﻈﻴﺮ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍلآﺗﻲ:

ﺷﺨﺼﺎﻥ ﺭﺃﻳﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ﺃﻧﻬﻤﺎ ﻗﺪ ﺩﺧـلا ﻗﺼﺮﺍً ﺟﻤﻴـلا ﻛﺎﻟﺠﻨَّﺔ. ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﺮﺍﻩ ﻫﻮ ﺭﺅﻳﺎ. ﻓﺎﻟﻠﺬﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻧﺎﻗﺼﺔً ﺟﺪﺍً، ﺇﺫ ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ: ﺳﺘﺰﻭﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﻡ. ﺃﻣﺎ ﺍلآﺧﺮ ﻓـلا ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺃﻧﻪ ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺎ ﻟﺬﺍ ﻳﻨﺎﻝ ﻟﺬﺓ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﻳﺴﻌﺪ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﻛﺴﺐ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﺒﺮﺯﺧﻴﺔ ﻋﻦ ﻛﺴﺐ ﺍلأﻣﻮﺍﺕ ﻣﻨﻬﺎ.

ﺇﻥَّ ﻧﻴﻞ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻤﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻋﺘﻘﺎﺩﻫﻢ ﺃَﻧﻬﻢ ﺃَﺣﻴﺎﺀ ﺛﺎﺑﺖٌ ﺑﻮﻗﺎﺋﻊَ ﻭﺭﻭﺍﻳﺎﺕٍ ﻏﻴﺮِ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ. ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺇﺟﺎﺭﺓ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺣﻤﺰﺓ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﺳﻴﺪ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ، ﻟِـﻤَﻦ ﺍﺳﺘﺠﺎﺭﻩ ﻭﻟﺠﺄَ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻗﻀﺎﺀﻩ ﻟﺤﻮﺍﺋﺠﻬﻢ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ، ﻭﺣﻤﻞَ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﻗﻀﺎﺋﻬﺎ، ﻭﺃﻣﺜﺎﻟَﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻧﻮَّﺭﺕْ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺃَﺛﺒﺘﺘﻬﺎ. ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻨﻲ ﺷﺨﺼﻴﺎً ﻭﻗﻌﺖ ﻟﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ:

ﻛﺎﻥ ﺍﺑﻦ ﺃﺧﺘﻲ «ﻋُﺒﻴﺪ» ﺃﺣﺪ ﻃـلاﺑﻲ، ﻗﺪ ﺍﺳﺘﺸﻬﺪ ﺑﻘﺮﺑﻲ ﺑﺪلا ﻋﻨﻲ، ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ؛ ﻓﺮﺃﻳﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ﺭﺅﻳﺎ ﺻﺎﺩﻗﺔ ﻋﻨﺪﻱ: ﺃﻧﻨﻲ ﻗﺪ ﺩﺧﻠﺖ ﻗﺒﺮَﻩ ﺍﻟﺸﺒﻴﻪَ ﺑﻤﻨـﺰﻝٍ ﺗﺤﺖ ﺍلأﺭﺽ، ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻲ ﻓﻲ ﺍلأﺳﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺛـلاﺛﺔ ﺃَﺷﻬﺮ ﻣﻨﻪ، ﻭﺃَﺟﻬﻞُ ﻣﻜﺎﻥَ ﺩﻓﻨﻪ. ﻭﺭﺃﻳﺘُﻪ ﻓﻲ ﻃﺒﻘﺔ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ. ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺃَﻧﻨﻲ ﻣﻴِّﺖٌ، ﻭﺫﻛﺮ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺑﻜﻰ ﻋﻠﻲَّ ﻛﺜﻴﺮﺍً، ﻭﻳﻌﺘﻘﺪ ﺃَﻧﻪ ﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺑَﻨﻰ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻣﻨـﺰلا ﺟﻤﻴـلا ﺗﺤﺖ ﺍلأﺭﺽ ﺣﺬﺭﺍً ﻣﻦ ﺍﺳﺘﻴـلاﺀ ﺍﻟﺮﻭﺱ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ -ﻣﻊ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﻭﺍلأﻣﺎﺭﺍﺕ- ﺃﻋﻄﺘﻨﻲ ﻗﻨﺎﻋﺔ ﺗﺎﻣﺔ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ.

ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ: ﻫﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ لأﻫﻞ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ.

ﻧﻌﻢ، ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻫﻮ ﺗﺒﺪﻳﻞُ ﻣﻜﺎﻥ ﻭﺇﻃـلاﻕُ ﺭﻭﺡ ﻭﺗﺴﺮﻳﺢٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ، ﻭﻟﻴﺲ ﺇﻋﺪﺍﻣﺎً ﻭلا ﻋﺪﻣﺎً ﻭلا ﻓﻨﺎﺀً. ﻓﺘﻤﺜُّﻞ ﺃﺭﻭﺍﺡ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ، ﻭﻇﻬﻮﺭُﻫﻢ لأﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻜﺸﻒ، ﺑﺤﻮﺍﺩﺙ لا ﺗُﻌَﺪُّ، ﻭﻋـلاﻗﺎﺕُ ﺳﺎﺋﺮ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ ﺑﻨﺎ، ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻘﻈﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻡ، ﻭﺇﺧﺒﺎﺭﻫﻢ ﺇﻳَّﺎﻧﺎ ﺇﺧﺒﺎﺭﺍً ﻣﻄﺎﺑﻘﺎً ﻟﻠﻮﺍﻗﻊ.. ﻭﺃﻣﺜﺎﻟُﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺩﻟﺔ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ، ﺗﻨﻮّﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﻭﺗﺜﺒﺘﻬﺎ.

ﻭﻟﻘﺪ ﺃﺛﺒﺘﺖ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ» ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺒﻘﺎﺀ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺑﺪلاﺋﻞَ ﻗﺎﻃﻌﺔ ﻃﺒﻘﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻫﺬﻩ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎً ﺗﺎﻣﺎً.

    اﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ:

ﺇﻥ ﺍلآﻳـﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿ﺍﻟﺬﻱ ﺧَﻠَﻖَ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓَ ﻟﻴﺒﻠﻮَﻛُﻢ ﺍﻳّﻜُﻢ ﺃﺣْﺴَﻦُ ﻋَﻤَـلا﴾ (ﺍﻟﻤﻠﻚ:٢) ﻭﺃﻣﺜﺎﻟَﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﺗَﻌُﺪُّ ﺍﻟﻤﻮﺕَ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎً ﻛﺎﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﺗﻌﺘﺒﺮﻩ ﻧﻌﻤﺔً ﺇﻟﻬﻴﺔ. ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻤـلاﺣﻆَ ﺃَﻥَّ ﺍﻟﻤﻮﺕَ ﺍﻧﺤـلاﻝٌ ﻭﻋﺪﻡٌ ﻭﺗﻔﺴﺦ، ﻭﺍﻧﻄﻔﺎﺀ ﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﻫﺎﺩﻡ ﺍﻟﻠﺬﺍﺕ… ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻜﻮﻥ «ﻣﺨﻠﻮﻗﺎً» ﻭﻛﻴﻒ ﻳﻜﻮﻥ «ﻧﻌﻤﺔ»؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﻘﺪ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍلأﻭﻝ: ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﺗﺴﺮﻳﺢٌ ﻭﺇﻧﻬﺎﺀٌ ﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻫﻮ ﺗﺒﺪﻳﻞُ ﻣﻜﺎﻥ ﻭﺗﺤﻮﻳﻞ ﻭﺟﻮﺩ، ﻭﻫﻮ ﺩﻋﻮﺓٌ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ ﻭﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﻬﺎ؛ ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﺠﻲﺀ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻫﻮ ﺑﺨﻠﻖٍ ﻭﺑﺘﻘﺪﻳﺮ ﺇﻟﻬﻲ، ﻛﺬﻟﻚ ﺫﻫﺎﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻫﻮ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﺨﻠﻖ ﻭﺗﻘﺪﻳﺮ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﻭﺗﺪﺑﻴﺮ ﺇﻟﻬﻲ؛ لأﻥَّ ﻣﻮﺕَ ﺃﺑﺴﻂِ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ، ﻳُﻈﻬﺮ ﻟﻨﺎ ﻧﻈﺎﻣﺎً ﺩﻗﻴﻘﺎً ﻭﺇﺑﺪﺍﻋﺎً ﻟﻠﺨﻠﻖ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃَﻋﻈﻢُ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻭﺃَﻧﻈﻢُ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﻤﻮﺕ ﺍلأﺛﻤﺎﺭ ﻭﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﻭﺍﻟﺤﺒﻮﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺪﻭ ﻇﺎﻫﺮﺍً ﺗﻔﺴﺨﺎً ﻭﺗﺤﻠـلا ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻋﺠﻦٍ ﻟﺘﻔﺎﻋـلاﺕٍ ﻛﻴﻤﻴﺎﻭﻳﺔٍ ﻣﺘﺴﻠﺴﻠﺔٍ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ، ﻭﺍﻣﺘﺰﺍﺝٍ ﻟﻤﻘﺎﺩﻳﺮ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺪﻗﺔ ﻭﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ، ﻭﺗﺮﻛﻴﺐٍ ﻭﺗﺸﻜّﻞ ﻟﻠﺬﺭﺍﺕ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻟﺒﺼﻴﺮﺓ، ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥَّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻳُﺮﻯ، ﻭﻓﻴﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﺍﻟﺪﻗﺔ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ، ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻈﻬﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﺣﻴﺎﺓ ﻧﺎﻣﻴﺔ ﻟﻠﺴﻨﺒﻞ ﻭﻟﻠﻨﺒﺎﺕ ﺍﻟﺒﺎﺳﻖ ﺍﻟﻤﺜﻤﺮ. ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥَّ ﻣﻮﺕ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ ﻫﻮ ﻣﺒﺪﺃُ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ، ﺃﺯﻫﺎﺭﺍً ﻭﺃﺛﻤﺎﺭﺍً.. ﺑﻞ ﻫﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻋﻴﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ؛ ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺇﺫﻥ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﻣﻨﺘﻈﻢ ﻛﺎﻟﺤﻴﺎﺓ..

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﻣﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﻣﻌﺪﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻣﻮﺕٍ ﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺣﻴﺔ، ﺃﻭ ﻏﺬﺍﺀ ﺣﻴﻮﺍﻧﻲ، ﻫﻮ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﺑﺪﺍﻳﺔٌ ﻭﻣﻨﺸﺄٌ ﻟﺼﻌﻮﺩ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻐﺬﺍﺀ ﻓﻲ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺮﺍﻗﻴﺔ. ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺇﺫﻥ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻧﺘﻈﺎﻣﺎً ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻏﺬﻳﺔ.

ﻓَﻠَﺌﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﻮﺕُ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺃَﺩﻧﻰ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎً ﻣﻨﺘﻈﻤﺎً ﺑﺤﻜﻤﺔ، ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺎﻟﻤﻮﺕ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻴﺐ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺃَﺭﻗﻰ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ؟ ﻓـلا ﺷﻚ ﺃﻥَّ ﻣﻮﺗﻪ ﻫﺬﺍ ﺳﻴﺜﻤﺮ ﺣﻴﺎﺓً ﺩﺍﺋﻤﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ، ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻛﺎﻟﺒﺬﺭﺓ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺔ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼﺒﺢ ﺑﻤﻮﺗﻬﺎ ﻧﺒﺎﺗﺎً ﺭﺍﺋﻊَ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ (ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ).

ﺃﻣﺎ ﻛﻴﻒ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻧﻌﻤﺔً؟..

ﻓﺎﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺳﻨﺬﻛﺮ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﻭﺟﻮﻩ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺃَﻭﺟُﻪِ ﺍﻟﻨِّﻌﻤﺔ ﻭﺍلاﻣﺘﻨﺎﻥ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﻟﻠﻤﻮﺕ.

ﺃﻭﻟﻬﺎ: ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺇﻧﻘﺎﺫٌ ﻟـلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺃَﻋﺒﺎﺀ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻣﻦ ﺗﻜﺎﻟﻴﻒ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﺔ ﺍﻟﻤﺜﻘﻠﺔ. ﻭﻫﻮ ﺑﺎﺏُ ﻭﺻﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻊ ﺗﺴﻌﺔ ﻭﺗﺴﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺍلأﺣِﺒَّﺔ ﺍلأﻋﺰﺍﺀ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ، ﻓﻬﻮ ﺇﺫﻥ ﻧﻌﻤﺔ ﻋﻈﻤﻰ!

ﺛﺎﻧﻴﻬﺎ: ﺇﻧَّﻪ ﺧﺮﻭﺝٌ ﻣﻦ ﻗﻀﺒﺎﻥ ﺳﺠﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻤﻈﻠﻢ ﺍﻟﻀﻴﻖ ﺍﻟﻤﻀﻄﺮﺏ، ﻭﺩﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﺭﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻭﻓﻲ ﻛﻨﻒ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ، ﻭﻫﻮ ﺗﻨﻌّﻢٌ ﺑﺤﻴﺎﺓ ﻓﺴﻴﺤﺔ ﺧﺎﻟﺪﺓ ﻣﺴﺘﻨﻴﺮﺓ لا ﻳﺰﻋﺠﻬﺎ ﺧﻮﻑ، ﻭلا ﻳﻜﺪﺭﻫﺎ ﺣﺰﻥ ﻭلا ﻫﻢّ.

ﺛﺎﻟﺜﻬﺎ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ ﻭﺃَﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺪﺍﻋﻴﺔ ﻟﺠﻌﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺻﻌﺒﺔ ﻭﻣﺮﻫﻘﺔ، ﺗﺒﻴّﻦ ﻣﺪﻯ ﻛﻮﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻧﻌﻤﺔ ﺗَﻔُﻮﻕُ ﻧﻌﻤﺔَ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ. ﻓﻠﻮ ﺗﺼﻮﺭﺕ ﺃَﻥَّ ﺃﺟﺪﺍﺩَﻙ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻫﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺃَﺣﻮﺍﻝ ﻣﺆﻟﻤﺔ ﻗﺎﺑﻌﻮﻥ ﺃﻣﺎﻣﻚ ﺣﺎﻟﻴﺎً ﻣﻊ ﻭﺍﻟﺪﻳﻚ ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﺑﻠﻐﺎ ﺃَﺭﺫﻝَ ﺍﻟﻌُﻤﺮِ، ﻟﻔﻬﻤﺖَ ﻣﺪﻯ ﻛﻮﻥِ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻧﻘﻤﺔ، ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ ﻧﻌﻤﺔ. ﺑﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻣﺪﻯ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﻣﺪﻯ ﺍﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ ﺇﺩﺍﻣﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﺎﻟﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺸﺮﺍﺕ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﻘﺔ ﻟﻸ ﺯﺍﻫﻴﺮ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ، ﻋﻨﺪ ﺍﺷﺘﺪﺍﺩ ﻭﻃﺄﺓ ﺍﻟﺒَﺮْﺩِ ﺍﻟﻘﺎﺭﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﺎ.

ﺭﺍﺑﻌﻬﺎ: ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻮﻡ ﺭﺍﺣﺔ ﻟـلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺭﺣﻤﺔ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻟﻠﻤﺒﺘﻠﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺮﺿﻰ ﻭﺍﻟﺠﺮﺣﻰ، ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﻮﺕ -ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﺧﻮ ﺍﻟﻨﻮﻡ- ﺭﺣﻤﺔٌ ﻭﻧﻌﻤﺔ ﻋﻈﻤﻰ ﻟﻠﻤﺒﺘﻠﻴﻦ ﺑﺒـلاﻳﺎ ﻳﺎﺋﺴﺔ ﻗﺪ ﺗﺪﻓﻌﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍلاﻧﺘﺤﺎﺭ.

ﺃﻣﺎ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀـلاﻝ، ﻓﺎﻟﻤﻮﺕ ﻟﻬﻢ ﻛﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﻧﻘﻤﺔٌ ﻋﻈﻤﻰ ﻭﻋﺬﺍﺏ ﻓﻲ ﻋﺬﺍﺏ، ﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ «ﻛﻠﻤﺎﺕ» ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎً ﻗﺎﻃﻌﺎً ﻭﺫﻟﻚ ﺧﺎﺭﺝ ﺑﺤﺜﻨﺎ ﻫﺬﺍ.

    ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ:

ﺃﻳﻦ ﺟﻬﻨﻢ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: لا ﻳﻌﻠﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺇﻟّﺎ ﺍﻟﻠﻪ، ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ﻗﻞ ﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﻌِﻠْﻢُ ﻋﻨﺪَ ﺍﻟﻠﻪ﴾ (ﺍﻟﻤﻠﻚ:26) ﻭﻗﺪ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ: ﺃﻥ ﺟﻬﻨﻢ ﺗﺤﺖ ﺍلأﺭﺽ. ﻓﺎﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﺑﺤﺮﻛﺘﻬﺎ ﺍﻟﺴﻨﻮﻳﺔ، ﺗﺨﻂ ﺩﺍﺋﺮﺓً ﺣﻮﻝ ﻣﻴﺪﺍﻥٍ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻣﺤﺸَﺮﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، ﻛﻤﺎ ﺑﻴﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﺃﺧﺮﻯ.

ﺃﻣﺎ ﺟﻬﻨﻢ ﺗﺤﺖ ﺍلأﺭﺽ، ﻓﻴﻌﻨﻲ: ﺗﺤﺖ ﻣﺪﺍﺭﻫﺎ ﺍﻟﺴﻨﻮﻱ، ﻭﺃﻥ ﺳﺒﺐ ﻋﺪﻡ ﺭﺅﻳﺘِﻬﺎ ﻭﺍلإﺣﺴﺎﺱِ ﺑﻬﺎ ﻫﻮ ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻧﺎﺭﺍً ﺑـلا ﻧﻮﺭ ﻭﻣﺴﺘﻮﺭﺓً ﺑﺤﺠﺎﺏ. ﻭلا ﺟﺮﻡ ﺃﻥ ﻓﻲ ﻣﺪﺍﺭ ﺟﻮلاﻥ ﺍلأﺭﺽ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﻬﻮﻟﺔ، ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺟﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﻭﻫﻲ لا ﺗُﺸﺎﻫﺪ، ﻟﻔﻘﺪﻫﺎ ﺍﻟﻨﻮﺭ. ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﻛﻠﻤﺎ ﺳُﺤﺐ ﻧﻮﺭُﻩ ﻳﻔﻘﺪ ﻭﺟﻮﺩَﻩ، ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺟﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻭﺍلأﺟﺮﺍﻡ ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻣﻌﺘﻤﺔ لا ﻧﺮﺍﻫﺎ ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﺑﺼﺎﺭﻧﺎ.

    ﻭﺟﻬﻨﻢ ﺍﺛﻨﺘﺎﻥ: ﺇﺣﺪﺍﻫﻤﺎ ﺟﻬﻨﻢ ﺻﻐﺮﻯ، ﻭﺍلأﺧﺮﻯ ﺟﻬﻨﻢ ﻛﺒﺮﻯ.

ﻭﺍﻟﺼﻐﺮﻯ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻧﻮﺍﺓ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ، ﺇﺫ ﺳﺘﻨﻘﻠﺐ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻭﺳﺘﻜﻮﻥ ﻣﻨـﺰلا ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺯﻟﻬﺎ.

ﻭﻣﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺟﻬﻨﻢ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ ﺗﺤﺖ ﺍلأﺭﺽ، ﺃﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰﻫﺎ، لأﻥ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﻣﺮﻛﺰَﻫﺎ. ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍلأﺭﺽ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﺗﺘﺰﺍﻳﺪ ﺩﺭﺟﺔً ﻭﺍﺣﺪﺓ -ﻋﻠﻰ ﺍلأﻏﻠﺐ- ﻛﻠﻤﺎ ﺣُﻔﺮ ﻓﻲ ﺍلأﺭﺽ ﺛـلاﺛﺔ ﻭﺛـلاﺛﻮﻥ ﻣﺘﺮﺍً؛ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﺗﺒﻠﻎ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ ﺍلأﺭﺽ ﻣﺎﺋﺘﻲ ﺃﻟﻒ ﺩﺭﺟﺔ، لأﻥ ﻧﺼﻒ ﻗﻄﺮ ﺍلأﺭﺽ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺘﺔ ﺁلاﻑ ﻛﻴﻠﻮ ﻣﺘﺮ، ﺃﻱ ﻧﺎﺭُﻩ ﺃﺷﺪ ﻣﻦ ﻧﺎﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻤﺎﺋﺘﻲ ﺩﺭﺟﺔ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻮﺍﻓﻖ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ.

ﻭﻗﺪ ﺃَﺩَّﺕْ ﺟﻬﻨﻢ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ ﻫﺬﻩ ﻭﻇﺎﺋﻒَ ﻛﺜﻴﺮﺓً ﺟﺪﺍً ﺗﺨﺺ ﺟﻬﻨﻢ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ، ﻛﻤﺎ ﺃَﺷﺎﺭﺕ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ.

ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻓﺴﺘُﻔْﺮﻍُ ﺍلأﺭﺽُ ﺃﻫﻠَﻬﺎ ﻭﺗُﻠﻘﻲ ﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻣﺪﺍﺭﻫﺎ ﺍﻟﺴﻨﻮﻱ، ﻛﻤﺎ ﺗُﺴﻠّﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺟﻮﻓﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﻨﻢ ﺻﻐﺮﻯ ﺇﻟﻰ ﺟﻬﻨﻢ ﻛﺒﺮﻯ ﺑﺄﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻞ ﺟـلاﻟﻪ. ﺃﻣﺎ ﻗﻮﻝ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺃﺋﻤﺔ ﺍﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ: «ﺇﻥ ﺟﻬﻨﻢ ﺳﻮﻑ ﺗُﺨﻠﻖ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ»، ﻓﻬﻮ ﺧَﻄﺄٌ ﻭﻏﺒﺎﺀٌ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ، ﻧﺎﺷﺊٌ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﻧﺒﺴﺎﻃﻬﺎ ﺍﻧﺒﺴﺎﻃﺎً ﺗﺎﻣﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻧﻜﺸﺎﻓﻬﺎ ﺍﻧﻜﺸﺎﻓﺎً ﺗﺎﻣﺎً ﺑﻤﺎ ﻳﻮﺍﻓﻖ ﺃﻫﻞَ ﺍلأﺭﺽ. ﺛﻢ ﺇﻥ ﺭﺅﻳﺔَ ﻣﻨﺎﺯﻝ ﻋﺎﻟﻢ ﺍلآﺧﺮﺓ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﺭﺓ ﻋﻨﺎ ﺑﺴﺘﺎﺭ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺑﺄﺑﺼﺎﺭﻧﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﻭﺇﺭﺍﺀﺗﻬﺎ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ لا ﺗﺤﺼﻞ ﺇلا ﺑﺘﺼﻐﻴﺮ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠِّﻪ (ﺃﻱ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍلآﺧﺮﺓ) ﻭﺟﻌﻠِﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﻭلاﻳﺘﻴﻦ. ﺃﻭ ﺑﺘﻜﺒﻴﺮ ﻋﻴﻮﻧﻨﺎ ﺑﺤﺠﻢ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻛﻲ ﻧﻌﺮﻑ ﺃﻣﺎﻛﻨﻬﺎ ﻭﻧﻌﻴّﻨﻬﺎ. ﻓﺎﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ ﻋﺎﻟﻢ ﺍلآﺧﺮﺓ لا ﺗُﺮﻯ ﺑﺄﺑﺼﺎﺭﻧﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ. ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ.

ﻭﻟﻜﻦ ﻳُﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﺃﻥ ﺟﻬﻨﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻟﻬﺎ ﻋـلاﻗﺔ ﻣﻊ ﺩﻧﻴﺎﻧﺎ، ﻓﻘﺪ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺷﺪﺓ ﺣﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﺼﻴﻒ ﺃﻧﻬﺎ «ﻣﻦ ﻓﻴﺢ ﺟﻬﻨﻢ». ﻓﺠﻬﻨﻢ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺇﺫﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ لا ﺗُﺮﻯ ﺑﻌﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺨﺎﻓﺘﺔ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ، ﻭﻟﻜﻦ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﻨﻮﺭ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ «ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ» ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺟﻬﻨﻢ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭ ﺍﻟﺴﻨﻮﻱ ﻟﻸ ﺭﺽ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﻭﻛّﻠﺖ ﺟﻬﻨﻢَ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ ﺍلأﺭﺽ، ﻓﺘﺆﺩﻱ ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﻭﻇﺎﺋﻔﻬﺎ. ﻭﺃﻥ ﻣﻠﻚ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﻭﺍﺳﻊٌ ﺟﺪﺍً، ﻓﺄﻳﻨﻤﺎ ﻭﺟّﻬﺖ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺟﻬﻨﻢ ﻓﻬﻲ ﺗﺴﺘﻘﺮ ﻫﻨﺎﻙ ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﻗﺪﻳﺮﺍً ﺫﺍ ﺟـلاﻝ، ﻭﺣﻜﻴﻤﺎً ﺫﺍ ﻛﻤﺎﻝ، ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ لأﻣﺮ «ﻛﻦ ﻓﻴﻜﻮﻥ» ﺍﻟﺬﻱ ﺭﺑﻂ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﺑﺎلأﺭﺽ ﺑﺤﻜﻤﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻭﻓﻖ ﻧﻈﺎﻡ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺸﺎﻫَﺪ، ﻭﺭﺑﻂ ﺍلأﺭﺽَ ﺑﺎﻟﺸﻤﺲ ﺑﻌﻈﻤﺔ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻭﻓﻖ ﻧﻈﺎﻡ، ﻭﺳﻴّﺮ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻣﻊ ﺳﻴﺎﺭﺍﺗﻬﺎ ﺑﻌﻈﻤﺔ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ، ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻣﻘﺎﺭﺑﺔ ﻟﺴﺮﻋﺔ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺴﻨﻮﻳﺔ، ﻳﺠﺮﻳﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺷﻤﺲ ﺍﻟﺸﻤﻮﺱ (ﺑﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺽ) ﻭﺟﻌﻞ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡَ ﺍﻟﻤﺘﻸ ﻟﺌﺔ ﻛﺎﻟﻤﺼﺎﺑﻴﺢ، ﺷﻮﺍﻫﺪ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔً ﻋﻠﻰ ﻋﻈﻤﺔ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ، ﻣُﻈْﻬِﺮﺍً ﺑﻬﺬﺍ ﺭﺑﻮﺑﻴﺔً ﺟﻠﻴﻠﺔً ﻭﻋﻈﻤﺔَ ﻗﺪﺭﺓ ﻗﺎﺩﺭﺓ، لا ﻳُﺴﺘﺒﻌَﺪ ﻋﻦ ﻛﻤﺎﻝ ﺣﻜﻤﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮِ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻭﻋﻦ ﻋﻈﻤﺔِ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻭﺳﻠﻄﺎﻥِ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﺟﻬﻨﻢ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﺧﺰﺍﻥ ﻣﻌﻤﻞ ﺍلإﺿﺎﺀﺓ، ﻭﻳُﺸﻌﻞ ﺑﻬﺎ ﻧﺠﻮﻡ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺍﻟﻨﺎﻇﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍلآﺧﺮﺓ، ﻭﻳﻤﺪّﻫﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﻭﺍﻟﻘﻮﺓ، ﺃﻱ ﻳﺒﻌﺚ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻭﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﻣﻦ ﺟﻬﻨﻢ، ﻭﻳﺮﺳﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺔ -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻨﻮﺭ- ﻧﻮﺭﺍً ﻭﺿﻴﺎﺀً. ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﺟﻬﻨﻢ ﻣﺴﻜﻨﺎً لأﻫﻞ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﻭﺳﺠﻨﺎً ﻟﻬﻢ.

ﻭﻛﺬﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻀﻢ ﺷﺠﺮﺓً ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔً ﻛﺎﻟﺠﺒﻞ ﻓﻲ ﺑﺬﻳﺮﺓ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻛﺎﻟﺨﺮﺩﻝ، لا ﻳُﺴﺘﺒﻌَﺪ ﻋﻦ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻭﻋﻦ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﺃﻥ ﻳﺤﻔﻆ ﺟﻬﻨﻢ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻓﻲ ﺑﺬﺭﺓ ﺟﻬﻨﻢ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺮﺓ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ.

ﻧﺤﺼﻞ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ: ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﺟﻬﻨﻢ ﺛﻤﺮﺗﺎﻥ ﻣﻦ ﻏﺼﻦ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﻗﺪ ﺗﺪﻟّﺘﺎ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺑﺪ، ﻭﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻐﺼﻦ.

ﻭﺃﻧﻬﻤﺎ ﻧﺘﻴﺠﺘﺎﻥ ﻟﺴﻠﺴﻠﺔ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻫﺬﻩ، ﻭﻣﺤﻞ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻃﺮﻓَﻲ ﺍﻟﺴﻠﺴﻠﺔ، ﺍﻟﺴﻔﻠﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺍﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺍلأﺳﻔﻞ، ﻭﺍﻟﻌﻠﻮﻳﺔ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺍلأﻋﻠﻰ.

ﻭﺃﻧﻬﻤﺎ ﻣﺨﺰﻧﺎﻥ ﻟﺴﻴﻞ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ. ﻭﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﺨﺰﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺣﺴﺐ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ، ﺍﻟﻔﺎﺳﺪﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﺳﻔﻠﻪ، ﻭﺍﻟﺠﻴﺪﺓ ﻓﻲ ﺃﻋـلاﻩ.

ﻭﺃﻧﻬﻤﺎ ﺣﻮﺿﺎﻥ ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﺘﻤﻮﺟﺔ ﻭﺍﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻧﺤﻮ ﺍلأﺑﺪ. ﻭﻣﺤﻞ ﺍﻟﺤﻮﺽ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺴﻴﻞ ﻭﺗﺠﻤﻌﻪ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺧﺒﺜَﻪ ﻭﻗﺬﺍﺭﺗﻪ ﻓﻲ ﺍلأﺳﻔﻞ، ﻃﻴﺒﺎﺗِﻪ ﻭﻧﻘﻴّﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﺍلأﻋﻠﻰ.

ﻭﺃﻧﻬﻤﺎ ﻣﻮﺿﻌﺎﻥ ﻟﺘﺠﻠﻲ ﺍﻟﻠﻄﻒ ﻭﺍﻟﻘﻬﺮ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﻟﻌﻈﻤﺔ، ﻭﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﻮﺿﻊ ﻛﺎﻥ. ﻭﻳﻔﺘﺢ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦُ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﻭﺍﻟﻘﻬﺎﺭ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻣﻮﺿﻊَ ﺗﺠﻠﻴﻪ ﺃﻳﻨﻤﺎ ﺷﺎﺀ.

ﺃﻣﺎ ﻭﺟﻮﺩُ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﺟﻬﻨﻢ، ﻓﻘﺪ ﺃُﺛﺒﺖ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎً ﻗﺎﻃﻌﺎً ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﻭ«ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﻭ«ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﺎ ﻧﻘﻮﻝ ﻫﻨﺎ:

ﺇﻥَّ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﻗﻄﻌﻲٌ ﻭﻳﻘﻴﻦ ﻛﻘﻄﻌﻴﺔ ﻭﻳﻘﻴﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻐﺼﻦ.. ﻭﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻳﻘﻴﻦ ﻛﻴﻘﻴﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺴﻠﺴﻠﺔ.. ﻭﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺨﺰﻥ ﻳﻘﻴﻦ ﻛﻴﻘﻴﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ.. ﻭﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺤﻮﺽ ﻳﻘﻴﻦ ﻛﻴﻘﻴﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻨﻬﺮ.. ﻭﻭﺟﻮﺩ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﻳﻘﻴﻦ ﻛﻴﻘﻴﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﻟﻘﻬﺮ.

    اﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ:

ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻱ ﻟﻠﻤﺤﺒﻮﺑﺎﺕ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﻘﻠﺐَ ﺇﻟﻰ ﻋﺸﻖ ﺣﻘﻴﻘﻲ، ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﻘﻠﺐ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻱ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﺃﻛﺜﺮُ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻧﻌﻢ، ﺇﺫﺍ ﺷﺎﻫﺪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﺷﻖ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻱ ﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻔﺎﻧﻲ، ﻗﺒﺢَ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﺩﻣﺎﻣﺔَ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﺟﻪ. ﻓﺄَﻋْﺮَﺽَ ﻋﻨﻪ، ﻭﺑَﺤَﺚَ ﻭﺗَﺤﺮَّﻯ ﻋﻦ ﻣﺤﺒﻮﺏ ﺑﺎﻕ لا ﻳﺰﻭﻝ. ﻭﻭﻓَّﻘﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻠﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻬَﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﻴﻦ، ﻭﻫﻤﺎ ﻣﺮﺁﺓ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻭﻣﺰﺭﻋﺔ ﺍلآﺧﺮﺓ، ﺍﻧﻘﻠﺐ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ ﺍﻟﻌﺸﻖُ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻱ ﻏﻴﺮُ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ﺇﻟﻰ ﻋﺸﻖ ﺣﻘﻴﻘﻲ. ﻭﻟﻜﻦ ﺑﺸﺮﻁ ﺃَﻟَّﺎ ﻳﻠﺘﺒﺲ ﻋﻠﻴﻪ، ﺩﻧﻴﺎﻩُ ﺍﻟﺰﺍﺋﻠﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺮﺓ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺤﻴﺎﺗﻪ، ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ؛ ﺇﺫ ﻟﻮ ﻧﺴﻲَ ﻧﻔﺴَﻪ ﻧﺴﻴﺎﻥَ ﺃَﻫﻞِ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﻭﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻭﺧﺎﺽَ ﻓﻲ ﻏِﻤﺎﺭ ﺁﻓﺎﻕ ﺍﻟﺪُّﻧﻴﺎ ﻭﻇَﻦَّ ﺩﻧﻴﺎﻩُ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻛﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ، ﻓﻌﺸِﻘَﻬﺎ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻨﻘﻊ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﻳﻐﺮﻕ. ﺇﻟّﺎ ﻣَﻦ ﺃَﻧﺠَﺘْﻪُ ﻳﺪُ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﻧﺠﺎﺓً ﺧﺎﺭﻗﺔً ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ.

ﻓﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﺍلآﺗﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻮّﺭ ﻟﻚ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ:

ﻫَﺐْ ﺃَﻧﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ ﺩﺧﻠﻨﺎ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ، ﻋﻠﻰ ﺟﺪﺭﺍﻧﻬﺎ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻛﺒﺮَ ﺍﻟﺤﺎﺋﻂ. ﻓﻌﻨﺪﺋﺬٍ ﺗﺼﺒﺢ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺧﻤﺲَ ﻏﺮﻑٍ. ﺇﺣﺪﺍﻫﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﻋﻤﻮﻣﻴﺔ، ﻭﺍلأﺭﺑﻌﺔ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻣﺜﺎﻟﻴﺔ ﻭﺧﺼﻮﺻﻴﺔ. ﻭﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺒﺪّﻝ ﺷﻜﻞَ ﻏﺮﻓﺘﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﻫﻴﺌﺘَﻬﺎ ﻭﻟﻮﻧﻬﺎ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﻣﺮﺁﺗﻪ. ﻓﻠﻮ ﺻﺒﻐﻨﺎﻫﺎ ﺑﺎﻟﻠﻮﻥ ﺍلأﺣﻤﺮ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗُﺮﻱ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔَ ﺣﻤﺮﺍﺀ ﻭﻟﻮ ﺻﺒﻐﻨﺎﻫﺎ ﺑﺎﻟﻠﻮﻥ ﺍلأﺧﻀﺮ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺮﻳﻬﺎ ﺧﻀﺮﺍﺀ.. ﻫﻜﺬﺍ، ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻌﻄﻲ ﻟﻠﻐﺮﻓﺔ ﺃﻭﺿﺎﻋﺎً ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﺑﺎﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻭﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻓﻴﻬﺎ، ﺑﻞ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﻭﺿﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺃﻭ ﻗﺒﻴﺤﺔ، ﺃﻭ ﺃﻱ ﺷﻜﻞ ﻧﺮﻏﺐ ﻓﻴﻪ، ﻭﻟﻜﻨﻨﺎ لا ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﻐﻴّﺮ ﻭﻧﺒﺪﻝ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻭﻳﺴﺮ. ﻓﺄﺣﻜﺎﻡُ ﺍﻟﻐﺮﻓﺘﻴﻦ ﺍﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺘﺎﻥ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﺘﺤﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ. ﻓﺄﻧﺖ ﺑﺘﺤﺮﻳﻚ ﺇﺻﺒﻊ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺨﺮﻳﺐ ﻏﺮﻓﺘﻚ، ﺑﻴﻨﻤﺎ لا ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﺮﻳﻚ ﺣﺠﺮ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ﻭﻟﻮ ﻗﻴﺪَ ﺃﻧﻤﻠﺔ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻬﻲ ﻣﻨـﺰﻝٌ ﺟﻤﻴﻞ ﻣﺰﻳّﻦ، ﻭﺣﻴﺎﺓ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻣﺮﺁﺓ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻭﺍﺳﻌﺔ، ﻭﻟﻜﻞ ﻣﻨﺎ ﺩﻧﻴﺎﻩ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ. ﻭﻟﻜﻞ ﻣﻨﺎ ﻋﺎﻟﻤﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺑﻪ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﻋﻤﻮﺩ ﺩﻧﻴﺎﻧﺎ ﻭﻣﺮﻛﺰﻫﺎ ﻭﺑﺎﺑﻬﺎ، ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ، ﺑﻞ ﺇﻥ ﺩﻧﻴﺎﻧﺎ ﻭﻋﺎﻟﻤﻨﺎ ﺍﻟﺨﺎﺹ، ﺻﺤﻴﻔﺔٌ، ﻭﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻗﻠﻢٌ، ﺗُﻜﺘَﺐ ﺑﻮﺳﺎﻃﺘﻪ ﻛﺜﻴﺮٌ ﻣﻦ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﻨﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺃﻋﻤﺎﻟﻨﺎ. ﻓﺈﻥ ﺃﺣﺒﺒﻨﺎ ﺩﻧﻴﺎﻧﺎ، ﺛﻢ ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺯﺍﺋﻠﺔً ﻓﺎﻧﻴﺔ لا ﻗﺮﺍﺭ ﻟﻬﺎ ﻛﺤﻴﺎﺗﻨﺎ -لأﻧﻬﺎ ﻣﺒﻨﻴﺔ ﻓﻮﻗﻬﺎ- ﻭﺷﻌﺮﻧﺎ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ، ﻭﺃﺩﺭﻛﻨﺎﻩ، ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﻣﺤﺒﺘُﻨﺎ ﻧﺤﻮﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﺒﺔ ﻧﻘﻮﺵ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻠﻬﺎ ﺩﻧﻴﺎﻧﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ، ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻟﻬﺎ. ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﺒﺔ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ.

ﺛﻢ ﺇﻧﻨﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﺩﺭﻛﻨﺎ ﺃﻥ ﺩﻧﻴﺎﻧﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﺰﺭﻋﺔٌ ﻣﺆﻗﺘﺔ ﻟـلآﺧﺮﺓ ﻭﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻭﺣﻮّﻟﻨﺎ ﺃﺣﺎﺳﻴﺴَﻨﺎ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪﺓ ﻭﻣﺸﺎﻋﺮﻧﺎ ﺍﻟﻘﻮﻳﺔ ﻧﺤﻮﻫﺎ ﻛﺎﻟﺤﺮﺹ ﻭﺍﻟﻄﻠﺐ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟِﻬﺎ، ﺇﻟﻰ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺰﺭﻋﺔ ﻭﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ ﻭﺳﻨﺎﺑﻠﻬﺎ، ﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﻓﻮﺍﺋﺪﻫﺎ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ. ﻳﻨﻘﻠﺐ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺸﻖُ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻱ ﺇﻟﻰ ﻋﺸﻖ ﺣﻘﻴﻘﻲ. ﻭﺑﺨـلاﻑ ﻫﺬﺍ ﻧﻜﻮﻥ ﻣﻤﻦ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺣﻘﻬﻢ ﴿ﻧَﺴﻮُﺍ ﺍﻟﻠﻪ ﻓَﺎَﻧْﺴﺎﻫﻢ ﺍَﻧْﻔُﺴَﻬُﻢْ ﺍُﻭﻟﺌِﻚَ ﻫُﻢُ ﺍﻟْﻔﺎﺳِﻘُﻮﻥَ﴾ (ﺍﻟﺤﺸﺮ:19). ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﻨﺴﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻳﻐﻔﻞ ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﻟﻢ ﻳﻔﻜﺮ ﺑﺰﻭﺍﻝ ﺣﻴﺎﺗﻪ، ﻭﺣﺴِﺐَ ﺩﻧﻴﺎﻩ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔً ﻛﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ، ﻧﺎﺳﻴﺎً ﺯﻭﺍﻝ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻋﺎﺩّﺍً ﻧﻔﺴﻪ ﺧﺎﻟﺪﺍً ﻓﻴﻬﺎ ﻓﺴﻜﻦ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﺗﻤﺴﻚ ﺑﻬﺎ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺣﻮﺍﺳﻪ ﻭﻣﺸﺎﻋﺮﻩ ﻳﻐﺮﻕ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻳﻨﺘﻬﻲ ﺃﻣﺮﻩ. ﻓﺘﻜﻮﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔُ ﻭﺑﺎلا ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻋﺬﺍﺑﺎً ﺃﻟﻴﻤﺎ، لأﻧﻬﺎ ﺗﻮﻟﺪ ﺷﻔﻘﺔً ﻭﺭﻗّﺔَ ﻗﻠﺐٍ ﻳﺎﺋﺲٍ ﻳﺄﺱَ ﺍﻟﻴﺘﻴﻢ، ﻓﻴﻘﺎﺳﻲ ﺍلأﻟﻢ ﻣﻦ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﺸﻌﺮ ﺃﻟﻢَ ﺍﻟﺮﻗﺔ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻣﻤﺎ ﻳﺼﻴﺐ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕِ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔَ ﺍﻟﻤﻌﺮَّﺿﺔَ ﻟﺼﻔﻌﺎﺕ ﺍﻟﺰَّﻭﺍﻝ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ، ﻭﻳﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻜﺘﻮﻑَ ﺍلأﻳﺪﻱ ﺇﺯﺍﺀﻫﺎ ﻓﻴﺘﺠﺮﻉُ ﺍلأﻟﻢ ﻓﻲ ﻳﺄﺱ ﻣﺮﻳﺮ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍلأﻭﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺠﻰ ﻣﻦ ﺷِﺒﺎﻙ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺠﺪ ﺑﻠﺴﻤﺎً ﺷﺎﻓﻴﺎً ﺇﺯﺍﺀ ﺷﺪﺓ ﺃﻟﻢ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﺗﻠﻚ، ﺇﺫ ﻳﺸﺎﻫﺪ ﻓﻲ ﻣﻮﺕ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻓﻲ ﺯﻭﺍﻝ ﻣَﻦ ﻳﺘﺄﻟﻢ لأﻭﺿﺎﻋﻬﻢ، ﺑﻘﺎﺀَ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺃﺭﻭﺍﺣِﻬﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕٍ ﺩﺍﺋﻤﺔ لأﺳﻤﺎﺀٍ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﻟﺬﺍﺕٍ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﺧﺎﻟﺪﺓ. ﻭﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﺗﻨﻘﻠﺐ ﺷﻔﻘﺘُﻪ ﺇﻟﻰ ﺳﺮﻭﺭ ﺩﺍﺋﻢ، ﻭﻳﺸﺎﻫﺪ ﻭﺭﺍﺀ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮّﺿﺔ ﻟﻠﻔﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ، ﻧﻘﺸﺎً ﻭﺇﺗﻘﺎﻧﺎً ﻭﺗﺠﻤﻴـلا ﻭﺗﺰﻳﻴﻨﺎً ﻭﺇﺣﺴﺎﻧﺎً ﻭﺗﻨﻮﻳﺮﺍً ﺩﺍﺋﻤﻴﺎً، ﻳُﺸﻌﺮﻩ ﺑﺠﻤﺎﻝ ﻣﻨـﺰّﻩ ﻭﺣُﺴﻦ ﻣﻘﺪﺱ، ﺣﺘﻰ ﻳﺮﻯ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝَ ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻧﻤﻄﺎً ﻟﺘﺰﻳﻴﺪ ﺍﻟﺤُﺴﻦ ﻭﺗﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﻭﺗﺸﻬﻴﺮ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ، ﻣﻤﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻟﺬﺗﻪ ﻭﺷﻮﻗَﻪ ﻭﺇﻋﺠﺎﺑﻪ.

 ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ