(ﻣﺮﻗﺎﺓ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺗﺮﻳﺎﻕ ﻣﺮﺽ ﺍﻟﺒﺪﻋﺔ)

ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻷﻭﻝ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ «ﻣﻨﻬﺎﺝ ﺍﻟﺴﻨﺔ» ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻫﻮ «ﻣﺮﻗﺎﺓ ﺍﻟﺴﻨﺔ».

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ (ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ:128-129)

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:31).

ﺳﻨﺒﻴﻦ «ﺇﺣﺪﻯ ﻋﺸﺮﺓ» ﻧﻜﺘﺔ ﺩﻗﻴﻘﺔ، ﺑﻴﺎﻧﺎً ﻣﺠﻤﻼ، ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻣﺌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻀﻤﻨﻬﺎ ﻫﺎﺗﺎﻥ ﺍﻵﻳﺘﺎﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺘﺎﻥ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ

ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم: (ﻣﻦ ﺗﻤﺴﻚ ﺑﺴﻨﺘﻲ ﻋﻨﺪ ﻓﺴﺎﺩ ﺃﻣﺘﻲ ﻓﻠﻪ ﺃﺟﺮ ﻣﺎﺋﺔ ﺷﻬﻴﺪ). ﺃﺟﻞ، ﺇﻥَّ ﺍﺗﺒﺎﻉَ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ ﻟﻬﻮ ﺣﺘﻤﺎً ﺫﻭ ﻗﻴﻤﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ، ﻭﻻﺳﻴﻤﺎ ﺇﺗﺒﺎﻋﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﺳﺘﻴﻼﺀ ﺍﻟﺒﺪﻉ ﻭﻏﻠﺒﺘﻬﺎ، ﻓﺈﻥ ﻟﻪ ﻗﻴﻤﺔً ﺃﻋﻠﻰ ﻭﺃﺳﻤﻰ، ﻭﺑﺎﻷﺧﺺ ﻋﻨﺪ ﻓﺴﺎﺩ ﺍﻷﻣﺔ، ﺇﺫ ﺗُﺸﻌﺮ ﻣﺮﺍﻋﺎﺓ ﺃﺑﺴﻂ ﺍﻵﺩﺍﺏ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺑﺘﻘﻮﻯ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻭﺇﻳﻤﺎﻥ ﻗﻮﻱ ﺭﺍﺳﺦ؛ ﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﺍﻻﺗّﺒﺎﻉَ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ﻟﻠﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ ﻳﺬﻛّﺮ ﺑﺎﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻷﻋﻈﻢ صلى الله عليه وسلم، ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﺬﻛﺮ ﺍﻟﻨﺎﺷﺊ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻹﺗﺒﺎﻉ ﻳﻨﻘﻠﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﺤﻀﺎﺭ ﺍﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ، ﺑﻞ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻗﺎﺋﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺮﺍﻋﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺴﻨﺔُ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺃﺑﺴﻂُ ﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻼﺕ ﺍﻟﻌﺮﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺼﺮﻓﺎﺕ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ -ﻛﺂﺩﺍﺏ ﺍﻷﻛﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ ﻭﺍﻟﻨﻮﻡ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ- ﺇﻟﻰ ﻋﻤﻞ ﺷﺮﻋﻲ ﻭﻋﺒﺎﺩﺓ ﻣُﺜﺎﺏٌ ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﻷﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﻼﺣﻆ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩ ﺍﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم، ﻓﻴﺘﺼﻮﺭ ﺃﻧﻪ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺄﺩﺏ ﻣﻦ ﺁﺩﺍﺏ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ، ﻭﻳﺘﺬﻛﺮ ﺃﻧﻪ صلى الله عليه وسلم ﺻﺎﺣﺐُ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ، ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﻗﻠﺒُﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻓﻴﻐﻨﻢ ﺳﻜﻴﻨﺔً ﻭﺍﻃﻤﺌﻨﺎﻧﺎً ﻭﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﻣﺎ ﺗﻘﺪﻡ ﻓﺈﻥ ﻣﻦ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺴﻨﺔِ ﺍﻟﺴَّﻨﻴﺔ ﻋﺎﺩﺗَﻪ، ﻓﻘﺪ ﺣﻮّﻝ ﻋﺎﺩﺍﺗِﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﺒﺎﺩﺍﺕ، ﻭﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﻋﻤﺮَﻩ ﻛﻠَّﻪ ﻣﺜﻤﺮﺍً، ﻭﻣُﺜﺎﺑﺎً ﻋﻠﻴﻪ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﻟﻘﺪ ﻗﺎﻝ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻟﻔﺎﺭﻭﻗﻲ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ: «ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﻗﻄﻊ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ، ﺭﺃﻳﺖ ﺃﻥ ﺃﺳﻄﻊ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ، ﻭﺃﺭﻗﺎﻫﻢ ﻭﺃﻟﻄﻔَﻬﻢ ﻭﺁﻣﻨَﻬﻢ ﻭﺃﺳﻠﻤَﻬﻢ ﻫﻢ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﺗﺨﺬﻭﺍ ﺍﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺃﺳﺎﺳﺎ ﻟﻠﻄﺮﻳﻘﺔ، ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻥ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀُ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﻳﻈﻬﺮﻭﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﺑﻬﺎﺀﺍً ﻭﺍﺣﺘﺸﺎﻣﺎً ﻣﻦ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﺨﻮﺍﺹ ﻟﺴﺎﺋﺮ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ».

ﻧﻌﻢ ﺇﻥَّ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﻣﺠﺪﺩَ ﺍﻷﻟﻒ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻳﻨﻄﻖ ﺑﺎﻟﺤﻖ، ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﺘﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻭﻳﺘﺨﺬﻫﺎ ﺃﺳﺎﺳﺎً ﻟﻪ، ﻟﻬﻮ ﺃﻫﻞٌ ﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺣﺒﻴﺐ ﺍﻟﻠﻪ صلى الله عليه وسلم.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﻌﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻌﻴﺪُ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ، ﻟﻠﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ» ﺍﺭﺗﺞَّ ﻋﻘﻠﻲ ﻭﻗﻠﺒﻲ ﻭﺗﺪﺣﺮﺟﺎ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺇﺯﺍﺀ ﺇﻋﺼﺎﺭ ﻣﻌﻨﻮﻱ ﺭﻫﻴﺐ، ﻓﻘﺪ ﺷﻌﺮﺕُ ﻛﺄﻧﻬﻤﺎ ﻳﺘﺪﺣﺮﺟﺎﻥ ﻫﺒﻮﻃﺎً ﺗﺎﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﺮﻳﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺜﺮﻯ ﻭﺗﺎﺭﺓ ﺻﻌﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺜﺮﻯ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺜﺮﻳﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﻻﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍﻟﻤﺮﺷﺪ، ﻭﻟﻐﺮﻭﺭ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻷﻣﺎﺭﺓ.

ﻓﺸﺎﻫﺪﺕُ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﺃﻥ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺃﺑﺴﻂَ ﺁﺩﺍﺑﻬﺎ، ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻣﺆﺷﺮ ﺍﻟﺒﻮﺻﻠﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﻴﻦ ﺍﺗﺠﺎﻩَ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻔﻦ. ﻭﻛﻞٌّ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻣﻔﺘﺎﺡ ﻣﺼﺒﺎﺡ ﻳﻀﻲﺀ ﻣﺎ ﻻ ﻳُﺤﺼﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﻤﻈﻠﻤﺔ ﺍﻟﻤﻀﺮﺓ.

ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺭﻯ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ ﺃﺭﺯﺡُ ﺗﺤﺖ ﺿﻐﻂ ﻣﻀﺎﻳﻘﺎﺕٍ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻭﺗﺤﺖ ﺃﻋﺒﺎﺀِ ﺃﺛﻘﺎﻝٍ ﻫﺎﺋﻠﺔ، ﺇﺫﺍ ﺑﻲ ﺃﺷﻌﺮ ﺑﺨﻔﺔ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﺘﺒﻌﺖُ ﻣﺴﺎﺋﻞَ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ، ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻤﻞ ﻋﻨﻲ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻷﺛﻘﺎﻝ ﻭﺗﺮﻓﻊ ﻋﻦ ﻛﺎﻫﻠﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻋﺒﺎﺀ. ﻓﻜﻨﺖ ﺃﻧﺠﻮ ﺑﺎﺳﺘﺴﻼﻡ ﺗﺎﻡ ﻟﻠﺴﻨﺔ ﻣﻦ ﻫﻤﻮﻡ ﺍﻟﺘﺮﺩﺩ ﻭﺍﻟﻮﺳﺎﻭﺱ ﻣﺜﻞ: «ﻫﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻣﺼﻠﺤﺔ؟ ﺗُﺮﻯ ﻫﻞ ﻫﻮ ﺣﻖ؟». ﻭﻛﻨﺖ ﺃﺭﻯ ﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﻛﻔﻔﺖُ ﻳﺪﻱ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺗﺸﺘﺪ ﻣﻮﺟﺎﺕُ ﺍﻟﻤﻀﺎﻳﻘﺎﺕ ﻭﺗﻜﺜﺮ، ﻭﺍﻟﻄﺮﻕُ ﺍﻟﻤﺠﻬﻮﻟﺔ ﺗﺘﻮﻋّﺮ ﻭﺗﻐﻤﺾ، ﻭﺍﻷﺣﻤﺎﻝُ ﺗﺜﻘﻞ.. ﻭﺃﻧﺎ ﻋﺎﺟﺰٌ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔِ ﺍﻟﻌﺠﺰ ﻭﻧﻈﺮﻱ ﻗﺼﻴﺮ، ﻭﺍﻟﻄﺮﻳﻖُ ﻣﻈﻠﻤﺔٌ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺷﻌﺮ ﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﺍﻋﺘﺼﻤﺖُ ﺑﺎﻟﺴﻨﺔ، ﻭﺗﻤﺴﻜﺖُ ﺑﻬﺎ، ﺗﺘﻨﻮﺭ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖُ ﻣﻦ ﺃﻣﺎﻣﻲ، ﻭﺗﻈﻬﺮ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻃﺮﻳﻖٌ ﺁﻣﻨﺔ ﺳﺎﻟﻤﺔ ﻭﺍﻷﺛﻘﺎﻝُ ﺗﺨﻒ ﻭﺍﻟﻌﻘﺒﺎﺕ ﺗﺰﻭﻝ.

ﻧﻌﻢ، ﻫﻜﺬﺍ ﺃﺣﺴﺴﺖ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﻓﺼﺪّﻗﺖُ ﺣُﻜﻢَ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ

ﻏﻤﺮﺗﻨﻲ -ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﻣﺎ- ﺣﺎﻟﺔٌ ﺭﻭﺣﻴﺔ ﻧﺒﻌﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ «ﺭﺍﺑﻄﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕ» ﻭﻣﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻘﻀﻴﺔ «ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺣﻖ»، ﻭﻣﻦ ﻃﻮﻝ ﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﺑﺰﻭﺍﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﻓﻨﺎﺋﻪ. ﻓﺮﺃﻳﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﻋﺎﻟَﻢ ﻋﺠﻴﺐ، ﺇﺫ ﻧﻈﺮﺕُ ﻓﺈﺫﺍ ﺃﻧﺎ ﺟﻨﺎﺯﺓٌ ﻭﺍﻗﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺱ ﺛﻼﺙِ ﺟﻨﺎﺋﺰَ ﻣﻬﻤﺔ ﻭﻋﻈﻴﻤﺔ:

ﺍﻷﻭﻟﻰ: ﺍﻟﺠﻨﺎﺯﺓُ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻟﻤﺠﻤﻮﻉ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁٌ ﺑﺤﻴﺎﺗﻲ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻣﺎﺗﺖْ ﻭﻣﻀﺖ ﻭﺩﻓﻨﺖ ﻓﻲ ﻗﺒﺮ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ.. ﻭﻣﺎ ﺃﻧﺎ ﺇﻟّﺎ ﻛﺸﺎﻫﺪِ ﻗﺒﺮِﻫﺎ ﻣﻮﺿﻮﻉٌ ﻋﻠﻰ ﺟﺜﺘﻬﺎ.

ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﺟﻨﺎﺯﺓٌ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺗﻄﻮﻱ ﻣﺠﻤﻮﻉ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻗﺎﻃﺒﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻣﺎﺗﺖ ﻭﺩُﻓﻨﺖ ﻓﻲ ﻗﺒﺮ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﻊ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍﻷﺭﺿﻴﺔ.. ﻭﻣﺎ ﺃﻧﺎ ﺇﻟّﺎ ﻧﻘﻄﺔ ﺗﻤﺤﻰ ﻋﺎﺟﻼ ﻭﻧﻤﻠﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﺗﻤﻮﺕ ﺳﺮﻳﻌﺎً ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺷﺎﻫﺪ ﻗﺒﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻨﺎﺯﺓ.

ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ: ﺍﻟﺠﻨﺎﺯﺓُ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﻮﻱ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻋﻨﺪ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ، ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻣﻮﺗﻪ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﺃﻣﺮ ﻣﺤﻘَّﻖ ﻻ ﻣﻨﺎﺹ ﻣﻨﻪ، ﻓﻘﺪ ﺃﺻﺒﺢ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻱ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻵﻥ، ﻓﺄﺧﺬﺕ ﺍﻟﺤﻴﺮﺓُ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﻧﻔﺴﻲ، ﻭﺑُﻬﺖُّ ﻣﻦ ﻫﻮﻝ ﺳَﻜﺮﺍﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻨﺎﺯﺓ ﺍﻟﻤﻬﻮﻟﺔ، ﻭﺑﺪﺕ ﻭﻓﺎﺗﻲ  -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺁﺗﻴﺔٌ ﻻ ﻣﺤﺎﻝ- ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺤﺪﺙ ﺍﻵﻥ، ﻓﺄﺩﺍﺭﺕ ﺟﻤﻴﻊُ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﺟﻤﻴﻊُ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺎﺕ ﻇﻬﺮﻫﺎ ﻟﻲ ﻭﻣﻀﺖ، ﻭﺗﺮﻛﺘﻨﻲ ﻭﺣﻴﺪﺍً ﻓﺮﻳﺪﺍً، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺟﺎﺀﺕ ﻓﻲ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا… ﴾. ﻭﺃﺣﺴﺴﺖ ﻛﺄﻥ ﺭﻭﺣﻲ ﺗُﺴﺎﻕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﻤﻤﺘﺪ ﻧﺤﻮ ﺍﻷﺑﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺗﺨﺬ ﺻﻮﺭﺓَ ﺑﺤﺮ ﻋﻈﻴﻢ ﻻ ﺳﺎﺣﻞ ﻟﻪ.. ﻭﻛﺎﻥ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﺇﻟﻘﺎﺀ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ ﺧﻀﻢّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻃﻮﻋﺎً ﺃﻭ ﻛﺮﻫﺎً.

ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﻧﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺬﻫﻮﻝ ﺍﻟﺮﻭﺣﻲ، ﻭﺍﻟﺤﺰﻥ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﻳﻌﺼِﺮ ﻗﻠﺒﻲ، ﺇﺫﺍ ﺑﻤَﺪﺩ ﻳﺄﺗﻴﻨﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ. ﻓﻤﺪّﺗﻨﻲ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ ﺣﺘﻰ ﻏﺪﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔُ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺃﻣﺎﻥ ﻓﻲ ﻣُﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻭﺍﻻﻃﻤﺌﻨﺎﻥ. ﻓﺪﺧﻠﺖ ﺍﻟﺮﻭﺡُ ﺁﻣﻨﺔً ﻣﻄﻤﺌﻨﺔ ﻓﻲ ﺣﻤﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ.. ﻭﻓﻬﻤﺖُ ﻓﻲ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻌﻨﻰً ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺼﺮﻳﺢ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻹﺷﺎﺭﻱ. ﻓﻠﻘﺪ ﻭﺟﺪﺕُ ﻓﻴﻪ ﺳﻠﻮﺍﻧﺎً ﻟﺮﻭﺣﻲ، ﺣﻴﺚ ﻭﻫﺐ ﻟﻲ ﺍﻻﻃﻤﺌﻨﺎﻥ ﻭﺍﻟﺴﻜﻴﻨﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺼﺮﻳﺢ ﻟﻶﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻠﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم: «ﺇﺫﺍ ﺗﻮﻟﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﻋﻦ ﺳﻤﺎﻉ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﺃﻋﺮﺿﻮﺍ ﻋﻦ ﺷﺮﻳﻌﺘﻚ ﻭﺳﻨﺘﻚ، ﻓﻼ ﺗﺤﺰﻥ ﻭﻻ ﺗﻐﺘﻢ، ﻭﻗﻞ ﺣﺴﺒﻲ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻬﻮ ﻭﺣﺪَﻩ ﻛﺎﻑٍ ﻟﻲ، ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺗﻮﻛﻞ ﻋﻠﻴﻪ؛ ﺇﺫ ﻫﻮ ﺍﻟﻜﻔﻴﻞ ﺑﺄﻥ ﻳﻘﻴّﺾَ ﻣَﻦ ﻳﺘﺒﻌﻨﻲ ﺑﺪﻻ ﻣﻨﻜﻢ، ﻓﻌﺮﺷُﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ، ﻓﻼ ﺍﻟﻌﺎﺻﻮﻥ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻬﺮﺑﻮﺍ ﻣﻨﻪ، ﻭﻻ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﻴﻨﻮﻥ ﺑﻪ ﻳﻈﻠﻮﻥ ﺑﻐﻴﺮ ﻣَﺪﺩٍ ﻭﻋﻮﻥٍ ﻣﻨﻪ».

ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺼﺮﻳﺢ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻬﺬﺍ، ﻓﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻹﺷﺎﺭﻱ ﻟﻶﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻳﻘﻮﻝ: «ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻳﺎ ﻣﻦ ﻳﺘﻮﻟﻰ ﻗﻴﺎﺩﺓَ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺇﺭﺷﺎﺩَﻩ؛ ﻟﺌﻦ ﻭﺩّﻋﺘﻚ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕُ ﻛﻠُّﻬﺎ ﻭﺍﻧﻌﺪﻣﺖ ﻭﻣﻀﺖْ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ.. ﻭﺇﻥ ﻓﺎﺭﻗَﺘﻚ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀُ ﻭﺟﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﻮﺕ.. ﻭﺇﻥ ﺗﺮﻛﻚ ﺍﻟﻨﺎﺱُ ﻭﺳﻜﻨﻮﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﺮ.. ﻭﺇﻥ ﺃﻋﺮﺽ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻭﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﻭﻟﻢ ﻳﺼﻐﻮﺍ ﺇﻟﻴﻚ ﻭﺗﺮﺩَّﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ.. ﻓﻼ ﺗُﺒﺎﻝ ﺑﻬﻢ، ﻭﻻ ﺗَﻐﺘﻢ، ﻭﻗﻞ: ﺣﺴﺒﻲ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻜﺎﻓﻲ، ﻓﺈﺫ ﻫﻮ ﻣﻮﺟﻮﺩٌ ﻓﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻮﺟﻮﺩ.. ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ، ﻓﺈﻥ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺮﺍﺣﻠﻴﻦ ﻟﻢ ﻳﺬﻫﺒﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻡ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻨﻄﻠﻘﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻟﺮﺏ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻭﺳﻴﺮﺳﻞ ﺑﺪﻻ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﺪ ﻭﻻ ﻳﺤﺼﻰ ﻣﻦ ﺟﻨﻮﺩﻩ ﺍﻟﻤﺠﻨﺪﻳﻦ.. ﻭﺇﻥ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺳﻜﻨﻮﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﺮ ﻟﻢ ﻳﻔﻨَﻮﺍ ﺃﺑﺪﺍً، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻨﺘﻘﻠﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺁﺧﺮ، ﻭﺳﻴﺒﻌﺚُ ﺑﺪﻻ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻮﻇﻔﻴﻦ ﺁﺧﺮﻳﻦ ﻳﻌﻤﺮﻭﻥ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻳﺸﻐﻠﻮﻥ ﻣﺎ ﺧﻼ ﻣﻦ ﻭﻇﺎﺋﻔﻬﺎ.. ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳُﺮﺳﻞ ﻣﻦ ﻳُﻄﻴﻌﻪ ﻭﻳﺴﻠﻚ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ ﺑﺪﻻ ﻣﻤﻦ ﻭﻗﻌﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺍﻫﺒﻴﻦ..»

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻷﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ، ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻜﻔﻴﻞُ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻮﻛﻴﻞ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺒﺪﻳﻞ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﻟﻦ ﺗﻌﻮّﺽ ﺟﻤﻴﻊُ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻋﻨﻪ، ﻭﻟﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﺑﺪﻳﻼ ﻋﻦ ﺗﻮﺟّﻪ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺗﻮﺟﻬﺎﺕ ﻟﻄﻔﻪ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ ﻟﻌﺒﺎﺩﻩ..

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺍﻧﻘﻠﺒﺖ ﺻﻮﺭُ ﺍﻟﺠﻨﺎﺯﺍﺕ ﺍﻟﺜﻼﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺍﻋﺘﻨﻲ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻹﺷﺎﺭﻱ ﺇﻟﻰ ﺷﻜﻞ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻷﻧﺲ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﻫﻮ: ﺃﻥَّ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺗﺘﻬﺎﺩﻯ ﺟﻴﺌﺔً ﻭﺫﻫﺎﺑﺎً ﻓﻲ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﻛﺒﺮﻯ، ﺇﻧﻬﺎﺀً ﻟﺨﺪﻣﺎﺕ ﻣﺴﺘﻤﺮﺓ، ﻭﺇﺷﻐﺎﻻ ﻟﻮﺍﺟﺒﺎﺕ ﻣﺠﺪَّﺩﺓ ﺩﺍﺋﻤﺔ، ﻋﺒﺮ ﺭﺣﻠﺔ ﺫﺍﺕ ﺣﻜﻤﺔ، ﻭﺟﻮﻟﺔ ﺫﺍﺕ ﻋﺒﺮﺓ، ﻭﺳﻴﺎﺣﺔ ﺫﺍﺕ ﻣﻬﺎﻡ، ﻓﻲ ﻇِﻞ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺫﻱ ﺍﻟﺠﻼﻝ، ﻭﺿﻤﻦ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻭﺣﻜﻤﺘﻪ ﺍﻟﺒﺎﻟﻐﺔ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ

ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:31) ﺗﻌﻠﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺇﻋﻼﻧﺎً ﻗﺎﻃﻌﺎً ﻋﻦ ﻣﺪﻯ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻭﻣﺪﻯ ﺿﺮﻭﺭﺗﻬﺎ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺃﻗﻮﻯ ﻗﻴﺎﺱٍ ﻭﺃﺛﺒﺘُﻪ ﻣﻦ ﻗﺴﻢ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﺍﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻲ، ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻤﻘﺎﻳﻴﺲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﻴﺔ، ﺇﺫ ﻳﺮﺩ ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ: «ﺇﺫﺍ ﻃﻠﻌﺖ ﺍﻟﺸﻤﺲُ ﻓﺴﻴﻜﻮﻥ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ». ﻭﻳﺮﺩ ﻣﺜﺎﻻ ﻟﻠﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ: «ﻃﻠﻌﺖ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻓﺎﻟﻨﻬﺎﺭ ﺇﺫﻥ ﻣﻮﺟﻮﺩ». ﻭﻳﺮﺩ ﻣﺜﺎﻻ ﻟﻠﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ: «ﻻ ﻧﻬﺎﺭ ﻓﺎﻟﺸﻤﺲ ﺇﺫﻥ ﻟﻢ ﺗﻄﻠﻊ». ﻓﻬﺎﺗﺎﻥ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺘﺎﻥ -ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ- ﺛﺎﺑﺘﺘﺎﻥ ﻭﻗﺎﻃﻌﺘﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ.

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﻲ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ، ﻓﺘﻘﻮﻝ: ﺇﻥْ ﻛﺎﻥ ﻟﺪﻳﻜﻢ ﻣﺤﺒﺔُ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻼﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻻﺗﺒﺎﻉ ﻟ«ﺣﺒﻴﺐ ﺍﻟﻠﻪ». ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﺗﺒﺎﻉ، ﻓﻠﻴﺲ ﻟﺪﻳﻜﻢ ﺇﺫﻥ ﻣﺤﺒﺔُ ﺍﻟﻠﻪ. ﺇﺫ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺤﺒﺔٌ ﺣﻘﺎً ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻮﻟﺪ ﺣﺘﻤﺎً ﺍﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻟ«ﺣﺒﻴﺐ ﺍﻟﻠﻪ».

ﺃﺟﻞ، ﺇﻥ ﻣﻦ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻳُﻄﻌﻪ. ﻭﻻ ﺭﻳﺐ ﺃﻥ ﺃﻗﺼﺮَ ﻃﺮﻳﻖ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺃﻛﺜﺮَﻫﺎ ﻗﺒﻮﻻ ﻟﺪﻳﻪ، ﻭﺃﻗﻮﻣﻬﺎ ﺍﺳﺘﻘﺎﻣﺔً -ﺿﻤﻦ ﻃﺮﻕ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺆﺩﻳﺔ ﺇﻟﻴﻪ- ﻟﻬﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻠﻜﻬﺎ ﻭﺑﻴﻨﻬﺎ ﺣﺒﻴﺐُ ﺍﻟﻠﻪ صلى الله عليه وسلم.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺫﺍ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻸ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺑﻨﻌَﻤﻪ ﻭﺁﻻﺋﻪ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺪﻯ، ﺑﺪﻳﻬﻲ -ﺑﻞ ﺿﺮﻭﺭﻱ- ﺃﻥ ﻳﻄﻠﺐ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﺗﺠﺎﻩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨِﻌﻢ.

ﻭﺇﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺫﺍ ﺍﻟﺠﻼﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺯﻳّﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥَ ﺑﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ، ﺳﻴﺠﻌﻞ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﻣﻦ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺨﺘﺎﺭُ ﺍﻟﻤﻤﺘﺎﺯ ﻣﻦ ﺃﺭﺑﺎﺏ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻣﺨﺎﻃَﺒﺎ ﻟﻪ، ﻭﺗﺮﺟﻤﺎﻧﺎ ﻷﻭﺍﻣﺮﻩ، ﻭﻣﺒﻠّﻐﺎً ﻟﻌﺒﺎﺩﻩ، ﻭﺇﻣﺎﻣﺎً ﻟﻬﻢ.

ﻭﺇﻥ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺫﺍ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻌﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻣُﻈﻬﺮﺍً ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﻌﺪ ﻭﻻ ﻳﺤﺼﻰ ﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺟﻤﺎﻟﻪ ﻭﻛﻤﺎﻟﻪ ﺳَﻴﻬﺐُ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﻟﻤﻦ ﻫﻮ ﺃﺟﻤﻊُ ﻧﻤﻮﺫﺝ ﻟﺒﺪﺍﺋﻊ ﺻﻨﻌﺘﻪ، ﻭﺃﻛﻤﻞُ ﻣَﻦ ﻳُﻈﻬﺮ ﻣﺎ ﻳﺤﺒُّﻪ ﻭﻳﺮﻳﺪ ﺇﻇﻬﺎﺭﻩ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻝٍ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﻭﺃﺳﻤﺎﺀ ﺣﺴﻨﻰ.. ﺳَﻴﻬﺐُ ﻟﻪ ﺃﻛﻤﻞَ ﺣﺎﻟﺔ ﻟﻠﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺟﺎﻋﻼ ﻣﻨﻪ ﺃﺳﻮﺓ ﺣﺴﻨﺔ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ ﻭﻳﺤﺜﻬﻢ ﻻﺗﺒﺎﻋﻪ، ﻟﻴُﻈﻬﺮَ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﺎ ﻳﻤﺎﺛﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ.

ﺍﻟﺨﻼﺻﺔ: ﺃﻥ ﻣﺤﺒﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﺴﺘﻠﺰﻡ ﺍﺗﺒﺎﻉَ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ ﻭﺗﻨﺘﺠُﻪ. ﻓﻄﻮﺑﻰ ﻟﻤﻦ ﻛﺎﻥ ﺣﻈُّﻪ ﻭﺍﻓﺮﺍً ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻹﺗﺒﺎﻉ. ﻭﻭﻳﻞ ﻟﻤﻦ ﻻ ﻳﻘﺪﺭ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺣﻖ ﻗﺪﺭﻫﺎ ﻓﻴﺨﻮﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﻉ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ

ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم: (ﻛُﻞ ﺑِﺪﻋﺔ ﺿﻼﻟﺔ ﻭﻛﻞ ﺿﻼﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺭ)، ﺃﻱ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻛﻤﻠﺖْ ﻗﻮﺍﻋﺪُ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻐﺮﺍﺀ ﻭﺩﺳﺎﺗﻴﺮُ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ، ﻭﺃﺧﺬﺕ ﺗﻤﺎﻡَ ﻛﻤﺎﻟﻬﺎ، ﺑﺪﻻﻟﺔ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﴿ﺍﻟﻴﻮﻡَ ﺃﻛﻤﻠﺖُ ﻟﻜُﻢ ﺩﻳﻨَﻜُﻢ﴾ (ﺍﻟﻤﺎﺋﺪﺓ:٣) ﻓﺈﻥ ﻋﺪﻡ ﺍﺳﺘﺤﺴﺎﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﺑِﻤُﺤﺪَﺛﺎﺕ ﺍﻷﻣﻮﺭ، ﺃﻭ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﺒﺪﻉ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻌﺮ ﻛﺄﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﻧﺎﻗﺼﺔ -ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ- ﺿﻼﻝٌ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻣﺴﺘﻘﺮ ﺇﻟّﺎ ﺍﻟﻨﺎﺭ.

ﺇﻥ ﻟﻠﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ ﻣﺮﺍﺗﺐ:

ﻗﺴﻢٌ ﻣﻨﻬﺎ «ﻭﺍﺟﺐ» ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺮﻛُﻪ، ﻭﻫﻮ ﻣﺒﻴﻦٌ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻐﺮﺍﺀ ﻣﻔﺼﻼ، ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤُﺤﻜﻤﺎﺕ ﺃﻱ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺑﺄﻳﺔ ﺟﻬﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻥ ﺗﺘﺒﺪﻝ.

ﻭﻗﺴﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ «ﺍﻟﻨﻮﺍﻓﻞ»، ﻭﻫﺬﺍ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻗﺴﻤﺎﻥ:

ﻗﺴﻢ ﻣﻨﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ، ﻭﻫﻲ ﻣﺒﻴّﻨﺔٌ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ. ﻭﺗﻐﻴﻴﺮُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﺑﺪﻋﺔٌ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻵﺧﺮ ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ «ﺍﻵﺩﺍﺏ» ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ، ﻭﻣﺨﺎﻟﻔﺘُﻬﺎ ﻻ ﺗﺴﻤﻰ ﺑﺪﻋﺔً، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﺍﻵﺩﺍﺏ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ، ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻻﺳﺘﻔﺎﺿﺔ ﻣﻦ ﻧﻮﺭﻫﺎ، ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﺄﺩﺏ ﺑﺎﻷﺩﺏ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﻫﻮ ﺍﺗﺒﺎﻉُ ﺃﻓﻌﺎﻝِ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺔ ﺑﺎﻟﺘﻮﺍﺗﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻌُﺮﻑ ﻭﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻼﺕ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ، ﻛﻜﺜﻴﺮٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻴﻦ ﻗﻮﺍﻋﺪَ ﺃﺩﺏ ﺍﻟﻤﺨﺎﻃﺒﺔ ﻭﺗﻈﻬﺮ ﺣﺎﻻﺕ ﺍﻷﻛﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ ﻭﺍﻟﻨﻮﻡ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻤﻌﺎﺷﺮﺓ. ﻓﻤَﻦْ ﻳﺘﺤﺮَّ ﺃﻣﺜﺎﻝَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ «ﺍﻵﺩﺍﺏ» ﻭﻳﺘﺒﻌﻬﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺤﻮﻝ ﻋﺎﺩﺍﺗﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﺒﺎﺩﺍﺕ، ﻭﻳﺴﺘﻔﻴﺾ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﺫﻟﻚ ﺍﻷﺩﺏ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ، ﻷﻥ ﻣﺮﺍﻋﺎﺓَ ﺃﺑﺴﻂِ ﺍﻵﺩﺍﺏ ﻭﺃﺻﻐﺮِﻫﺎ ﺗﺬﻛّﺮ ﺑﺎﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻷﻋﻈﻢ صلى الله عليه وسلم ﻣﻤﺎ ﻳﺴﻜﺐ ﺍﻟﻨﻮﺭَ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ.

ﺇﻥَّ ﺃﻫﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ ﻫﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﻋﻼﻣﺎﺕِ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺸﻌﺎﺋﺮ، ﺇﺫ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﻫﻲ ﻋﺒﺎﺩﺓٌ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺُّ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ؛ ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻗﻴﺎﻡ ﻓﺮﺩ ﺑﻬﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻛﻠﻪ، ﻓﺈﻥ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔَ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﺴﺆﻭﻟﺔ. ﻓﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﻳُﻌﻠﻦ ﻋﻨﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﺃﺭﻓﻊُ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻨﺎﻟﻬﺎ ﺃﻳﺪﻱ ﺍﻟﺮﻳﺎﺀ ﻭﺃﻫﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﺍﺋﺾِ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻨﻮﺍﻓﻞ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ

ﺇﻥَّ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺃﻣﺮﻫﺎ ﻟﻬﻲ ﺃﺩﺏٌ ﻋﻈﻴﻢ، ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺇﻟّﺎ ﻭﺗﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺃﺩﺏ ﻭﻧﻮﺭ ﻋﻈﻴﻢ. ﻭﺻﺪﻕ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ صلى الله عليه وسلم ﺣﻴﻦ ﻗﺎﻝ: (ﺃﺩّﺑﻨﻲ ﺭﺑﻲ ﻓﺄﺣﺴﻦ ﺗﺄﺩﻳﺒﻲ). ﻧﻌﻢ، ﻓﻤﻦ ﻳﻤﻌﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻭﻳﺤﻂ ﻋﻠﻤﺎً ﺑﺎﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ، ﻳﺪﺭﻙ ﻳﻘﻴﻨﺎً ﺃﻥَّ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺪ ﺟﻤﻊ ﺃﺻﻮﻝَ ﺍﻵﺩﺍﺏ ﻭﻗﻮﺍﻋﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﺣﺒﻴﺒﻪ صلى الله عليه وسلم. ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﻬﺠﺮ ﺳُﻨﺘﻪ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ ﻭﻳﺠﺎﻓﻴﻬﺎ ﻓﻘﺪ ﻫﺠﺮ ﻣﻨﺎﺑﻊَ ﺍﻷﺩﺏ ﻭﺃﺻﻮﻟﻪ، ﻓﻴﺤﺮﻡ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺧﻴﺮ ﻋﻈﻴﻢ، ﻭﻳﻈﻞ ﻣﺤﺮﻭﻣﺎً ﻣﻦ ﻟﻄﻒ ﺍﻟﺮﺏ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻭﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﺳﻮﺀ ﺃﺩﺏ ﻭﺑﻴﻞ. ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻣﺼﺪﺍﻕ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ:

  ﺑِﻰ ﺃَﺩَﺏْ ﻣَﺤْﺮُﻭﻡْ ﺑَﺎﺷَﺪْ ﺃَﺯْ ﻟُﻄْﻒِ ﺭَﺏْ.

ﺳﺆﺍﻝ: ﻛﻴﻒ ﻧﺘﺄﺩﺏ ﻣﻊ ﻋﻠّﺎﻡ ﺍﻟﻐﻴﻮﺏ، ﺍﻟﺒﺼﻴﺮ ﺍﻟﻌﻠﻴﻢ، ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻲﺀ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺎﻻﺕٍ ﺗﺪﻋﻮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﺠﻞ، ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﺧﻔﺎﺅﻫﺎ ﻋﻨﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﻻ ﺍﻟﺘﺴﺘﺮ ﻣﻨﻪ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺳﺘﺮُ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﺍﻟﻤﺴﺘﻜﺮﻫﺔ ﺃﺣﺪُ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻷﺩﺏ؟.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ:

 ﺃﻭﻻ: ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺫﺍ ﺍﻟﺠﻼﻝ ﻳﻈﻬﺮ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﺇﻇﻬﺎﺭﺍً ﺟﻤﻴﻼ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ، ﻭﻳﺄﺧﺬ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻜﺮَﻫﺔ ﺗﺤﺖ ﺃﺳﺘﺎﺭ ﻭﺣُﺠﺐ، ﻭﻳﺰﻳّﻦ ﻧِﻌَﻤﻪ ﻭﻳﺠﻤّﻠﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻟﺘﺸﺘﺎﻗﻬﺎ ﺍﻷﺑﺼﺎﺭ. ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻄﻠﺐ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ ﻭﻋﺒﺎﺩﻩ ﺃﻥ ﻳَﻈﻬﺮﻭﺍ ﺃﻣﺎﻡ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺄﺟﻤﻞ ﺻﻮﺭﻫﻢ ﻭﺃﻛﺜﺮﻫﺎ ﺣُﺴﻨﺎً؛ ﺇﺫ ﺇﻥ ﻇﻬﻮﺭَﻫﻢ ﻟﻠﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻓﻲ ﺣﺎﻻﺕ ﻣﺰﺭﻳﺔ ﻗﺒﻴﺤﺔ، ﻭﺃﻭﺿﺎﻉ ﻣﺴﺘﻬﺠﻨﺔ، ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻨﺎﻓﻴﺎً ﻟﻸﺩﺏ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ، ﻭﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺼﻴﺎﻥ ﺗﺠﺎﻩ ﻗﺪﺳﻴﺔ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺃﻣﺜﺎﻝ: «ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ، ﺍﻟﻤﺰﻳّﻦ، ﺍﻟﻠﻄﻴﻒ، ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ». ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻷﺩﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮﺓ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺗﺄﺩﺏ ﺑﺎﻷﺩﺏ ﺍﻟﻤﺤﺾ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺿﻤﻦ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻟﻠﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ.

ﺛﺎﻧﻴﺎً: ﺇﻥَّ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﺷﺪ ﺍﻷﻣﺎﻛﻦ ﺣُﺮﻣﺔً ﻟﻤﻦ ﻳُﺤﺮﻡ ﻋﻠﻴﻪ، ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻄﺐ ﻭﺍﻟﻌﻼﺝ. ﺑﻞ ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻪ ﻓﻲ -ﺣﺎﻻﺕ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ- ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻣﺎﻛﻦ ﻭﻻ ﻳُﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺧﻼﻓﺎً ﻟﻸﺩﺏ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻣُﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﻄﺐ. ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ ﻧﻔﺴﻪ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﻤﺤﺮﻣﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻛﻮﻧﻪ ﺭﺟﻼ ﺃﻭ ﻭﺍﻋﻈﺎً ﺃﻭ ﻋﺎﻟﻤﺎً، ﻓﻼ ﻳﺴﻤﺢ ﺍﻷﺩﺏُ ﻗﻄﻌﺎً ﺑﺈﻇﻬﺎﺭﻫﺎ ﻟﻪ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻌﻨﺎﻭﻳﻦ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ. ﺑﻞ ﻳُﻌﺪّ ﺫﻟﻚ ﺍﻧﻌﺪﺍﻣﺎً ﻟﻠﺤﻴﺎﺀ.

﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ ﻓﺈﻥ ﻟﻠﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺣﺴﻨﻰ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻭﻟﻜﻞ ﺍﺳﻢ ﺗﺠﻠﻴﻪ، ﻓﻤﺜﻼ: ﻛﻤﺎ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺍﺳﻢُ «ﺍﻟﻐﻔﺎﺭ» ﻭﺟﻮﺩَ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ، ﻭﺍﺳﻢُ «ﺍﻟﺴﺘﺎﺭ» ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺘﻘﺼﻴﺮﺍﺕ، ﻓﺈﻥ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ» ﻻ ﻳﺮﺿﻰ ﺑﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﻘﺒﺢ. ﻭﺃﻥ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻟﻴﺔ، ﺃﻣﺜﺎﻝ: «ﺍﻟﻠﻄﻴﻒ، ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ»، ﺗﻘﺘﻀﻰ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕُ ﻓﻲ ﺃﺣﺴﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭ، ﻭﻓﻲ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺔ. ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻟﻴﺔ ﺗﻘﺘﻀﻰ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ؛ ﺑﺎﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﺗﺄﺩّﺑﻬﺎ ﺑﺎﻵﺩﺍﺏ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ، ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍﻹﻧﺲ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻵﺩﺍﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻀﻤﻨﻬﺎ ﺍﻟﺴﻨﺔُ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ ﺇﺷﺎﺭﺓٌ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﺩﺍﺏ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ، ﻭﻟﻔﺘﺔٌ ﺇﻟﻰ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮﻫﺎ ﻭﻧﻤﺎﺫﺟﻬﺎ.