بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

هذا التحقيق ([1])

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه.

وبعد؛ ففي أيام قاحلة وشهور عجاف أكرمني الله العلي القدير بقراءة هذا التفسير الجليل قراءة لا أرجو من ورائها سوى شرح للصدر، وتغذية للروح وتنضير للذهن.

كررت قراءته مرات ومرات، فأطفأ -بإذن الله- ظمأ القلب بعذبٍ برود.. ولكن..

ولكن لمستُ أنه بحاجة إلى تنسيق جديد وتحقيق سديد ليسهُل تناوله ولا يتعذر فهمُه لكل من يريد أن يستفيد.

وشاء القدر الإلهي أن يأتيني أخ كريم بنسخة مخطوطة منه وآخر بطبعته الأولى، وقد كنت أحتفظ بترجمته التركية وبطبعته الثانية والأخيرة.. فاستجمعت العناصر الأولى للتحقيق. فإيفاءً لشكره تعالى على ما أنعم عليّ وإعداداً لنسخة جيدة من هذا التفسير الجليل هممتُ أن أقوم بتحقيقه، ولكن..

ولكن قصوري، وقلة خبرتي، وضخامة الموضوع، وجلال المقام، وخشية الزلل.. كانت تكفني عن القيام بالتحقيق.. بيد أن النظر إلى ما عند الله، وفضله العميم، والثقة به، وحسن القصد إليه في خدمة كتابه العزيز.. كانت تدفعني إلى العمل.. فتخليت عن الإحجام، ولازمت الإقدام، متوكلاً على العلي العلام، وسرت بخطوات متئدة، كالآتي:

أولاً: قابلت بين النسخ التي توفرت لديّ وهي:

أ- نسخة بخط «الملا عبد المجيد النورسي» مصححة من قبل المؤلف نفسه. فاعتبرتها الأساس في التحقيق.([2])

ب- الطبعة الأولى من الكتاب، المطبوع سنة 1334 في مطبعة «أوقاف إسلامية» بإسطنبول ومصححة من قبل المؤلف وعليها بعض الهوامش بخط يده. وقد رمزت
إليها بـ«ط1».

ج- مخطوط بخط السيد «طاهر بن محمد الشوشي» انتهى منه سنة 1373هـ، وضم فيه تعليقات واستدراكات جيدة على النسّاخ، مع وضع لعناوين صغيرة لأهم الموضوعات في الصفحة، وقد رمزت اليه بـ«ش». فكل إضافة أو تعليق مذيل بـ«ش» هو منه.

د- الترجمة التركية له، والتي قام بها «الملا عبد المجيد النورسي» ونَشرَتْها «دار سوزلر في إسطنبول» سنة 1976. وقد رمزت إليها بـ«ت».

هـ- تحقيق قام به الشيخ «صدر الدين البدليسي»، حيث وضع بعض الهوامش وصحح أخطاء مطبعية، فرمزت إليها بـ«ب».

و- الطبعة الأخيرة المطبوعة في مؤسسة الخدمات الاجتماعية في بيروت سنة 1394 (1974) وقد لاحظت فيها:

1) ترجمة السيد عاصم الحسيني لمقدمة الكتاب التي كتبها الأستاذ النورسي بالتركية، اقتصرتُ على قسمٍ منها، فأجريتُ فيها تغييرات طفيفة لتفي بمراد المؤلف، ثم أتممت ترجمة بقية المقدمة.

2) كلمة ثناء أو «تقريظ» للشيخ صدر الدين البدليسي، أدرجها في آخر الكتاب، وهي كلمة قيمة لبيان ظروف تأليف التفسير، ومقارنته مع تفاسير أخرى مشهورة، فأبقيتها كما هي.

3) هناك في ختام الكتاب ثلاث عشرة شهادة من شهادات الفلاسفة وعلماء أوربا حول أحقية القرآن، أهملتُها لركاكة ترجمتها أولاً ولعدم عثوري على أصولها كي أُترجمها مجدداً، ووضعت بدلاً منها ما قدّمه الأستاذ الدكتور «عماد الدين خليل» مشكوراً فصلاً من كتابه القيم: «قالوا عن الإسلام» وهو الفصل الأول الخاص بالقرآن الكريم، فألحقناه كاملاً بالكتاب، فجزاه الله عنا خيراً على عمله الجليل.

ثانياً: وبعد المقابلة أو في أثنائها صححتُ الأخطاء المطبعية والإملائية، مع تشكيل وضبط الكثير من الكلمات، ثم عزوت الآيات الكريمة إلى سورها. وخرّجت الأحاديث الشريفة الواردة فيه من الكتب المعتمدة المتوفرة لديّ.

ثالثاً: راجعت أمهات القواميس كالمحيط والمصباح ومختار الصحاح وغيرها لتفسير بعض ما استغلق عليّ من كلمات..

رابعاً: استخرجت الأمثال الواردة فيه، وقابلتها مع أصولها في «مجمع الأمثال للميداني».

خامساً: وضحت بعض ما أُبهم عليّ من العبارات، استناداً إلى الترجمة التركية، حيث جاءت فيها تلك العبارات أكثر وضوحاً. وأدرجتُها في الهامش مع تذييلها بـ«ت» ورقم الصفحة.

سادساً: استشكلت عليّ أمورٌ نحوية ومسائل لغوية. اضطرتني إلى مراجعة أمهات الكتب اللغوية كالمغني والأشموني وغيرهما، حتى اطمأن القلب وحصلت القناعة التامة بأن ما أقره الأستاذ النورسي هو الصواب، أو فيه جواز، وأن ما ألِفتهُ وتَعلّمتهُ من قواعد النحو ما هو إلا النَّـزر اليسير من بحر محيط عظيم بل ما هو إلّا الوجه الشائع من بين وجوه كثيرة.

وبعد الفراغ من العمل بتوفيق الله سبحانه وتعالى، وضعت كل ما قمت به بين يدي أخي الأستاذ الدكتور «محسن عبد الحميد» ليدلّني على عثراتي ويبصرني على ثغرات العمل؛ إذ هو الذي صاحَبَ «الرازي» سنين، ولازم «الآلوسي» سنين أخرى، وخَبَر أصول التفسير وضوابطه درسا وتدريساً لسنين طويلة، ومازال، فكلل جهدي جزاه الله خيراً بمقدمة وافية شافية.

وبعد، فلقد بذلت ما بوسعي في تحقيق الكتاب، ولست زاعماً أني أوفيتُ حقه، ولكن حسبي أنني حاولت، وبذلتُ ما استطعتُ ابتغاء أن يكون من العمل الصالح عند الله، ورجاء أن تنالي دعوة خالصة ممن ينتفع به.

والله نسأل أن يوفقنا إلى حُسن القصد وصحة الفهم وصواب القول وسداد العمل.

وصلِّ اللّهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم.

إحسان قاسم الصالحي     

ليلة النصف من شعبان سنة 1407هـ


[1] أبقيت هذه المقدمة للتحقيق على ما هي عليه في الطبعة الأولى المطبوعة في العراق سنة 1409هـ – 1993م. إلّا ما استوجب من حذف وإضافة ليوافق هذه الطبعة. (المحقق).

[2] هذه النسخة مع مجموعتين كاملتين من كليات رسائل النور المستنسخة باليد والمصححة من قبل المؤلف قد بعثها المؤلف سنة 1951م إلى مدينة «أورفة» داخل صندوقين، وهي محفوظة الآن لدى الدكتور «عبد القادر بادللي».