[فصل في الكليّ والجزئي]([1])

[إذا علمت شيئا يحصل في ذهنك منه صورة،([2]) وهي من حيث قيامها بخصوصية ذهنك علمٌ. ومع قطع النظر عن هذه الحيثية معلوم ومفهوم.

فذلك المفهوم بمجرد النظر إلى ذاته – إن لم يجوّز العقلُ اتحادَه مع كثيرين([3]) في الخارج([4]) فهو جزئي حقيقي كـ«زيد المرئي».. وإلّا فكلي. سواء امتنع فرده في الخارج كشريك الباري تعالى واللاشيء، ويسمى كليًا فرضيًا، أو أمكن ولم يوجد كالعنقاء أو وجد الواحد فقط مع امتناع غيره كواجب الوجود، أو مع إمكانه كالشمس.. أو وجد متعدد محصور كالكواكب السيارة. أو غير محصور كالإنسان… وذلك الاتحاد هو معنَى حملِ الكليّ على جزئياته مواطأة وصدقه عليها. إما في الواقع، إن كانت الجزئيات موجودة فيه.. أو في الفرض؛ إن لم توجد إلّا في مجرد الفرض]


[1] المفرد والمركب قسمان. للفظ أولًا وبالذات، وللمعنى ثانيًا وبالعرض. والكلي الجزئي بالعكس. (تقرير)

[2] اعلم أن الصورة الحاصلة من الشيء عند العقل باعتبار تكيف الذهن واتصافه بها (أي بالصورة) علم. (يعني كما أن المرآة بَنْجَرَةُ (أي نافذته) عالمِ المثال بِمُلْكِهِ قطعة زجاج كالقرطاس؛ فيزين ويتكيف نفسه وصورته بأي لون من أي شيء قابلته. وبملكوته واسع وعميق ترتسم الأشياء الغير المتناهية فيه، فيكون ظرفًا لها.. كذلك الذهن بَنْجَرَةُ عالم الغيب بملكه موجود الخارج. لأنه قطعة لحم من البدن، إما في الرأس أو الصدر، يزين ويتصف ويتكيف بلونه المأخوذ من الأشياء.. وبملكوته واسع الخ). وباعتبار مظروفيته لها معلوم (أي بالصورة) ومفهوم ومدلول ومعنى ومسمى ومعقول ومقصود لترادفها. وهو (أي المعلوم) موضوع هذا العلم، فلزم البحث عنه، فهو قسمان: جزئي وكلي… وذكر الجزئي في المنطق استطرادي، لأنه يبحث عن المضبوطات. والجزئي لكونه غير متناهي ومتغيرًا أحوالُهُ، غيرُ ثابت. فلا يفيد الكمال (يعني النقطة والدرجة المقدرة للإنسان هو الكمال الحكمي، وهو التشبّه بالواجب. والحكماء يعبّرون عنه بالتّشبه بالمبادي العالي.. الخ. ونحن «باللوح المحفوظ» أي إن الإنسان ككاغد بيض قابل للارتسام). الحكمي، المعبر بالتشبه بالمبادي العالي والعقول العشرة (وهم الملئكة العظام) المائل إليه (أي الكمال) إليهم كل النفوس التي تكون خريطة للعالم. وإنما ذكر (أي الجزئي) لأن الأشياء إنما تعرف بأضدادها. لأن الأمور النسبية كالحسن والشجاعة مثلا لا توجد ولا تتصور بدون تصور القبح والجبانة.

[3] (قوله: اتحاده مع كثيرين.. الخ) أي اشتراكه – كما عبّر به كثيرون..

إن قيل: إن كان المراد بالاشتراك التجزّيّ يلزم أن لا يوجد الكليّ بكله في جزئياته. وإن كان الاشتراك بكله مع كل جزئيٍ، يلزم ثبوت الشيء الواحد في أمكنة متعددة في آن واحد. وإن كان الاتحاد مع كل جزئيٍ، يلزم اتحاد الجزئيين في الخارج بالواسطة..؟ (لأن متحد المتحد متحد)

    قلنا: المراد اشتراك الجزئيات فيه (أي في الكلي) تخييلا واتحاده معهن. وهما كمطابقة روابط المركز إلى نقطات الخطّ المحيط له (أي المركز). أو كتساوي نسب موزونات الحقّة. أي (تفصيل للاشتراك) كأن -فرضًا- أن تلبس نقطةُ المركز أو الحقةُ لبسَ نقطة من نقطات المحيط أو الموزونات، أو (تفصيل للاتحاد) انتقل المركز من موضعه وسار في رابطة نقطة يصير عند الوصول نفسه وعينه. وبقاعدةِ: الحقائقُ لا تتحد (ولا العبث في الأشياء) فإن الكليّات متقررة في أذهاننا، وكلاء فيها للجزئيات. كما أنهنّ نوّاب لها في الخارج، وهما متغايران ذاتًا، فلا تتحدان. فإذا قربّنا الجزئيات بالملاحظة منهنّ يفنين، فنظن أنهما اتحدا، وليس كذلك. فاشتراك الجزئيات فيه خيالي. واتحاد الكليّ معهنّ وهميّ، والتجزي مردود.

  والكليّ قسمان:

 ممتنع أفراده، كشريك الباري. بل كلّ المحالات ونقائض الأمور العامة لإجماع النقيضين (على فرض الأفراد) بوصول الشيئية للثاني (لا للأوّل وهو شريك الباري)

   وممكن أفراده، لا يقال: إن الواجب داخل فيه، فكيف يقابل الممتنع. مع أن سَلْبَ الضرورة من جانب فيهما. لأن (علة للنفي) للممكن بالإمكان العام ثلاث صور: سلبها من جانب الوجود، ومن جانب العدم، ومطلقًا. فالممتنع من الأوّل، والواجب من الثاني، والثالث غير معتبر، وهو (أي الممكن) قسمان أيضًا:

معدوم أفراده في الخارج كالعنقاء. بل كلّ شيء مخالف للعادة الجاري (بين الكائنات) ولقانون العالم. لأن (علة العدم) شرائط الحياة لا تساعده.

  وموجود. وهو قسمان:

   ما الموجود واحد مع امتناع الغير -كواجب الوجود-، أو إمكانهِ -كالشمس- لأن لكلّ ماهية في الذهن تعيّن وهويّة.. وفي الخارج تشخّص وهَذِيَّة. فإذا فرضنا الأفراد للأول في الخارج تعلّق بها تشخّصه، وهو لازم الماهية فيه، فتتعلق به أيضا، فيصير المفروض نفس الموجود. فلم يحصل المراد. وإذا فرضنا للثاني تعلق بها تشخصه، وهو كاللازم فيكون ممكنًا، ولكن بموافقة انتظام عادة الله وعدم العبث في خلق الأشياء لا توجد، لاستغناء نظيره عنه.

   أو متعدد محصور، كالكواكب السيّارة. وليس المثال للكليّ بل مِصداقه. والكليّ يونانيّ ليس في العربية مرادفه. وكل ما نسب للعالم العلويّ كذلك. بل بعض مصنوعات النفوس الناطقة لقلة الأسباب المشخصة لها.

    أو متعدد غير محصور عندنا، وغير متناهي عند الحكماء. وذلك لتعدد الأسباب المشخصة لها. (تقرير)

[4] (قوله: في الخارج…..) احتراز عن زيد إذا تصوّره جماعة. لأن المراد اشتراك الذهنيّ الظلّيّ في الخارجيّ الأصليّ، لا العكس، (وهو اشتراك الخارجي في الذهنيّ، أو الذهني في الذهنيّ، تأمّل)!…

   والفرق بين الجزئيّ الحقيقي والكلي الفرضي: أن الثاني فرض ممتنع بالإضافة، أي الفرض ممكن والمفروض ممتنع. كباب مفتوح في موضع غير ممكن الوصول إليه والأول بالتوصيف، أي الفرض ممتنع كالأفراد من حيث له. كباب مغلق في موضع ممكن الوصول إليه لا الدخول. وإنما ذلك، لأن على تقدير الإمكان يجتمع الضدّان لأن الفرض مستلزم وجود المفروض في الذهن. ويستلزم عدم التشخّص في الخارج للجزئيّ. وهو جزء الجزئي الموجود في الخارج. وعدم الجزء مستلزم لعدم الكلّ، فاستلزم الفرض وجود الشيء (وهو الجزئي في الذهن) وعدمه بالواسطة وهو محال. (تقرير)