ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ (ﺍﻟﺤﺠﺮ:21)

 ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ (ﻳﺲ:12)

     ﺍﻟﻘﺪَﺭُ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻭﺍﻟﺠﺰﺀُ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ ﻣﺴﺄﻟﺘﺎﻥ ﻣﻬﻤﺘﺎﻥ. ﻧﺤﺎﻭﻝ ﺣﻞّ ﺑﻌﺾ ﺃﺳﺮﺍﺭﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﻣﺒﺎﺣﺚَ ﺗﺨﺺ ﺍﻟﻘﺪﺭ.

   ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺍلأﻭﻝ

ﺇﻥّ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻭﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ ﺟﺰﺀﺍﻥ ﻣﻦ ﺇﻳﻤﺎﻥٍ ﺣﺎﻟﻲّ ﻭﻭﺟﺪﺍﻧﻲ، ﻳﺒﻴّﻦ ﻧﻬﺎﻳﺔَ ﺣﺪﻭﺩ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍلإﺳـلاﻡ، ﻭﻟﻴﺴﺎ ﻣﺒﺎﺣﺚَ ﻋﻠﻤﻴﺔً ﻭﻧﻈﺮﻳﺔً. ﺃﻱ ﺇﻥّ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻳُﻌﻄﻲ ﻟﻠﻪ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ، ﻭﻳﺤﻴﻞُ ﺇﻟﻴﻪ ﻛﻞَّ ﺃﻣﺮ، ﻭﻣﺎ ﻳﺰﺍﻝ ﻫﻜﺬﺍ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﻴﻞَ ﻓﻌﻠَﻪ ﻭﻧﻔﺴَﻪ ﺇﻟﻴﻪ. ﻭﻟﻜﻲ لا ﻳﻨﺠﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻭﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﻳﺒﺮﺯُ ﺃﻣﺎﻣَﻪ ﺍﻟﺠﺰﺀُ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ ﻗﺎﺋـلا ﻟﻪ: «ﺃﻧﺖ ﻣﺴﺆﻭﻝ، ﺃﻧﺖ ﻣﻜﻠّﻒ»! ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﻟﻜﻲ لا ﻳﻐﺘﺮّ ﺑﻤﺎ ﺻﺪﺭَ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ ﺣﺴﻨﺎﺕ ﻭﻓﻀﺎﺋﻞ، ﻳﻮﺍﺟﻬﻪ ﺍﻟﻘﺪﺭُ، ﻗﺎﺋـلا ﻟﻪ: «ﺍﻋﺮﻑ ﺣﺪّﻙ، ﻓﻠﺴﺖَ ﺃﻧﺖ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ».

ﺃﺟﻞ، ﺇﻥّ ﺍﻟﻘﺪﺭَ ﻭﺍﻟﺠﺰﺀَ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ ﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍلإﺳـلاﻡ، ﻗﺪ ﺩﺧـلا ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ، لأﻧﻬﻤﺎ ﻳﻨﻘﺬﺍﻥ ﺍﻟﻨﻔﺲَ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ.. ﻓﺎﻟﻘﺪﺭُ ﻳُﻨﻘﺬﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭ، ﻭﺍﻟﺠﺰﺀُ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ ﻳُﻨﺠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﻌﺪﻡ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ. ﻭﻟﻴﺴﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻨﺎﻗﺾ ﺳﺮَّ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻭﺣﻜﻤﺔَ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ ﻛﻠﻴﺎ؛ ﺑﺎﻟﺘﺸﺒﺚ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭ ﻟﻠﺘﺒﺮﺋﺔ ﻣﻦ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﺴﻴﺌﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻗﺘﺮﻓﺘﻬﺎ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱُ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ، ﻭﺍلاﻓﺘﺨﺎﺭِ ﺑﺎﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﻌﻤﺖْ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺍلاﻏﺘﺮﺍﺭِ ﺑﻬﺎ ﻭﺇﺳﻨﺎﺩِﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ.

ﺃﺟﻞ، ﺇﻥّ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻐﻮﺍ ﻣﺮﺗﺒﺔَ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺳﺮ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻟﻬﻢ ﻣﻮﺍﺿﻊُ لاﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ، ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺍﺿﻊ ﺗﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺎﺕ ﻣﻦ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻭﺑﺨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻭﺍﻟﺒـلاﻳﺎ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻋـلاﺝ ﺍﻟﻴﺄﺱ ﻭﺍﻟﺤﺰﻥ، ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤُﻘْﺒِـلاﺕ ﻣﻦ ﺍلأﻳﺎﻡ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺘﻔﻲ ﻛﻮﻧُﻪ ﻣﺴﺎﻋﺪﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻗﺘﺮﺍﻑ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﻭﺍﻟﺘﻬﺎﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻜﺎﻟﻴﻒ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥّ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﻠﻔﺮﺍﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻭﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ، ﺑﻞ ﻫﻮ لإﻧﻘﺎﺫ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺨﺮ ﻭﺍﻟﻐﺮﻭﺭ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺩﺧﻠﺖْ ﺿﻤﻦ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ. ﺃﻣَّﺎ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ، ﻓﻘﺪ ﺩﺧﻞ ﺿﻤﻦ ﻣﺒﺎﺣﺚ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻣﺮﺟِﻌﺎ ﻟﻠﺴﻴﺌﺎﺕ، لا ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻣﺼﺪﺭﺍ ﻟﻠﻤﺤﺎﺳﻦ ﻭﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻮﻕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻄﻐﻴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺘﻔﺮﻋﻦ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﺒﻴﻦ ﺃﻥّ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﺴﺆﻭﻝ ﻋﻦ ﺳﻴﺌﺎﺗﻪ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ. لأﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﺴﻴﺌﺎﺕ. ﻭﻟﻤّﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺴﻴﺌﺎﺕُ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﺘﺨﺮﻳﺒﺎﺕ، ﻟﺬﺍ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻮﻗِﻊ ﺩﻣﺎﺭﺍ ﻫﺎﺋـلا ﺑﺴﻴﺌﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻛﺈﺣﺮﺍﻕ ﺑﻴﺖ ﻛﺎﻣﻞ ﺑﻌﻮﺩ ﺛﻘﺎﺏ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺇﻧﺰﺍﻝ ﻋﻘﺎﺏ ﻋﻈﻴﻢ ﺑﻪ.

ﺃﻣَّﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺕ، ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻪ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺨﺮ ﻭﺍﻟﻤﺒﺎﻫﺎﺓ، لأﻥ ﺣﺼﺘَﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺿﺌﻴﻠﺔ ﺟﺪﺍ، لأﻥ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺭﺍﺩﺕ ﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺕ، ﻭﺍﻗﺘﻀﺘﻬﺎ. ﻭﺍﻟﻘﺪﺭﺓُ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻭﺟﺪَﺗْﻬﺎ، ﻓﺎﻟﺴﺆﺍﻝ ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻭﺍﻟﺴﺒﺐ ﻭﺍﻟﺪﺍﻋﻲ ﻛـلاﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ. ﻭلا ﻳﻜﻮﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥُ ﻣﺎﻟﻜﺎ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺕ ﻭﺻﺎﺣﺒﺎ ﻟﻬﺎ ﺇلا ﺑﺎﻟﺪﻋﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﻀﺮﻉ، ﻭﺑﺎلإﻳﻤﺎﻥ، ﻭﺑﺎﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺎﻟﺮﺿﻰ ﻋﻨﻬﺎ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﺴﻴﺌﺎﺕ ﻫﻮ ﺍﻟﻨﻔﺲُ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﺇﻣَّﺎ ﺑﺎلاﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺃﻭ ﺑﺎلاﺧﺘﻴﺎﺭ. ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﻜﺘﺴﺐ ﺑﻌﺾُ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩِ ﺍﻟﺘﻌﻔﻦَ ﻭﺍلاﺳﻮﺩﺍﺩ ﻣﻦ ﺿﻴﺎﺀ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺍﻟـلاﻣﻊ، ﻓﺬﻟﻚ ﺍلاﺳﻮﺩﺍﺩ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﺟِﺪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻴﺌﺎﺕ ﺑﻘﺎﻧﻮﻥ ﺇﻟﻬﻲ ﻣﺘﻀﻤﻦ ﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺃﻳﻀﺎ. ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﺘﺴﺒﺐ ﻭﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺘﺤﻤﻞ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﻋﻨﻬﺎ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻭﺍلإﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺑﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻬﻮ ﺟﻤﻴﻞ، لأﻥ ﻟﻪ ﺛﻤﺮﺍﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﺟﻤﻴﻠﺔ، ﻭﻧﺘﺎﺋﺞ ﺷﺘﻰ ﺟﻤﻴﻠﺔ، ﻓﻬﻮ ﺧﻴﺮ.

ﻭﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﻳﻜﻮﻥ ﺧﻠﻖُ ﺍﻟﺸﺮِّ ﻟﻴﺲ ﺷﺮﺍ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻛﺴﺐُ ﺍﻟﺸﺮ ﺷﺮ، ﺇﺫ لا ﻳﺤﻖ ﻟﻜﺴـلاﻥَ ﻗﺪ ﺗﺄﺫّﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻄﺮ -ﺍﻟﻤﺘﻀﻤﻦ ﻟﻤﺼﺎﻟﺢَ ﻏﺰﻳﺮﺓ- ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﺍﻟﻤﻄﺮُ ﻟﻴﺲ ﺭﺣﻤﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻭﺍلإﻳﺠﺎﺩ ﺧﻴﺮﺍ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻊ ﺗﻀﻤُّﻨﻪ ﻟﺸﺮٍ ﺟﺰﺋﻲ، ﻭﺇﻥّ ﺗﺮﻙَ ﺧﻴﺮٍ ﻛﺜﻴﺮ لأﺟﻞ ﺷﺮٍ ﺟﺰﺋﻲ ﻳُﺤﺪﺙ ﺷﺮﺍ ﻛﺜﻴﺮﺍ، ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺮَّ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ ﻳُﻌﺪّ ﺧﻴﺮﺍ ﻭﻓﻲ ﺣُﻜﻤﻪ. ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﺍلإﻟﻬﻲ ﺷﺮ ﻭلا ﻗﺒﺢ، ﺑﻞ ﻳﻌﻮﺩ ﺍﻟﺸﺮُّ ﺇﻟﻰ ﻛﺴﺐِ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ.

ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥّ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻣﻨﺰّﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﺒﺢ ﻭﺍﻟﻈﻠﻢ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻭﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ، ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﻣﻘﺪّﺱ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﺒﺢ ﻭﺍﻟﻈﻠﻢ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻌﻠﺔ ﻭﺍﻟﺴﺒﺐ؛ لأﻥ ﺍﻟﻘﺪﺭَ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻳﻨﻈﺮُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ، ﻓﻴَﻌﺪِﻝ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺒﻨﻮﻥ ﺃﺣﻜﺎﻣَﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺸﺎﻫﺪﻭﻧﻪ ﻣﻦ ﻋﻠﻞ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻓﻴﺮﺗﻜﺒﻮﻥ ﻇﻠﻤﺎ ﺿﻤﻦ ﻋﺪﺍﻟﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻧﻔﺴﻪ.

ﻓﻤﺜـلا: ﻫَﺐْ ﺃﻥّ ﺣﺎﻛﻤﺎ ﻗﺪ ﺣَﻜﻢ ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ ﺑﺘﻬﻤﺔ ﺍﻟﺴﺮﻗﺔ، ﻭﺃﻧﺖ ﺑﺮﻱﺀ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻚ ﻗﻀﻴﺔُ ﻗﺘﻞٍ ﻣﺴﺘﻮﺭﺓٌ لا ﻳﻌﺮﻓُﻬﺎ ﺇلا ﺍﻟﻠﻪ. ﻓﺎﻟﻘﺪﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻗﺪ ﺣﻜَﻢ ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﺴﺠﻦ، ﻭﻗﺪ ﻋَﺪَﻝ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺘﻞ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﺭِ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢُ ﻓﻘﺪ ﻇﻠﻤَﻚ، ﺣﻴﺚ ﺣﻜﻢَ ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ ﺑﺘُﻬﻤﺔ ﺍﻟﺴﺮﻗﺔ ﻭﺃﻧﺖ ﺑﺮﻱﺀ ﻣﻨﻬﺎ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻔﻲ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺗَﻈﻬﺮ ﺟﻬﺘﺎﻥ، ﺟﻬﺔُ ﻋﺪﺍﻟﺔِ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻭﺍلإﻳﺠﺎﺩ ﺍلإﻟﻬﻲ، ﻭﺟﻬﺔُ ﻇُﻠﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﻛَﺴﺒﻪ. ﻗﺲ ﺑﻘﻴﺔ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ. ﺃﻱ ﺇﻥّ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻭﺍلإﻳﺠﺎﺩ ﺍلإﻟﻬﻲّ ﻣﻨﺰّﻫﺎﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﺮّ ﻭﺍﻟﻘُﺒﺢ ﻭﺍﻟﻈﻠﻢ، ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﻭﺍﻟﻤﻨﺘﻬﻰ ﻭﺍلأﺻﻮﻝ ﻭﺍﻟﻔﺮﻭﻉ ﻭﺍﻟﻌﻠﻞ ﻭﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ.

ﻭﺇﺫﺍ ﻗﻴﻞ: ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﺠﺰﺀُ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ لا ﻗﺎﺑﻠﻴﺔ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺍلإﻳﺠﺎﺩ، ﻭلا ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﻳﺪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻏﻴﺮُ ﺍﻟﻜﺴﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﺃﻣﺮٍ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻱ، ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﺫﻥ ﺷﻜﻮﻯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥِ ﺷﻜﺎﻭﻯ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﻋﺼﻴﺎﻧﻪ ﺧﺎﻟﻖَ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ؛ ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻧﻪ ﺃﻋﻄﻲ ﻟﻪ ﻭﺿﻊُ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﺍﻟﻌﺎﺻﻲ، ﺑﻞ ﻳُﺮﺳﻞ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺟﻨﻮﺩَﻩ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ لإﻣﺪﺍﺩ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺗﺠﺎﻩ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﺻﻲ، ﺑﻞ ﻳُﻤﺪّﻩ ﺧﺎﻟﻖُ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﺑﻨﻔﺴﻪ.. ﻓِﻠﻢَ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﺒﺎﻟﻐﺔ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: لأﻥّ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺍﻟﻌﺼﻴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺴﻴﺌﺔ ﻛﻠَّﻬﺎ ﺗﺨﺮﻳﺐ ﻭﻋﺪﻡ، ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺘﺮﺗﺐ ﺗﺨﺮﻳﺒﺎﺕ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻭﻋﺪﻣﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮٍ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻱ ﻭﻋﺪﻣﻲ ﻭﺍﺣﺪ. ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺃﻥّ ﻋﺪﻡ ﺇﻳﻔﺎﺀ ﻣـلاﺡِ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﺑﻮﻇﻴﻔﺘﻪ ﻳُﻐﺮﻕ ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔَ، ﻭﻳُﻔﺴﺪ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻴﻬﺎ؛ ﻟﺘﺮﺗّﺐ ﺟﻤﻴﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﺨﺮﻳﺒﺎﺕ ﺍﻟﺠﺴﻴﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻞِ ﻋﺪﻡٍ ﻭﺍﺣﺪ، ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻜﻔﺮُ ﻭﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ، ﻟﻜﻮﻧﻬﻤﺎ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺍﻟﺘﺨﺮﻳﺐ، ﻓﻴﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﺮّﻛﻬﻤﺎ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ ﺑﺄﻣﺮ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻱ، ﻓﻴﺴﺒﺒﺎﻥ ﻧﺘﺎﺋﺞَ ﻣﺮﻳﻌﺔ. لأﻥ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺳﻴﺌﺔً ﻭﺍﺣﺪﺓ؛ ﺇلا ﺃﻧﻪ ﺗﺤﻘﻴﺮ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺑﻮﺻﻤﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘَﻔﺎﻫﺔ ﻭﺍﻟﻌﺒﺜﻴﺔ، ﻭﺗﻜﺬﻳﺐٍ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺪﺍﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ، ﻭﺗﺰﻳﻴﻒ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ. ﻓﺈﻥ ﺗﻬﺪﻳﺪَﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﺷﻜﻮﺍﻩ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻗﺎﻃﺒﺔ، ﻭﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕِ ﻛﺎﻓﺔ، ﻭﺍلأﺳﻤﺎﺀِ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻛﻠﻬﺎ، ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﺷﻜﺎﻭﻯ ﻋﻨﻴﻔﺔ ﻭﺗﻬﺪﻳﺪﺍﺕ ﻣﺮﻳﻌﺔ، ﻫﻮ ﻋﻴﻦُ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ، ﻭﺇﻥّ ﺗﻌﺬﻳﺒﻪ ﺑﻌﺬﺍﺏ ﺧﺎﻟﺪ ﻫﻮ ﻋﻴﻦُ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ.

ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥّ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻟﺪﻯ ﺍﻧﺤﻴﺎﺯﻩ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﺘﺨﺮﻳﺐ ﺑﺎﻟﻜﻔﺮ ﻭﺍﻟﻌﺼﻴﺎﻥ، ﻳﺴﺒﺐ ﺩﻣﺎﺭﺍ ﺭﻫﻴﺒﺎ ﺑﻌﻤﻞ ﺟﺰﺋﻲ، ﻓﺈﻥ ﺃﻫﻞ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻣﺤﺘﺎﺟﻮﻥ ﺇﺫﻥ -ﺗﺠﺎﻩ ﻫﺆلاﺀ ﺍﻟﻤﺨﺮّﺑﻴﻦ- ﺇﻟﻰ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ، لأﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﺗﻌﻬّﺪ ﻋﺸﺮﺓٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺍلأﻗﻮﻳﺎﺀ ﺑﺎﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺑﻴﺖ ﻭﺗﻌﻤﻴﺮﻩ، ﻓﺈﻥ ﻃﻔـلا ﺷﺮﻳﺮﺍ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻭﻟﺘﻪ ﺇﺣﺮﺍﻕ ﺍﻟﺒﻴﺖ، ﻳُﻠﺠﺊ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺬﻫﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﻭﻟﻴّﻪ ﺑﻞ ﺍﻟﺘﻮﺳﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ. ﻟﺬﺍ ﻓﺎﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ ﻣﺤﺘﺎﺟﻮﻥ ﺃﺷﺪ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﻨﺎﻳﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻠﺼﻤﻮﺩ ﺗﺠﺎﻩ ﻫﺆلاﺀ ﺍﻟﻌﺼﺎﺓ ﺍﻟﻔﺎﺟﺮﻳﻦ.

ﻧﺤﺼﻞ ﻣﻤﺎ ﺳﺒﻖ: ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻭﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ، ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺫﺍ ﺇﻳﻤﺎﻥ ﻛﺎﻣﻞ، ﻣﻄﻤﺌﻦَّ ﺍﻟﻘﻠﺐ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻔﻮّﺽ ﺃﻣﺮَ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻛﻠِّﻬﺎ -ﻭﻧﻔﺴَﻪ ﻛﺬﻟﻚ- ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﺄﻥ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺗﺠﺮﻱ ﺗﺤﺖ ﺗﺼﺮﻓﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﺪﺑﻴﺮﻩ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻳﺤﻖُّ ﻟﻪ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻭﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ؛ لأﻧﻪ ﻳﻌﺮﻑ ﺃﻥ ﻧﻔﺴَﻪ ﻭﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ، ﻣﻨﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ. ﻓﻴﺘﺤﻤﻞ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ، ﻣﺴﺘﻨﺪﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺘﺒﺮﻩ ﻣﺮﺟِﻌﺎ ﻟﻠﺴﻴﺌﺎﺕ، ﻓﻴﻘﺪّﺱ ﺭﺑَّﻪ ﻭﻳﻨﺰّﻫﻪ، ﻭﻳﻈﻞ ﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻭﻳﺮﺿﺦ ﻟﻠﺘﻜﻠﻴﻒ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻭﻳﺄﺧﺬﻩ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﻪ. ﻭﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺕ ﻭﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭﺓ ﻋﻨﻪ، ﻟﺌـلا ﻳﺄﺧﺬﻩ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭُ، ﻓﻴﺸﻜﺮُ ﺭﺑَّﻪ ﺑﺪَﻝ ﺍﻟﻔﺨﺮ، ﻭﻳﺮﻯ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺰﻝ ﺑﻪ ﻓﻴﺼﺒﺮ.

ﻭﻟﻜﻦ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻭﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ، ﻓـلا ﻳﺤﻖ ﻟﻪ ﺍﻟﺨﻮﺽ ﻓﻴﻬﻤﺎ؛ لأﻥ ﻧﻔﺴَﻪ ﺍلأﻣّﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ -ﺑﺪﺍﻓﻊٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ- ﺗﺤﻴﻞ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕِ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ، ﻓﺘﺠﻌﻞ ﻣﺎ ﻟﻠﻪ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﺗﺮﻯ ﻧﻔﺴَﻬﺎ ﻣﺎﻟﻜﺔً ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ، ﻭﺗُﺮﺟِﻊ ﺃﻓﻌﺎﻟَﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻭﺗﺴﻨﺪﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗُﺤﻤِّﻞ ﺍﻟﻘﺪﺭَ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔَ ﻭﺍﻟﺘﻘﺼﻴﺮﺍﺕ. ﻭﺣﻴﻨﺌﺬٍ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺨﻮﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻭﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ ﺑﺎﻃـلا لا ﺃﺳﺎﺱ ﻟﻪ -ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ- ﻭلا ﻳﻌﻨﻰ ﺳﻮﻯ ﺩﺳﻴﺴﺔٍ ﻧﻔﺴﻴﺔٍ ﺗﺤﺎﻭﻝ ﺍﻟﺘﻤﻠﺺ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ، ﻣﻤﺎ ﻳﻨﺎﻓﻲ ﺣﻜﻤﺔَ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻭﺳﺮ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ.

   ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺑﺤﺚ ﻋﻠﻤﻲ ﺩﻗﻴﻖ ﺧﺎﺹ ﻟﻠﻌﻠﻤﺎﺀ. (حاشية) ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻫﻮ ﺃﻋﻤﻖ ﻭﺃﻋﻀﻞ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺪﺭ، ﻭﻫﻮ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻋﻘﺎﺋﺪﻳﺔ ﻛـلاﻣﻴﺔ ﺫﺍﺕ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ، ﻭﻗﺪ ﺣﻠّﺘﻬﺎ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺣـلا ﺗﺎﻣﺎ.

ﺇﺫﺍ ﻗﻠﺖ: ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﺪَﺭ ﻭﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺑﺴﺒﻌﺔ ﻭﺟﻮﻩ:

ﺍلأﻭﻝ: ﺇﻥّ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺸﻬﺪ ﻟﺤﻜﻤﺘِﻪ ﻭﻋﺪﺍﻟﺘِﻪ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕُ ﻛﻠُّﻬﺎ، ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﻭﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ، ﻗﺪ ﺃﻋﻄﻰ ﻟـلإﻧﺴﺎﻥ ﺟﺰﺀﺍ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻳﺎ ﻣﺠﻬﻮﻝَ ﺍﻟﻤﺎﻫﻴﺔ، ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻣﺪﺍﺭَ ﺛﻮﺍﺏٍ ﻭﻋﻘﺎﺏ. ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻟﻠﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ ﺣِﻜَﻤﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺧﻔﻴﺔ ﻋﻨﺎ، ﻛﺬﻟﻚ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻭﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ ﺧﺎﻓﻴﺔ ﻋﻠﻴﻨﺎ. ﻭﻟﻜﻦ ﻋﺪﻡَ ﻋِﻠﻤﻨﺎ ﺑﻜﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ لا ﻳﺪﻝّ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻡِ ﻭﺟﻮﺩِﻩ.

ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺇﻥّ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺃﻥّ ﻟﻪ ﺇﺭﺍﺩﺓً ﻭﺍﺧﺘﻴﺎﺭﺍ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ، ﻓﻴﻌﺮﻑ ﻭﺟﻮﺩَ ﺫﻟﻚ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭ ﻭﺟﺪﺍﻧﺎ. ﻭﺇﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﻤﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺷﻲﺀ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢَ ﺑﻮﺟﻮﺩﻫﺎ ﺷﻲﺀ ﺁﺧﺮ. ﻓﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺟﻮﺩُﻫﺎ ﺑﺪﻳﻬﻲ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺇلا ﺃﻥ ﻣﺎﻫﻴﺘَﻬﺎ ﻣﺠﻬﻮﻟﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻴﻨﺎ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺪﺧﻞ ﺿﻤﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻠﺴﻠﺔ، ﻓـلا ﻳﻨﺤﺼﺮ ﻛﻞُّ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻕ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻨﺎ، ﻭﺇﻥّ ﻋﺪﻡَ ﻋﻠﻤِﻨﺎ لا ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻣﻪ.

ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺇﻥ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ لا ﻳﻨﺎﻓﻲ ﺍﻟﻘﺪﺭَ، ﺑﻞ ﺍﻟﻘﺪﺭُ ﻳﺆﻳﺪ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ؛ لأﻥ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍلإﻟﻬﻲ، ﻭﻗﺪ ﺗﻌﻠّﻖ ﺍﻟﻌﻠﻢُ ﺍلإﻟﻬﻲ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎﺭﻧﺎ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻳﺆﻳّﺪ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭَ ﻭلا ﻳُﺒﻄﻠﻪ.

  ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ: ﺍﻟﻘﺪﺭُ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﻭﺍﻟﻌﻠﻢُ ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻠﻤﻌﻠﻮﻡ، ﺃﻱ ﻋﻠﻰ ﺃﻳﺔ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡُ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﺍﻟﻌﻠﻢُ ﻭﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ، ﻓـلا ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡُ ﺗﺎﺑﻌﺎ ﻟﻠﻌﻠﻢ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻟﻴﺴﺖ ﺃﺳﺎﺳﺎ لإﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ، لأﻥ ﺫﺍﺕَ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﻭﻭﺟﻮﺩَﻩ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍلإﺭﺍﺩﺓ ﻭﻳﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍلأﺯﻝ ﻟﻴﺲ ﻃﺮﻓﺎ ﻟﺴﻠﺴﻠﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻛﻲ ﻳُﺘّﺨﺬ ﺃﺳﺎﺳﺎ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﻳُﺘﺼﻮّﺭ ﺍﺿﻄﺮﺍﺭﺍ ﺑﺤﺴﺒﻪ، ﺑﻞ ﺍلأﺯﻝُ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﺎﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ -ﻛﺈﺣﺎﻃﺔ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺑﺎلأﺭﺽ- ﻛﺎﻟﻤﺮﺁﺓ ﺍﻟﻨﺎﻇﺮﺓ ﻣﻦ ﺍلأﻋﻠﻰ. ﻟﺬﺍ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺷﻲﺀ ﺗﺨﻴّﻞ ﻃﺮﻑٍ ﻭﻣﺒﺪﺇٍ ﻓﻲ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻟﻠﺰﻣﺎﻥ ﺍﻟﻤﻤﺘﺪ ﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ ﻭﺇﻃـلاﻕ ﺍﺳﻢ ﺍلأﺯﻝ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺩﺧﻮﻝ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺑﺎﻟﺘﺮﺗﻴﺐ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍلأﺯﻟﻲ، ﻭﺗﻮﻫّﻢ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﻧﻔﺴَﻪ ﻓﻲ ﺧﺎﺭﺟﻪ، ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻤﺤﺎﻛﻤﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﺫﻟﻚ.

ﻓﺎﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻟﻜﺸﻒ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ: ﺇﺫﺍ ﻭُﺟﺪﺕْ ﻓﻲ ﻳﺪﻙ ﻣﺮﺁﺓ، ﻭﻓﺮﺿﺖَ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔَ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻳﻤﻴﻨﻬﺎ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ، ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔَ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻳﺴﺎﺭﻫﺎ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞَ. ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓُ لا ﺗﻌﻜﺲ ﺇلا ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺑﻠُﻬﺎ، ﻭﺗﻀﻢ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ ﺑﺘﺮﺗﻴﺐ ﻣﻌﻴﻦ، ﺣﻴﺚ لا ﺗﺴﺘﻮﻋﺐ ﺃﻏﻠﺒَﻬﻤﺎ، لأﻥ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻭﺍﻃﺌﺔ ﻋﻜﺴﺖ ﺍﻟﻘﻠﻴﻞَ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﺭُﻓﻌﺖْ ﺇﻟﻰ ﺍلأﻋﻠﻰ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎﺑﻠﻬﺎ ﺗﺘﻮﺳﻊ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺑﺎﻟﺼﻌﻮﺩ ﺗﺪﺭﻳﺠﻴﺎ ﺗﺴﺘﻮﻋﺐ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓُ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔَ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ ﻣﻌﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺮﺗﺴﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻓﻲ ﻭﺿﻌﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﻛﻞُّ ﻣﺎ ﻳﺠﺮﻱ ﻣﻦ ﺣﺎلاﺕ ﻓﻲ ﻛﻠﺘﺎ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺘﻴﻦ. ﻓـلا ﻳُﻘﺎﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺎلاﺕ ﺍﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﺇﺣﺪﺍﻫﺎ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﺃﻭ ﻣﺆﺧَّﺮﺓ ﻋﻨﻬﺎ، ﺃﻭ ﺗﻮﺍﻓﻘُﻬﺎ، ﺃﻭ ﺗﺨﺎﻟﻔُﻬﺎ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻟﻘﺪﺭُ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍلأﺯﻟﻲ، ﻭﺍﻟﻌﻠﻢُ ﺍلأﺯﻟﻲ «ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻡ ﺭﻓﻴﻊ ﻳﻀﻢ ﻛﻞَّ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻭﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ، ﻭﻳﺤﻴﻂ ﺑﻪ» ﻛﻤﺎ ﻳُﻌﺒّﺮ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ؛ ﻟﺬﺍ لا ﻧﻜﻮﻥُ ﻧﺤﻦ ﻭلا ﻣﺤﺎﻛﻤﺎﺗُﻨﺎ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺧﺎﺭﺟَﻴﻦ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻗﻄﻌﺎ، ﺣﺘﻰ ﻧﺘﺼﻮﺭَﻩ ﻣﺮﺁﺓً ﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ.

ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ: ﺃﻥّ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺗﻌﻠﻘﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﺑﺎﻟﺴﺒﺐ ﻭﺑﺎﻟﻤﺴﺒَّﺐ ﻣﻌﺎ، ﻓﺎلإﺭﺍﺩﺓ لا ﺗﺘﻌﻠﻖ ﻣﺮﺓ ﺑﺎﻟﻤﺴﺒَّﺐ ﺛﻢ ﺑﺎﻟﺴﺒﺐ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ. ﺃﻱ ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺒَّﺐ ﺳﻴﻘﻊ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺴﺒﺐ. ﻟﺬﺍ ﻳﺠﺐ ﺃلا ﻳﻘﺎﻝ: ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﻣﻮﺕُ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﻔـلاﻧﻲ ﻣﻘﺪَّﺭﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﻔـلاﻧﻲ، ﻓﻤﺎ ﺫﻧﺐُ ﻣﻦ ﻳﺮﻣﻴﻪ ﺑﺒﻨﺪﻗﻴﺔ ﺑﺈﺭﺍﺩﺗﻪ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ؛ ﺇﺫ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﺮﻣِﻪ ﻟﻤﺎﺕ ﺃﻳﻀﺎ؟

ﺳﺆﺍﻝ: ﻟِﻢَ ﻳﺠﺐ ﺃلا ﻳﻘﺎﻝ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: لأﻥّ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻗﺪ ﻋّﻴﻦ ﻣﻮﺗَﻪ ﺑﺒﻨﺪﻗﻴﺔ ﺫﺍﻙ، ﻓﺈﺫﺍ ﻓﺮﺿﺖَ ﻋﺪﻡ ﺭﻣﻴِﻪ، ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﺗﻔﺮﺽ ﻋﺪﻡَ ﺗﻌﻠﻖ ﺍﻟﻘﺪﺭ. ﻓﺒِﻢَ ﺗﺤﻜﻢ ﺇﺫﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺗﻪ؟ ﺇلا ﺇﺫﺍ ﺗﺮﻛﺖَ ﻣﺴﻠﻚ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻭﺩﺧﻠﺖَ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺍﻟﻀﺎﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺼﻮﺭ ﻗﺪَﺭﺍ ﻟﻠﺴﺒﺐ ﻭﻗﺪَﺭﺍ ﻟﻠﻤﺴﺒّﺐ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺠﺒﺮﻳﺔ. ﺃﻭ ﺗﻨﻜﺮ ﺍﻟﻘﺪَﺭ ﻛﺎﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ. ﺃﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﺃﻫﻞَ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻨﻘﻮﻝ: ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﺮﻣِﻪ ﻓﺈﻥ ﻣﻮﺗَﻪ ﻣﺠﻬﻮﻝ ﻋﻨﺪﻧﺎ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺠﺒﺮﻳﺔ ﻓﻴﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﺮﻣِﻪ ﻟﻤﺎﺕ ﺃﻳﻀﺎ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﺮﻣِﻪ ﻟﻢ ﻳﻤﺖ.

ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ: (حاشية) ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻠﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺪﻗﻘﻴﻦ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺘﺪﻗﻴﻖ. ﺇﻥّ ﺍﻟﻤﻴـلاﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﺱ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ، ﺃﻣﺮ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻱ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﺎﺗﺮﻳﺪﻳﺔ، ﻓﻴﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻴﺪ ﺍﻟﻌﺒﺪ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻤﻴـلاﻥ ﺃﻣﺮ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻟﺪﻯ ﺍلأﺷﻌﺮﻳﻴﻦ، ﻓﻠﻴﺲ ﻫﻮ ﺑﻴﺪ ﺍﻟﻌﺒﺪ، ﺇلا ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻋﻨﺪَﻫﻢ ﺃﻣﺮ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻱ ﺑﻴﺪ ﺍﻟﻌﺒﺪ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﻴـلاﻥ ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻓﻴﻪ، ﺃﻣﺮﺍﻥ ﻧﺴﺒﻴﺎﻥ، ﻟﻴﺲ ﻟﻬﻤﺎ ﻭﺟﻮﺩ ﺧﺎﺭﺟﻲ ﻣﺤﻘَّﻖ. ﺃﻣﺎ ﺍلأﻣﺮ ﺍلاﻋﺘﺒﺎﺭﻱ ﻓـلا ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺛﺒﻮﺗُﻪ ﻭﻭﺟﻮﺩُﻩ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﺔٍ ﺗﺎﻣﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻠﺰﻡ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﻤﻮﺟِﺒﺔ ﻟﺮﻓﻊ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭ، ﺑﻞ ﺇﺫﺍ ﺍﺗّﺨَﺬﺕ ﻋﻠﺔُ ﺫﻟﻚ ﺍلأﻣﺮ ﺍلاﻋﺘﺒﺎﺭﻱ ﻭﺿﻌﺎ ﺑﺪﺭﺟﺔٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺟﺤﺎﻥ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺜﺒﺖ، ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺮﻛﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ، ﻓﻴﻘﻮﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺁﻧﺌﺬٍ: ﻫﺬﺍ ﺷﺮ! لا ﺗﻔﻌﻞ.

ﻧﻌﻢ، ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻌﺒﺪُ ﺧﺎﻟﻘﺎ لأﻓﻌﺎﻟﻪ ﻭﻗﺎﺩﺭﺍ ﻋﻠﻰ ﺍلإﻳﺠﺎﺩ، ﻟَﺮُﻓﻊ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭ؛ لأﻥ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻤﻘﺮَّﺭﺓ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍلأﺻﻮﻝ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺃﻧﻪ: «ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳَﺠﺐْ ﻟﻢ ﻳُﻮﺟَﺪ» ﺃﻱ لا ﻳﺄﺗﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺷﻲﺀ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻭﺟﻮﺩُﻩ ﻭﺍﺟﺒﺎ، ﺃﻱ لاﺑﺪ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﻋﻠﺔٍ ﺗﺎﻣﺔ ﺛﻢ ﻳﻮﺟﺪ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻌﻠﺔُ ﺍﻟﺘﺎﻣﺔ ﻓﺘﻘﺘﻀﻲ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻝ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻭﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺏ، ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ لا ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ.

ﺇﺫﺍ ﻗﻠﺖ: ﺍﻟﺘﺮﺟﻴﺢ ﺑـلا ﻣُﺮﺟّﺢٍ ﻣﺤﺎﻝ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺴﺐُ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺴﻤﻮﻧﻪ ﺃﻣﺮﺍ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻳﺎ، ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﻭﺑﻌﺪﻣﻪ ﺃﺧﺮﻯ، ﻳﻠﺰﻡُ ﺍﻟﺘﺮﺟﻴﺢَ ﺑـلا ﻣﺮﺟّﺢ، ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﺮﺟّﺢ ﻣﻮﺟِﺐ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻬﺪﻡ ﺃﻋﻈﻢَ ﺃﺻﻞ ﻣﻦ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﻜـلاﻡ!

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥ ﺍﻟﺘﺮﺟّﺢَ ﺑـلا ﻣﺮﺟّﺢ ﻣﺤﺎﻝ -ﺃﻱ ﺍﻟﺮﺟﺤﺎﻥ ﺑـلا ﺳﺒﺐ ﻭلا ﻣُﺮﺟِّﺢ- ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺘﺮﺟﻴﺢ ﺑـلا ﻣﺮﺟّﺢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻮﺯ ﻭﻫﻮ ﻭﺍﻗﻊ، ﻓﺎلإﺭﺍﺩﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺻﻔﺔ ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﺷﺄﻧُﻬﺎ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ (ﺃﻱ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻩ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺮﺟّﺢ).

ﺇﺫﺍ ﻗﻠﺖ: ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻘﺘﻞَ ﻫﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻓﻠﻤﺎﺫﺍ ﻳُﻘﺎﻝ ﻟﻲ: ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ؟

  ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥّ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﻣﺸﺘﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﻧﺴﺒﻲ -ﺣﺴﺐ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺼﺮﻑ-، ﻭلا ﻳُﺸﺘﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺎﺻﻞ ﺑﺎﻟﻤﺼﺪﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﺛﺎﺑﺖ. ﻓﺎﻟﻤﺼﺪﺭ ﻫﻮ ﻛﺴﺒُﻨﺎ، ﻭﻧﺘﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ ﻧﺤﻦ، ﻭﺍﻟﺤﺎﺻﻞ ﺑﺎﻟﻤﺼﺪﺭ ﻣﺨﻠﻮﻕُ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﻣﺎ ﻳﺸﻢّ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ لا ﻳﺸﺘﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺎﺻﻞ ﺑﺎﻟﻤﺼﺪﺭ.

ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ: ﺇﻥّ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﻭﺟﺰﺃﻩ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ، ﺿﻌﻴﻒ ﻭﺃﻣﺮ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻱ. ﺇلا ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ -ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ- ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﺗﻠﻚ ﺍلإﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﺷﺮﻃﺎ ﻋﺎﺩﻳﺎ لإﺭﺍﺩﺗﻪ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ. ﺃﻱ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻘﻮﻝ -ﻣﻌﻨﻰً-: ﻳﺎ ﻋﺒﺪﻱ ﺃﻱُّ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﺨﺘﺎﺭﻩ ﻟﻠﺴﻠﻮﻙ، ﻓﺄﻧﺎ ﺃﺳﻮﻗُﻚ ﺇﻟﻴﻪ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﺎﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔُ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻴﻚ، ﻓﻤﺜـلا -ﻭلا ﻣﺸﺎﺣﺔ ﻓﻲ ﺍلأﻣﺜﺎﻝ-: ﺇﺫﺍ ﺃﺧﺬﺕَ ﻃﻔـلا ﻋﺎﺟﺰﺍ ﺿﻌﻴﻔﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﻚ ﻭﺧﻴّﺮﺗَﻪ ﻗﺎﺋـلا: ﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ ﺗﺮﻳﺪ ﺍﻟﺬﻫﺎﺏ ﻓﺴﺂﺧﺬﻙ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻃﻠﺐ ﺍﻟﻄﻔﻞُ ﺍﻟﺼﻌﻮﺩَ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻞٍ ﻋﺎﻝٍ، ﻭﺃﻧﺖ ﺃﺧﺬﺗَﻪ ﺇﻟﻰ ﻫﻨﺎﻙ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺗﻤﺮّﺽ ﺃﻭ ﺳﻘﻂ. ﻓـلا ﺷﻚ ﺳﺘﻘﻮﻝ ﻟﻪ: ﺃﻧﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻃﻠﺒﺖَ  ﻭﺗﻌﺎﺗﺒُﻪ، ﻭﺗﺰﻳﺪُﻩ ﻟﻄﻤﺔَ ﺗﺄﺩﻳﺐ. ﻭﻫﻜﺬﺍ -ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍلأﻋﻠﻰ- ﻓﻬﻮ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺃﺣﻜﻢُ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﻴﻦ ﺟﻌﻞ ﺇﺭﺍﺩﺓَ ﻋﺒﺪﻩ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻀﻌﻒ ﺷﺮﻃﺎ ﻋﺎﺩﻳﺎ لإﺭﺍﺩﺗﻪ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ.

ﺣﺎﺻﻞ ﺍﻟﻜـلاﻡ: ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ! ﺇﻥّ ﻟﻚ ﺇﺭﺍﺩﺓً ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻀﻌﻒ، ﺇلا ﺃﻥّ ﻳﺪَﻫﺎ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺌﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﺨﺮﻳﺒﺎﺕ ﻭﻗﺎﺻﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺕ. ﻫﺬﻩ ﺍلإﺭﺍﺩﺓ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ، ﻓﺴﻠِّﻢ لإﺣﺪﻯ ﻳﺪﻱ ﺗﻠﻚ ﺍلإﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀَ، ﻛﻲ ﺗﻤﺘﺪ ﻭﺗﻄﺎﻝ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺛﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﺛﻤﺎﺭ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺕ ﻭﺗﺒﻠﻎ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺯﻫﺮﺓ ﻣﻦ ﺃﺯﺍﻫﻴﺮﻫﺎ.. ﻭﺳﻠِّﻢ ﻟﻠﻴﺪ ﺍلأﺧﺮﻯ ﺍلاﺳﺘﻐﻔﺎﺭَ ﻛﻲ ﺗﻘﺼﺮَ ﻳﺪُﻫﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻴﺌﺎﺕ، ﻭلا ﺗﺒﻠﻎ ﺛﻤﺮﺓَ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﻤﻠﻌﻮﻧﺔ ﺯﻗﻮﻡ ﺟﻬﻨﻢ. ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﻮﻛﻞ ﻳﻤﺪّﺍﻥ ﻣﻴـلاﻥ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺑﻘﻮﺓ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍلاﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﻭﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻳﻜﺴﺮﺍﻥ ﻣﻴـلاﻥ ﺍﻟﺸﺮ ﻭﻳﺤﺪّﺍﻥ ﻣﻦ ﺗﺠﺎﻭﺯﻩ.