ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻘﺎﻣﺎﻥ. ﻭﻟﻢ ﻳﻜﺘﺐ ﺑﻌﺪُ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ.

ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍلأﻭﻝ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺛـلاﺙ ﻧﻘﺎﻁ.

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:188)

   ﻟﻄﻤﺔُ ﺗﺄْﺩﻳﺐ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﺍلأﻣَّﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ!

     ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻤﻐﺮﻣﺔ ﺑﺎﻟﻔﺨﺮ، ﺍﻟﻤﻌﺠﺒﺔ ﺑﺎﻟﺸﻬﺮﺓ، ﺍﻟﻬﺎﺋﻤﺔ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻤﺪﺡ ﻭﺍﻟﺜﻨﺎﺀ! ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻐﻮﻳّﺔ!

ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺑُﺬﻳﺮﺓ ﺍﻟﺘﻴﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻨﺸﺄ ﺃﻟﻮﻑ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ، ﻭﺍﻟﺴﺎﻕ ﺍﻟﻨﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﺼﻠﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻘﺖ ﺑﻬﺎ ﻣﺌﺎﺕ ﺍﻟﻌﻨﺎﻗﻴﺪ.. ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﻗﻴﺪ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﺬﻳﺮﺓ ﻭﺍﻟﺴﺎﻕ ﻭﻣﻦ ﻣﻬﺎﺭﺗﻬﻤﺎ ﻟﺰﻡ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺃﻥ ﻳﺒﺪﻱ ﺍﻟﻤﺪﺡ ﻭﻳﻈﻬﺮ ﺍﻟﺜﻨﺎﺀ ﻟﻬﻤﺎ! ﺃﻗﻮﻝ: ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻋﻮﻯ ﺣﻘﺎ، ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻚِ -ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ- ﺣﻖ ﺃﻳﻀﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺨﺮ ﻭﺍﻟﻐﺮﻭﺭ ﻟﻤﺎ ﺣُﻤّﻠﺖِ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻌﻢ.

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﻧﺖِ لا ﺗﺴﺘﺤﻘﻴﻦ ﺇلا ﺍﻟﺬﻡ، لأﻧّﻚ ﻟﺴﺖِ ﻛﺘﻠﻚ ﺍﻟﺒﺬﻳﺮﺓ ﻭلا ﻛﺘﻠﻚ ﺍﻟﺴﺎﻕ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻤﺎ ﺗﺤﻤﻠﻴﻦ ﻣﻦ ﺟﺰﺀ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻱ. ﻓﺘﻨﺘﻘﺼﻴﻦ ﺑﻔﺨﺮﻙِ ﻭﻏﺮﻭﺭﻙِ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻌﻢ ﻭﺗﺒﺨﺴﻴﻦ ﺣﻘﻬﺎ، ﻭﺗﺒﻄﻠﻴﻨﻬﺎ ﺑﻜﻔﺮﺍﻧﻚ ﺍﻟﻨﻌﻢ، ﻭﺗﻐﺘﺼﺒﻴﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﻤﻠﻚ. ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻚِ ﺍﻟﻔﺨﺮ، ﺑﻞ ﺍﻟﺸﻜﺮ. ﻭلا ﺗﻠﻴﻖ ﺑﻚِ ﺍﻟﺸﻬﺮﺓ، ﺑﻞ ﺍﻟﺘﻮﺍﺿﻊ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺀ. ﻭﻣﺎ ﻋﻠﻴﻚِ ﺇلا ﺍلاﺳﺘﻐﻔﺎﺭ، ﻭﻣـلاﺯﻣﺔ ﺍﻟﻨﺪﻡ، لا ﺍﻟﻤﺪﺡ، ﻓﻠﻴﺲ ﻛﻤﺎﻟﻚ ﻓﻲ ﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔِ، ﺑﻞ ﻓﻲ ﺍلاﺳﺘﻬﺪﺍﺀ.

ﻧﻌﻢ، ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ! ﺃﻧﺖِ ﻓﻲ ﺟﺴﻤﻲ ﺗﺸﺒﻬﻴﻦ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻓﺄﻧﺘﻤﺎ (ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ) ﻗﺪ ﺧُﻠﻘﺘﻤﺎ ﻗﺎﺑﻠﻴﻦ ﻟﻠﺨﻴﺮ، ﻣﺮﺟﻌَﻴﻦ ﻟﻠﺸﺮ. ﺃﻱْ ﺃﻧﺘﻤﺎ ﻟﺴﺘﻤﺎ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﻭلا ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ، ﺑﻞ ﺍﻟﻤﻨﻔﻌﻞ ﻭﻣﺤﻞ ﺍﻟﻔﻌﻞ، ﺇلا ﺃﻥّ ﻟﻜﻤﺎ ﺗﺄﺛﻴﺮﺍ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻓﻘﻂ ﻭﻫﻮ ﺗﺴﺒﺒﻜﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮ، ﻋﻨﺪ ﻋﺪﻡ ﻗﺒﻮﻟﻜﻤﺎ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻗﺒﻮلا ﺣﺴﻨﺎ.

ﺛﻢ ﺇﻧّﻜﻤﺎ ﻗﺪ ﺧُﻠﻘﺘﻤﺎ ﺳﺘﺎﺭَﻳﻦ، ﻛﻲ ﺗُﺴﻨَﺪ ﺇﻟﻴﻜﻤﺎ ﺍﻟﻤﻔﺎﺳﺪ ﻭﺍﻟﻘﺒﺎﺋﺢ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ لا ﻳُﺸﺎﻫﺪ ﺟﻤﺎﻟُﻬﺎ، ﻟﺘﻜﻮﻧﺎ ﻭﺳﻴﻠﺘﻴﻦ ﻟﺘﻨﺰﻳﻪ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ. ﻭﻟﻜﻨﻜﻤﺎ ﻗﺪ ﻟﺒﺴﺘﻤﺎ ﺻﻮﺭﺓ ﺗﺨﺎﻟﻒ ﻭﻇﻴﻔﺘﻜﻤﺎ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ، ﺇﺫ ﺗﻘﻠﺒﺎﻥ ﺍﻟﺨﻴﺮَ ﺇﻟﻰ ﺷﺮ لاﻓﺘﻘﺎﺭﻛﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺎﺕ، ﻓﻜﺄﻧﻜﻤﺎ ﺗﺸﺎﺭﻛﺎﻥ ﺧﺎﻟﻘﻜﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻌﻞ!

ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﻌﺒﺪ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﻳﻌﺒﺪ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺇﺫﻥ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺤﻤﺎﻗﺔ ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻈﻠﻢ.

ﻓﻴﺎ ﻧﻔﺴﻲ! لا ﺗﻘﻮﻟﻲ: ﺇﻧّﻨﻲ ﻣﻈﻬﺮ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ، ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﻨﺎﻝ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻳﻜﻮﻥ ﺟﻤﻴـلا.. ﻛـلا، ﺇﻧّﻚِ ﻟﻢ ﺗﺘﻤﺜﻠﻲ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺗﻤﺜـلا ﺗﺎﻣﺎ، ﻓـلا ﺗﻜﻮﻧﻴﻦ ﻣﻈﻬﺮﺍ ﻟﻪ ﺑﻞ ﻣﻤﺮﺍ ﺇﻟﻴﻪ.

ﻭلا ﺗﻘﻮﻟﻲ ﺃﻳﻀﺎ: ﺇﻧّﻨﻲ ﻗﺪ ﺍُﻧﺘُﺨﺒﺖُ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻛﻠِّﻬﻢ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﻈﻬﺮ ﺑﻮﺳﺎﻃﺘﻲ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥّ ﻟﻲ ﻓﻀـلا ﻭﻣﺰﻳّﺔ! ﻛـلا.. ﻭﺣﺎﺵَ ﻟﻠﻪ.. ﺑﻞ ﻗﺪ ﺃﻋﻄﻴﺖِ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ لأﻧّﻚِ ﺃﺣﻮﺝُ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﺃﻛﺜﺮُﻫﻢ ﺇﻓـلاﺳﺎ ﻭﺃﻛﺜﺮُﻫﻢ ﺗﺄﻟﻤﺎ. (حاشية) ﺣﻘﺎ ﺇﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺎﻇﺮﺓ، ﺃﻋﺠﺒﺖ ﺃﻳﻤﺎ ﺇﻋﺠﺎﺏ ﺑﺈﻟﺰﺍﻡ ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻧﻔﺴَﻪ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ ﻣﻦ ﺍلإﻟﺰﺍﻡ ﻓﺒﺎﺭﻛﺘﻪ ﻭﻫﻨﺄﺗﻪ ﻗﺎﺋﻼ: ﺑﺎﺭﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﻚ ﺃﻟﻒ ﻣﺮﺓ. ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ

 

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﻧﻮﺿﺢ ﺳﺮًﺍ ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿ﺃﺣْﺴَﻦَ ﻛُﻞَّ ﺷَﻲْﺀٍ ﺧَﻠَﻘَﻪُ﴾ (ﺍﻟﺴﺠﺪﺓ:8)

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻣﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻧّﻪ ﺃﻗﺒﺢُ ﺷﻲﺀ، ﻓﻴﻪ ﺟﻬﺔ ﺣُﺴﻦٍ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ، ﻓﻤﺎ ﻣﻦ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﻣﺎ ﻣﻦ ﺣﺎﺩﺙ ﻳﻘﻊ ﻓﻴﻪ ﺇلا ﻭﻫﻮ ﺟﻤﻴﻞ ﺑﺬﺍﺗﻪ، ﺃﻭ ﺟﻤﻴﻞ ﺑﻐﻴﺮﻩ، ﺃﻱْ ﺟﻤﻴﻞ ﺑﻨﺘﺎﺋﺠﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻔﻀﻲ ﺇﻟﻴﻬﺎ.. ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪﻭ ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮ ﺃﻣﺮﻫﺎ ﻗﺒﻴﺤﺔً ﻣﻀﻄﺮﺑﺔً ﻭﻣﺸﻮﺷﺔً، ﺇلا ﺃﻥّ ﺗﺤﺖ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﺘﺎﺭ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻱ ﺃﻧﻮﺍﻋﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻝ ﺭﺍﺋﻖ، ﻭﺃﻧﻤﺎﻃﺎ ﻣﻦ ﻧﻈﻢ ﺩﻗﻴﻘﺔ.

ﻓَﺘَﺤْﺖَ ﺣﺠﺎﺏ ﺍﻟﻄﻴﻦ ﻭﺍﻟﻐﺒﺎﺭ ﻭﺍﻟﻌﻮﺍﺻﻒ ﻭﺍلأﻣﻄﺎﺭ ﺍﻟﻐﺰﻳﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺗﺨﺘﺒﺊ ﺍﺑﺘﺴﺎﻣﺎﺕ ﺍلأﺯﻫﺎﺭ ﺍﻟﺰﺍﻫﻴﺔ ﺑﺮﻭﻋﺘﻬﺎ، ﻭﺗﺤﺘﺠﺐ ﺭﺷﺎﻗﺔ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﺍﻟﻬﻴﻔﺎﺀ ﺍﻟﺴﺎﺣﺮﺓ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ.. ﻭﻓﻲ ﺛﻨﺎﻳﺎ ﺍﻟﻌﻮﺍﺻﻒ ﺍﻟﺨﺮﻳﻔﻴﺔ ﺍﻟﻤﺪﻣﺮﺓ ﺍﻟﻤﻜﺘﺴﺤﺔ ﻟـلأﺷﺠﺎﺭ ﻭﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ، ﻭﺍﻟﻬﺎﺯﺓ ﻟـلأﻭﺭﺍﻕ ﺍﻟﺨﻀﺮﺍﺀ ﻣﻦ ﻓﻮﻕ ﺍلأﻓﻨﺎﻥ، ﺣﺎﻣﻠﺔً ﻧﺬﺭ ﺍﻟﺒﻴﻦ، ﻭﻋﺎﺯﻓﺔً ﻟﺤﻦ ﺍﻟﺸﺠﻦ ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍلاﻧﺪﺛﺎﺭ، ﻫﻨﺎﻙ ﺑﺸﺎﺭﺓ ﺍلاﻧﻄـلاﻕ ﻣﻦ ﺃﺳْﺮِ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻤـلاﻳﻴﻦ ﺍﻟﺤﺸﺮﺍﺕ ﺍﻟﺮﻗﻴﻘﺔ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻔﺘﺢ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﻥ ﺗﻔﺘﺢ ﺍلأﺯﻫﺎﺭ، ﻓﺘﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻗَﺮّ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﻭﺿﻐﻮﻁ ﻃﻘﺴﻪ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥّ ﺃﻧﻮﺍﺀ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﺍﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺤﺰﻳﻨﺔ ﺗُﻬﻲﺀُ ﺍلأﺭﺽ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍ ﻟﻤﻘﺪﻡ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺑﻤﻮﺍﻛﺒﻪ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻔﺘﺤﺎ لأﺯﻫﺎﺭ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺗﺨﺘﺒﺊُ ﺗﺤﺖ ﺳﺘﺎﺭ ﻋﺼﻒ ﺍﻟﻌﻮﺍﺻﻒ ﺇﺫﺍ ﻋﺼﻔﺖ ﻭﺯﻟﺰﻟﺔ ﺍلأﺭﺽ ﺇﺫﺍ ﺗﺰﻟﺰﻟﺖ، ﻭﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﺍلأﻣﺮﺍﺽ ﻭﺍلأﻭﺑﺌﺔ ﺇﺫﺍ ﺍﻧﺘﺸﺮﺕ. ﻓﺒﺬﻭﺭ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺎﺕ، ﻭﻧﻮﻯ ﺍلاﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﻜﺎﻣﻨﺔ -ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻨﺒﺖ ﺑﻌﺪُ- ﺗﺘﺴﻨﺒﻞ ﻭﺗﺘﺠﻤﻞ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﺗﺒﺪﻭ ﻗﺒﻴﺤﺔ ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮ ﺷﺄْﻧﻬﺎ، ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻥّ ﺍﻟﺘﻘﻠﺒﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ، ﻭﺍﻟﺘﺤﻮلاﺕ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺇﻥ ﻫﻲ ﺇلا ﺃﻣﻄﺎﺭ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﺗﻨﺰﻝ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﻟﺘﺴﺘﻨﺒﺘﻬﺎ.

ﺑَﻴْﺪَ ﺃﻥّ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻔﺘﻮﻥ ﺑﺎﻟﻤﻈﺎﻫﺮ ﻭﺍﻟﻤﺘﺸﺒﺚ ﺑﻬﺎ ﻭﺍﻟﺬﻱ لا ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻭﺍلأﺣﺪﺍﺙ ﺇلا ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﺃﻧﺎﻧﻴﺘﻪ ﻭﻣﺼﻠﺤﺘﻪ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﺗﺮﺍﻩ ﺗﺘﻮﺟَّﻪ ﺃﻧﻈﺎﺭُﻩ ﺇﻟﻰ ﻇﺎﻫﺮ ﺍلأﻣﻮﺭ، ﻭﺗﻨﺤﺼﺮ ﻓﻴﻬﺎ، ﻓﻴﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﺒﺢ!.. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻧّﻪ ﻳﺰﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺑﺤﺴﺐ ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻬﺔ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﺤﺴﺐ، ﺗﺮﺍﻩ ﻳﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺸﺮ! ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥّ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻬﺔُ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﺣﺪﺓً، ﻓﺎﻟﻤﺘﻮﺟﻬﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺻﺎﻧﻌﻬﺎ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺗﻌﺪُّ ﺑﺎلأﻟﻮﻑ.

ﻓﻤﺜـلا: ﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﻭﺍلأﻋﺸﺎﺏ ﺫﺍﺕ ﺍلأﺷﻮﺍﻙ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺪﻣﻲ ﻳﺪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻤﺘﺪﺓ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻳﺘﻀﺎﻳﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻳﺮﺍﻫﺎ ﺷﻴﺌﺎ ﺿﺎﺭﺍ لا ﺟﺪﻭﻯ ﻣﻨﻪ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻲ ﻟﺘﻠﻚ ﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﻭﺍلأﻋﺸﺎﺏ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍلأﻫﻤﻴّﺔ ﺣﻴﺚ ﺗﺤﺮﺳﻬﺎ ﻭﺗﺤﻔﻈﻬﺎ ﻣِﻤّﻦ ﻳﺮﻳﺪ ﻣﺴَّﻬﺎ ﺑﺴﻮﺀ.

ﻭﻣﺜـلا: ﺍﻧﻘﻀﺎﺽ ﺍﻟﻌﻘﺎﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺼﺎﻓﻴﺮ ﻭﺍﻟﻄﻴﻮﺭ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﻳﺒﺪﻭ ﻣﻨﺎﻓﻴﺎ ﻟﻠﺮﺣﻤﺔ، ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﺍﻧﻜﺸﺎﻑ ﻗﺎﺑﻠﻴﺎﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻄﻴﻮﺭ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﻭﺗﺤﻔﻴﺰﻫﺎ ﻟﻠﻈﻬﻮﺭ لا ﻳﺘﺤﻘﻖ ﺇلا ﺇﺫﺍ ﺃﺣﺴَّﺖْ ﺑﺎﻟﺨﻄﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻕ ﺑﻬﺎ، ﻭﺷﻌﺮﺕ ﺑﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﻄﻴﻮﺭ ﺍﻟﺠﺎﺭﺣﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺴﻠّﻂ ﻋﻠﻴﻬﺎ..

ﻭﻣﺜـلا: ﺇﻥّ ﻫﻄﻮﻝ ﺍﻟﺜﻠﻮﺝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻐﻤﺮ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻓﻲ ﻓﺼﻞ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﺭﺑﻤﺎ ﻳﺜﻴﺮ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻀﻴﻖ ﻟﺪﻯ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، لأﻧّﻪ ﻳﺤﺮﻣﻪ ﻣﻦ ﻟﺬﺓ ﺍﻟﺪﻑﺀ ﻭﻣﻨﺎﻇﺮ ﺍﻟﺨُﻀﺮﺓ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺨﺘﻔﻲ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻠﻴﺪ ﻏﺎﻳﺎﺕ ﺩﺍﻓﺌﺔ ﺟﺪﺍ ﻭﻧﺘﺎﺋﺞ ﺣﻠﻮﺓ ﻳﻌﺠﺰ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻋﻦ ﻭﺻﻔﻬﺎ.

ﺛﻢ ﺇﻥّ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻧﻈﺮﻩ ﺍﻟﻘﺎﺻﺮ ﻳﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺑﻮﺟﻬﻪ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ، ﻟﺬﺍ ﻳﻈﻦ ﺃﻥّ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺿﻤﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍلآﺩﺍﺏ ﺍﻟﻤﺤﻀﺔ ﺃﻧّﻬﺎ ﻣﺠﺎﻓﻴﺔ ﻟﻬﺎ، ﺧﺎﺭﺟﺔ ﻋﻨﻬﺎ.. ﻓﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﻋﻀﻮ ﺗﻨﺎﺳﻞ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ -ﻣﺜـلا- ﻣﺨﺠﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﺒﺎﺩﻟﻪ ﻣﻦ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﻣﻊ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺨﺠﻞ ﻣﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﻭﺟﻬﻪ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻪ ﻟﻺ ﻧﺴﺎﻥ، ﺇلا ﺃﻥّ ﺃﻭْﺟﻬَﻪُ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﺃﻱْ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺨﻠﻘﺔ ﻭﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻭﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺟﺪ لأﺟﻠﻬﺎ، ﻣﻮﺿﻊ ﺇﻋﺠﺎﺏ ﻭﺗﺪﺑﺮ.. ﻓﻜﻞّ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻭﺟﻪِ ﺍﻟﺘﻲ ﻓُﻄﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺇﻧّﻤﺎ ﻫﻲ ﻭﺟﻪ ﺟﻤﻴﻞ ﻣﻦ ﺃﻭﺟﻪ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ، ﻭﺇﺫﺍ ﻫﻲ -ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻈﺎﺭ- ﻣﺤﺾ ﺃﺩﺏٍ لا ﻳُﺨﺪﺵُ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚُ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻟﺬﻭﻕَ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺀَ..

ﺣﺘﻰ ﺇﻥّ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ -ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻨﺒﻊ ﺍلأﺩﺏ ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ- ﻳﻀﻢ ﺑﻴﻦ ﺳﻮﺭﻩ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻠﻄﻒ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﻭﺍﻟﺴﺘﺎﺋﺮ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ، ﻓﻤﺎ ﻧﺮﺍﻩ ﻗُﺒﺤﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﻭﺍلآلاﻡ ﻭﺍلأﺣﺰﺍﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﻠِّﻔﻬﺎ ﺑﻌﺾُ ﺍلأﺣﺪﺍﺙ ﻭﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ لا ﺗﺨﻠﻮ ﺃﻋﻤﺎﻗُﻬﺎ ﻗﻄﻌﺎ ﻣﻦ ﺃﻭﺟﻪ ﺟﻤﻴﻠﺔ، ﻭﺃﻫﺪﺍﻑ ﺧﻴﺮﺓ، ﻭﻏﺎﻳﺎﺕ ﺳﺎﻣﻴﺔ، ﻭﺣِﻜَﻢ ﺧﺒﻴﺌﺔ، ﺗَﺘَﻮﺟّﻪ ﺑﻜﻞ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻰ ﺧﺎﻟﻘﻬﺎ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻛﻤﺎ ﻗَﺪَّﺭ ﻭﻫَﺪَﻯ ﻭﺃﺭﺍﺩ. ﻓﺎﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪﻭ -ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ- ﻣﺸﻮﺷﺔً ﻣﻀﻄﺮﺑﺔ ﻭﻣﺨﺘﻠﻄﺔ، ﺇﻥ ﺃﻧﻌَﻤْﺖَ ﺍﻟﻨﻈﺮَ ﺇﻟﻰ ﻣﺪﺍﺧﻠﻬﺎ ﻃَﺎﻟَﻌَﺘْﻚَ -ﻣﻦ ﺧـلاﻟﻬﺎ- ﻛﺘﺎﺑﺎﺕ ﺭﺑﺎﻧﻴﺔ ﻣﻘﺪﺳﺔ ﺭﺍﺋﻌﺔ، ﻭﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﻭﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ.

 

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:31)

ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﻗﻄﻌﻲ ﻛﻤﺎ ﻳﺸﺎﻫﺪ، ﻳﻠﺰﻡ ﺇﺫﻥ ﺛﺒﻮﺕ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍلأﺣﻤﺪﻳﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻭﺍﻟﺴـلاﻡ ﺑﻘﻄﻌﻴﺔ ﻳﻘﻴﻨﻴﺔ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ؛ لأﻥّ ﺣُﺴﻦ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻭﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ، ﻳﺪلاﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻥّ ﻓﻲ ﺻﺎﻧﻌﻬﺎ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺗﺤﺴﻴﻦ ﻭﻃﻠﺐ ﺗﺰﻳﻴﻦ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻘﻮﺓ، ﻭﺃﻥّ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺘﺤﺴﻴﻦ ﻭﻃﻠﺐ ﺍﻟﺘﺰﻳﻴﻦ ﻳﺪلاﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻥّ ﻓﻲ ﺻﺎﻧﻌﻬﺎ ﻣﺤﺒﺔً ﻋﻠﻮﻳﺔ ﻭﺭﻏﺒﺔً ﻗﺪﺳﻴﺔ لإﻇﻬﺎﺭ ﻛﻤﺎلاﺕ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻪ، ﻭﺃﻥّ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﺗﻘﺘﻀﻴﺎﻥ ﻗﻄﻌﺎ ﺗﻤﺮﻛﺰﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﺃﻛﻤﻞ ﻭﺃﻧﻮﺭ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﻭﺃﺑﺪﻋﻬﺎ، ﺃلا ﻭﻫﻮ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ. ﺫﻟﻚ لأﻥّ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓُ ﺍﻟﻤﺠﻬّﺰﺓ ﺑﺎﻟﺸﻌﻮﺭ ﻭﺍلإﺩﺭﺍﻙ ﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﻭﺇﻥّ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﻫﻲ ﺃﺟﻤﻊُ ﺟﺰﺀ ﻭﺃﺑﻌﺪُﻩ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ، ﻭﻟﻪ ﻧﻈﺮ ﻋﺎﻡ ﻭﺷﻌﻮﺭ ﻛﻠﻲ.

ﻓﺎﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻪ ﻧﻈﺮ ﻋﺎﻡ، ﻭﺷﻌﻮﺭ ﻛﻠﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻠﺢ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺨﺎﻃﺐ ﻟﻠﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﻭﺍﻟﻤﺎﺛﻞ ﻓﻲ ﺣﻀﻮﺭﻩ، ﺫﻟﻚ لأﻧّﻪ ﻳﺼﺮﻑ ﻛﻞ ﻧﻈﺮﻩ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻭﻋﻤﻮﻡ ﺷﻌﻮﺭﻩ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻌﺒﺪ ﻟﺼﺎﻧﻌﻪ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﺤﺴﺎﻥ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﻭﺗﻘﺪﻳﺮﻫﺎ ﻭﺇﻟﻰ ﺷﻜﺮ ﺁلاﺋﻪ ﻭﻧﻌﻤﺎﺋﻪ.. ﻓﺒﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﻔﺮﻳﺪ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺨﺎﻃﺐ ﺍﻟﻤﻘﺮﺏ ﻭﺍﻟﺤﺒﻴﺐ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏ.

ﻭﺍلآﻥ ﺗﺸﺎﻫَﺪ ﻟﻮﺣﺘﺎﻥ ﻭﺩﺍﺋﺮﺗﺎﻥ:

ﺇﺣﺪﺍﻫﻤﺎ: ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺭﺑﻮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﻭﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺮﻭﻋﺔ ﻭﺍﻟﻬﻴﺒﺔ ﻭﻟﻮﺣﺔ ﺻﻨﻌﺔ ﺑﺎﺭﻋﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ.

ﻭﺍلأﺧﺮﻯ: ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﻣﻨﻮّﺭﺓ ﻣﺰﻫّﺮﺓ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ، ﻭﻟﻮﺣﺔ ﺗﻔﻜﺮ ﻭﺍﺳﺘﺤﺴﺎﻥ ﻭﺷﻜﺮ ﻭﺇﻳﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻌﺔ ﻭﺍﻟﺸﻤﻮﻝ، ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥّ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻫﺬﻩ ﺗﺘﺤﺮﻙ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺟﻬﺎﺗﻬﺎ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍلأﻭﻟﻰ ﻭﺗﻌﻤﻞ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﻗﻮﺗﻬﺎ ﻟﺤﺴﺎﺑﻬﺎ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻔﻬﻢ ﺑﺪﺍﻫﺔ ﺃﻥّ ﺭﺋﻴﺲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﺪﻡ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻪ ﺗﻜﻮﻥ ﻋـلاﻗﺘﻪ ﻣﻊ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﻗﻮﻳﺔ ﻣﺘﻴﻨﺔ، ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﺤﺒﻮﺑﺎ ﻣﺮﺿﻴﺎ ﻋﻨﺪﻩ.

ﻓﻬﻞ ﻳﻘﺒﻞ ﻋﻘﻞ ﺃلا ﻳﺒﺎﻟﻲ ﻭلا ﻳﻬﺘﻢ ﺻﺎﻧﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﺰﻳﻨﺔ ﺑﺄﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﻦ ﻭﻣﻨﻌﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻌﻢ، ﺍﻟﻤﺮﺍﻋﻲ ﻟﺪﻗﺎﺋﻖ ﺍلأﺫﻭﺍﻕ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺃﻓﻮﺍﻩ ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﻫﻞ ﻳﻌﻘﻞ ﺃلا ﻳﺒﺎﻟﻲ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻉ ﺍلأﺟﻤﻞِ ﺍلأﻛﻤﻞِ، ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻪِ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺎﻟﺘﻌﺒﺪ، ﻭﺃلا ﻳﻬﺘﻢ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﺰّ ﺍﻟﻌﺮﺵَ ﻭﺍﻟﻔﺮﺵَ ﺑﺘﻬﻠﻴـلاﺕ ﺍﺳﺘﺤﺴﺎﻧﻪ ﻭﺗﻜﺒﻴﺮﺍﺕ ﺗﻘﺪﻳﺮﺍﺗﻪ ﻟﻤﺤﺎﺳﻦ ﺻﻨﻌﺔ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ، ﻓﺎﻫﺘﺰّ ﺍﻟﺒﺮ ﻭﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻧﺘﺸﺎﺀً ﻣﻦ ﻧﻐﻤﺎﺕ ﺣﻤﺪﻩ ﻭﺷﻜﺮﻩ ﻭﺗﻜﺒﻴﺮﺍﺗﻪ ﻟﻨﻌﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ؟ ﻭﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃلا ﻳﺘﻮﺟَّﻪ ﺇﻟﻴﻪ؟ ﻭﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃلا ﻳُﻮﺣﻲ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻜـلاﻣﻪ؟ ﻭﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃلا ﻳﺠﻌﻠﻪ ﺭﺳﻮلا؟ ﻭﺃلا ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳَﺴْﺮِﻱ ﺧُﻠُﻘُﻪ ﺍﻟﺤﺴﻦُ ﻭﺣﺎلاﺗُﻪ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨَﻠْﻖِ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ؟

ﻛـلا  ﺑﻞ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃلا ﻳﻤﻨﺤﻪ ﻛـلاﻣُﻪ ﻭﺃلا ﻳﺠﻌﻠﻪ ﺭﺳﻮلا ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻛﺎﻓﺔ.

﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:19)

﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ (ﺍﻟﻔﺘﺢ:29)

     ﺃﻧّﺎﺕ ﺑﻜﺎﺀٍ ﻟﻘﻠﺐ ﺁﺱٍ، ﻓَﺠْﺮَ ﺃﻳﺎﻡِ ﺃﺳْﺮٍ ﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻟﻔﺮﺍﻕ ﻭﺍلاﻏﺘﺮﺍﺏ

ﻧﺴﻴﻢ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﻳَﻬُﺐُّ ﻭﻗﺖ ﺍلأﺳﺤﺎﺭ، ﻓﺎﻧﺘﺒﻬﻲ ﻳﺎ ﻋﻴﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺴَّﺤَﺮ، ﻭﺍﺳﺄﻟﻲ ﺍﻟﻤﻮﻟﻰ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔَ، ﻓﺎﻟﺴَّﺤَﺮُ ﻣَﺘَﺎﺑﺔُ ﺍﻟﻤﺬﻧﺒﻴﻦ، ﻓَﻬﺐَّ ﻳﺎ ﻗﻠﺒﻲ ﺗﺎﺋﺒﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﻣﺴﺘﻐﻔﺮﺍ ﻟﺪﻯ ﺑﺎﺏِ ﻣﻮلاﻙ.

    ﺳَﺤَﺮْ ﺣَﺸْﺮِﻳﺴْﺖ، ﺩَﺭُﻭ ﻫُﺸْﻴَﺎﺭْ ﺩَﺭْ ﺗَﺴْﺒِﻴﺢْ ﻫَﻤَﻪ ﺷَﻰْ

    ﺑَﺨَﻮﺍﺏِ ﻏَﻔْﻠَﺖْ ﺳَﺮْﺳَﻢْ ﻧَﻔْﺴَﻢْ ﺣَﺘَﻰ ﻛَﻰْ؟

    ﻋُﻤُﺮْ ﻋَﺼْﺮِﻳﺴْﺖ ﺳَﻔَﺮْ ﺑَﺎ ﻗَﺒِﺮْ ﻣِﻰ ﺑَﺎﻳَﺪْ ﺯِ ﻫَﺮْ ﺣَﻰْ

    ﺑِﺒَﺮْﺧِﻴﺰْ ﻧَﻤَﺎﺯِﻯ ﭼُﻮ ﻧِﻴَﺎﺯِﻯ ﮔُﻮ؛ ﺑِﻜُﻦْ ﺁﻭَﺍﺯِﻯ ﭼُﻮﻥْ ﻧَﻰْ

    ﺑِﮕُﻮ: ﻳَﺎﺭَﺏْ! ﭘَﺸِﻴﻤَﺎﻧَﻢْ، ﺧَﺠِﻴﻠَﻢْ، ﺷَﺮْﻣَﺴَﺎﺭَﻡْ ﺍَﺯْ ﮔُﻨَﺎﻩ ﺑِﻰ ﺷُﻤَﺎﺭَﻡْ، ﭘَﺮِﻳﺸَﺎﻧَﻢْ، ﺫَﻟِﻴﻠَﻢْ، ﺍَﺷْﻚ ﺑَﺎﺭَﻡْ ﺍَﺯْ ﺣَﻴَﺎﺕْ ﺑِﻰ ﻗَﺮَﺍﺭَﻡْ، ﻏَﺮِﻳﺒَﻢْ، ﺑِﻰ ﻛَﺴَﻢْ، ﺿَﻌِﻴﻔَﻢْ،

    ﻧَﺎ ﺗُﻮَﺍﻧَﻢْ، ﻋَﻠِﻴﻠَﻢْ، ﻋَﺎﺟِﺰَﻡْ، ﺍِﺧْﺘِﻴَﺎﺭَﻡْ، ﺑِﻰ ﺍِﺧْﺘِﻴَﺎﺭَﻡْ، ﺍَلاﻣَﺎﻥ ﮔُﻮﻳَﻢْ،

    ﻋَﻔﻮ ﺟُﻮﻳَﻢْ، ﻣَﺪَﺩْ ﺧَﻮﺍﻫَﻢْ ﺯِ ﺩَﺭْ ﻛَﺎﻫَﺖْ ﺍِﻟَﻬِﻰ.