اعتذار

لئن أدركتَ في شرحي فتورًا      ووهنًا في بيـاني للمعـاني

فلا تسند لنقصي إن رقصي          على مقدار تسعيد الزمان

لأني زمانا ما حشرت ما رشح من فكرى شرحا على حاشية الأستاذ، كنت فاقدًا للراحة والشباب مفلوجَ الذهن غائبًا عن الأمثال والأقران، شريدًا عن الوطن وقد صرت كالهائم، بل كالبهائم، بل كالبوم، دائرًا عائشًا في الأقفار، هاربا عن شرور الأشرار، تخطرت حينما تصورت ما قاله ابن الفارض:

وأبعدني عن أربُعي بعد أربَع     شبابي وعقلي وارتياحي وصحتي

فلي بعد أوطاني سكون إلى الفلا      وبالوحش أُنسى إذ من الأِنس وحشتي

نعم، من كان راكبًا على كاهل الغربة، وكان أنيسا بالوحشة، وجليسه الوحدة، وسميره الكربة، وموطنه الخربة، هل في الإمكان أن تخلو كتبته عن الخطأ والسقطة، لاسيما إذا كان المشرحة كأمثال «قزل إيجاز» بالغة من الإغلاق والإيجاز، إلى حيث دون حلها خرط القتاد، وخرق الإعجاز. فالمرجو من النظار، ذوي دقة الأفكار، وَحدّةِ الأبصار، أن يصلحوا خطيئاتي، ويصححوا غلطاتي، ويبينوا ما عجز عن حله فكري، وضاق عنه صدري، وكَلَّ عن بيان متنه متني، وعمي عن رؤيته طرفى وعيني… على أنى ما كنت من رجال هذا الرهان، ولا بذي شأن في هذا البيان، أوان شبابي وأنا ابن ثلاثين، فكيف بي هذا الامتحان وأنا ابن ثمانين، ولهذا قد بقى مواضع باكرة غير مفضوضة بفكري أحلتها لذوى الأفكار الثاقبة، من دهاة أذكياء الاستقبال بعد خمسمائة سنة.

عبدالمجيد


ومما يدل على درجة دقة الأستاذ سمكا وعمقا في أوائل شبابته:

أنْ سُئِل -وهو ابن عشرين- عن ثنتي عشرة كلمة على هذا الشكل «فيل» بلا نقطة ولا حركة. وقيل له -والقائل الشيخ أمين البتليسي- إن أصبت في تنقيطها وتحريكها وتفسيرها نحن نعدك من الأذكياء وإلّا فلا يبقى لك بين الأذكياء «لا رفع، ولا نصب، ولا جر». وكان الأستاذ حينئذ حافظا لما في القاموس من اللغات إلى باب السين.. فبالاستمداد بما حفظ أجاب بعد ثلاثة أيام: ولقد أصاب فيما أجاب – هكذا: كتب أولا الأشكال [فبل. فبل. فبل. فبل. فبل. فبل.فبل. فبل. فبل. فبل. فبل. فبل. ثم وضع على الحرف الأول من كلها نقطتين وتحت الحرف الأوسط أيضا نقطتين من كل تلك الأشكال إلّا الخامس وضع تحته نقطة واحدة ثم حركها هكذا:

قِيلَ [1] قَيّلْ [2] قَيْلَ [3] قَيْلٍ [4] قَبْلَ [5] قَيْلٍ [6] قِيْلَ [7] قَيْلٍٍ [8] قِيلَ [9]
قَيْلُ [10] قَيْلٍ [11] قُيِّل [12]

ثم فسَرها هكذا:

[1] [قِيلَ] ماضي مجهول من القول.

[2] [قَيّلْ] أمر من باب التفعيل بمعنى الإعطاء.

[3] [قَيْلَ] اسم بعير.

[4] [قَيْلٍ] اسم رجل والتركيب إضافي.

[5] [قَبْلَ] ظرف.

[6] [قَيْلٍ] أي العصر. والتركيب إضافي.

[7] [قِيْلَ] أي اللبن.

[8] [قَيْلٍ] اسم من أسماء الإبل.

[9] [قِيْلَ] ماض مجهول.

[10] [قَيْلُ] البعير.

[11] [قَيْلٍ] أي ذلك الرجل.

[12] [قُيّلْ] أعطى له اللبن.