313

والحال أنهم حين لم يجدوا أيَّةَ أمارةٍ يستمسكون بها على الرغم من جهودهم لاتهامنا والنَّيل منا، استفادوا في نهاية المطاف من مادَّةٍ قانونيَّةٍ أخذوا بظاهرها وعمومها غيرَ ملتفتين إلى قيودِها الاحترازيَّة، وأرادوا بذلك اتهامنا وإدانتَنا بمسألةٍ لا تُخوِّلهم ذلك، بل لا يقبلها ذو عقل.

أجل، إن المسألة التي سنتناولُها بالبحث، والتي لا يعدُّها أيُّ ذي عقلٍ في الدنيا حقيقةً، والتي سيقول عنها مَن له ذرَّةُ إنصافٍ: إنها محضُ افتراء، هي قولُهم: «إن سعيدًا الكردي يتخذُ الدين أداةً للسياسة»؛ فإليكم دليلًا واحدًا من بين ما يزيد على عشرين دليلًا وردتْ في نحوِ عشرٍ من مرافعاتي المحرَّرة في ضبوطكم، يدحَضُ ما في قولهم ذاك من الاتهام.

فحالي التي سأبيِّنها، والتي أنا على استعدادٍ لإثباتها بشهادةِ مئاتِ الشهود، تنقُض ذلك الاتهام من أساسه، وهي أنه ثابتٌ بمشاهدةِ أهالي قرية «بارلا» التي أقمتُ بها تسع سنين، وبشهادات أصحابي في «إسبارطة» التي أقمتُ بها تسعة أشهر، وبإشهادِ أصحابي الذين يعرفونني عن قرب، أنني لم أقرأ صحيفةً منذُ ثلاثَ عشرةَ سنةً، ولم أستمع إليها، بل لم أطلبها -وهي لسانُ السياسة- حتى إنه لم تتولَّد لديَّ رغبةٌ في قراءة الصحف التي تناولتْ حوادثَ يُظَنُّ أن لها علاقةً بشخصي وأثارتْ فضول الجميع، فلم أقرأها ولم أستقرئها.

أفيُقال: إن سعيدًا يَعمِد إلى رسائل النور، وهي التي تَبيَّن بالتدقيقات العميقة للحكومة أن جميع مسائلها -باستثناء خمسَ عشرة مادة- متوجِّهةٌ إلى آخرتي وإيماني وإلى الحقيقة، فيَجعلُ الدينَ بواسطتها أداةً للسياسة؟! أي: يعمِد إلى الدينِ الحقَّ والإيمانَ التحقيقي الذي هو أقدسُ وأسمى حقيقةٍ قدسيَّةٍ عرَفها في الكائنات، فيجعلُه أداةً لمقصِدٍ دنيءٍ عقيمٍ أثيمٍ متقلِّبٍ مهلِكٍ يتسبَّب بضياعِ كثيرٍ من الحقوق كالسياسة!!