578

وبناءً على ما ذكره الذين جالسوه واستمعوا إلى درسه، يمكن القول: إنه مثلما كان درسٌ واحدٌ من دروسه أو مجالسةٌ من مجالساته يغدو وسيلة نجاةٍ لكثيرٍ من الشباب، فإنه كان يغدو كذلك منطلَقًا للقيام بخدمة الرسائل بهمةٍ وتضحية، وهذا ما جرى لأكثر الطلاب الذين حضروا درسَه وتلقَّوا توجيهاته.

ولقد حصل ذات مرةٍ مع أحد الطلاب الذين أرسلهم الأستاذ لخدمة النور في أنقرة أن أصابتْه حالةٌ من اليأس والإحباط بعد أن نظر في أحوال العالَم، فتساءل في نفسه بأسًى: متى سيصغي هؤلاء الناس إلى حقائق النور؟ متى ستنقشع حُجُب الظُّلْمة القاتمة؟ وكيف ستتبدَّد هذه الظلمات المعنوية؟ ولما عاد بعد حينٍ إلى «أميرداغ» والتقى بالأستاذ، قال له هذا المعلِّم الجليل: «إن وظيفتَنا هي خدمة النور، أما التوفيق وتَلَقِّي الناس بالقبول فشأنُ الله عز وجل، ونحن إنما كُلِّفنا بالقيام بوظيفتنا، فلا تقلق ولا تيأس فتقولَ: متى سيصغي هؤلاء الناس إلى رسائل النور؟ بل اعلم يقينًا أن هذه الرسائل هي محلُّ تبريكٍ وتقديرٍ ممن لا يُحَدُّون من سُكَّان الملأ الأعلى؛ فلا أهمية للكثرة، إن القيمة للكيفية لا للكمية، وإن طالبًا واحدًا مخلِصًا متفانيًا يَعدِل ألفًا»؛ وسرعان ما تبدَّد يأسه بهذه الكلمات.

كان الأستاذ في أول الأمر يخرج إلى ضواحي المدينة سيرًا على الأقدام، ثم صار يستعمل العربة، ولم يَركبها يومًا بغير أجرة؛ وكان يسألنا عن ثمن الشيء الذي يريد شراءَه، فنُخبره بثمنِ الكلفة من غير ربح، فكان يعطينا أكثر مما أخبرناه ويقول: لا أرضى إلا أن أدفع ثمنه، إن الطعام المُهدى إليَّ يُمرِضني إن لم أكافِئ عليه، وهذا كذلك، فلا بد أن أدفع ثمنه.

وكان خروجه إلى ضواحي المدينة وتنزُّهُه بين حقولها يقلُّ في الشتاء ويكثر في باقي الفصول، كانت المدينة منبسطةً من جهاتها الأربع، وثمة أماكن كثيرةٌ قد اتخذ منها