23
أولًا: يَتهم أهلُ الضلالة أهلَ العلم بأنهم يتخذون العلم مغنمًا، ويهاجمونهم بتَجَنٍّ قائلين: إنهم يجعلون العلم والدين وسيلةً للتكسُّب؛ وبناءً على هذا يَلْزَم تكذيب هؤلاء عمليًّا.
ثانيًا: إننا لكي ننشر الحق لا بد لنا من اتباع منهج الأنبياء، وشأن مَن ينشر الحق أن يُعلِن استغناءه عن الناس قائلًا كما أخبر القرآن الحكيم: ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾، ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ [يونس:72]. اهـ.
وهكذا فالفتوحات الإلهية التي غدَتْ كلياتُ رسائل النور مظهرًا لها، ما هي إلا مثالٌ فريدٌ ونتيجةٌ رائعةٌ للثبات البطولي على مسلك الأنبياء عليهم السلام؛ ومن هذا المنطلق استطاع الأستاذ أن يحافظ على عِزَّته العلمية كألماسٍ ثمين.
فرجلٌ لم يقع في إسَارِ الراتب والرُّتبة والثروة وغيرِها من صنوفِ المنافع المادية والشخصية التي وقع الناسُ أسرى لها، كيف لا يكون فاتحًا للقلوب؟! وكيف لا تمتلئ النفوس المؤمنة من فيضِه ونورِه؟!

 اقتصادُه:

ليس الاقتصاد سوى تفسيرٍ وإيضاحٍ للاستغناء الذي تحدثنا عنه، ولا سبيل لدخول قصر الاقتصاد إلا من باب الاستغناء، ولهذا نرى العلاقة بينهما علاقةَ اللازم والملزوم.
وإنّ مجاهدًا كالأستاذ اتخذ الأنبياءَ أسوةً له في الاستغناء، سيكونُ الاقتصاد عنده خَصلةً فطريةً، فيكفيه لِقُوْتِ يومه عندئذٍ كأسُ ماءٍ مع قطعةِ خبزٍ وقليلٍ من الحساء؛ ذلك أن هذا الإنسان العظيم كما قال الشاعر الفرنسي الكبير المُنْصِف لامارتين: «لا يعيش ليأكل، بل يأكل ليعيش».
وبعد أن وقفنا على جوانب وافيةٍ من مَشرَب الأستاذ ومَسلكه، فلست أرى أن نقيس اقتصاده الرفيع في مجرد أمورٍ بسيطةٍ كالطعام والشراب، بل اقتصاد هذا الرجل العظيم حريٌّ بأن يُقاس في ميدان المعنويات، لا أنْ يُقتَصَر به على الأمور المادية.