ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ

  ﻭﻫﻮ ﺍلإﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊ

  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 ﴿ﻓﺂﻣِﻨُﻮﺍ ﺑﺎﻟﻠّﻪ ﻭﺭَﺳُﻮﻟﻪِ ﺍﻟﻨﺒﻲّ ﺍلأﻣﻲّ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﺆﻣِﻦُ ﺑِﺎﻟﻠّﻪِ ﻭَﻛَﻠِﻤَﺎﺗﻪِ ﻭَﺍﺗَّﺒِﻌﻮﻩُ ﻟَﻌَﻠّﻜُﻢ ﺗَﻬﺘَﺪُﻭﻥ﴾ (ﺍلأﻋﺮﺍﻑ:158)

 ﴿ﻳُﺮﻳﺪُﻭﻥَ ﺃﻥْ ﻳُﻄﻔِﺌُﻮﺍ ﻧُﻮﺭَ ﺍﻟﻠﻪ ﺑِأﻓﻮﺍﻫِﻬﻢ ﻭَﻳَﺄﺑَﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺇلا ﺃﻥْ ﻳُﺘِﻢ ﻧُﻮﺭَﻩُ ﻭَﻟَﻮ ﻛَﺮِﻩَ ﺍﻟﻜﺎﻓِﺮﻭُﻥ﴾ (ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ:32)

  ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺳﺒﻊ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ، ﻛﺘﺐ ﺟﻮﺍﺑﺎً ﻋﻦ ﺛـلاﺛﺔ ﺃﺳﺌﻠﺔ، ﻭﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍلأﻭﻝ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺃﺭﺑﻊ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ.

  ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍلأﻭﻟﻰ

ﺇﻥ ﻣﺴﺘﻨﺪَ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﺎﻭﻟﻮﻥ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﻭﺗﺒﺪﻳﻠﻬﺎ، ﻭﺣﺠﺘَﻬﻢ ﻧﺎﺑﻌﺔٌ ﻣﻦ ﺗﻘﻠﻴﺪ ﺍلأﺟﺎﻧﺐ ﺗﻘﻠﻴﺪﺍً ﺃﻋﻤﻰ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﻔﺎﺳﺪﺓ. ﻓﻬﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ:

«ﺇﻥَّ ﺍﻟﻤﻬﺘﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﻟﻨﺪﻥ، ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺩﺧﻠﻮﺍ ﻓﻲ ﺣﻈﻴﺮﺓ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻣﻦ ﺍلأﺟﺎﻧﺐ ﻳﺘﺮﺟﻤﻮﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺍلأﺫﺍﻥ ﻭﺍلإﻗﺎﻣﺔ ﻟﻠﺼـلاﺓ، ﺇﻟﻰ ﺃﻟﺴﻨﺘﻬﻢ، ﻭﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺑـلاﺩﻫﻢ، ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلإﺳـلاﻣﻲ ﺇﺯﺍﺀ ﻋﻤﻠﻬﻢ ﻫﺬﺍ ﺳﺎﻛﺖ، لا ﻳﻌﺘﺮﺽ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻓﺈﺫﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺟﻮﺍﺯ ﺷﺮﻋﻲ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻬﻢ ﻫﺬﺍ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺠﻌﻠﻬﻢ ﻳﻠﺰﻣﻮﻥ ﺍﻟﺼﻤﺖ ﺇﺯﺍﺀﻩ!».

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﻇﺎﻫﺮ ﺟﺪﺍً، ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﺄﻥ ﺫﻱ ﺷﻌﻮﺭ ﺗﻘﻠﻴﺪﻫﻢ، ﻭﻗﻴﺎﺱ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ. لأﻥَّ ﺑـلاﺩ ﺍلأﺟﺎﻧﺐ ﻳُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﻟﺴﺎﻥ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺤﺮﺏ . ﻓﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻟﻬﺎ ﺟﻮﺍﺯ ﺷﺮﻋﻲ ﻓﻲ «ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺤﺮﺏ»، ﻭلا ﻣﺴﺎﻍ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ «ﺩﺍﺭ ﺍلإﺳـلاﻡ».

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺑـلاﺩ ﺍلإﻓﺮﻧﺞ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﻘﻮﺓ ﺍﻟﻨﺼﺮﺍﻧﻴﺔ ﻭﺷﻮﻛﺘﻬﺎ. ﻓﻠﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺤﻴﻂ ﻳﻠﻘّﻦ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻣﺎ ﻳﺸﻴﻊ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻭﻣﻌﺎﻧﻲ ﺍلاﺻﻄـلاﺣﺎﺕ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ، ﻟﺬﺍ ﻓﺒﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺭُﺟّﺤﺖ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻘﺪﺳﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍلأﻟﻔﺎﻅ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﺃﻱ ﺗُﺮﻛﺖ ﺍلأﻟﻔﺎﻅُ ﺣﻔﺎﻇﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ، ﺃﻱ ﺃُﺧﺘﻴﺮ ﺃﺧﻒ ﺍﻟﻀﺮﺭﻳﻦ، ﻭﺃﻫﻮﻥ ﺍﻟﺸﺮﻳﻦ.

ﺃﻣﺎ ﻓﻲ «ﺩﺍﺭ ﺍلإﺳـلاﻡ»؛ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﻳﺮﺷﺪ ﻭﻳﻠﻘﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍلإﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﺇﺫ ﺇﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﺭﺍﺕ، ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺣﻮﻝ ﺍلأﻋﺮﺍﻑ ﻭﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍلإﺳـلاﻣﻲ، ﻭﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﻋﺎﻣﺔ، ﻭﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻛﺎﻓﺔ ﺗﻠﻘّﻦ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻤﺠﻤﻠﺔ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ لأﻫﻞ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ. ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﻣﻌﺎﺑﺪَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒـلاﺩ ﻭﻣﺪﺍﺭﺳَﻬﺎ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺷﻮﺍﻫﺪ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﺮ، ﺗﺆﺩﻱ ﻣﻬﻤﺔ ﻣﻠﻘّﻦ ﻭﻣﻌﻠّﻢ ﺗُﺬﻛّﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ. ﻓﻴﺎ ﺗﺮﻯ ﺇﻥَّ ﻣَﻦ ﻳﻌﺪّ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺴﻠﻤﺎً، ﻭﻳﺘﻌﻠﻢ ﻳﻮﻣﻴﺎً ﺧﻤﺴﻴﻦ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍلأﺟﻨﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ؛ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﺘﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﺳﻨﺔ ﻣﺎ ﻳﻜﺮﺭﻫﺎ ﻛﻞ  ﻭﻡ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﻣﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﺃﻣﺜﺎﻝ (ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻭلا ﺇﻟﻪ ﺇﻟّﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ) ﺃلا ﻳﺘﺮﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﺃﺩﻧﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﺑﺨﻤﺴﻴﻦ ﻣﺮﺓ؟ ﺃلا ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ لا ﺗُﺤﺮّﻑ، ﻭلا ﺗُﺘﺮﺟﻢ، ﻭلا ﺗُﻬﺠَﺮ لأﺟﻞ ﻫﺆلاﺀ ﺍلأﻧﻌﺎﻡ!. ﺑﻞ ﺇﻥ ﻫﺠﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻭﺗﺤﺮﻳﻔﻬﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺇﻟّﺎ ﻧﻘﺾ ﻟﺸﻮﺍﻫﺪ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ ﻛﻠّﻬﺎ ﻭﺗﺴﻮﻳﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﺮﺍﺏ ﻭﺇﻋﺮﺍﺽ ﻋﻦ ﺍلأﺟﺪﺍﺩ، ﻭﺇﻫﺎﻧﺔ ﻟﻬﻢ، ﻭﺍﺗﺨﺎﺫﻫﻢ ﺃﻋﺪﺍﺀﺍً.. ﻭﻋﻠﻴﻪ ﻓﻬﻢ ﻳﺮﺗﻌﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﻗﺒﻮﺭﻫﻢ ﻣﻦ ﻫﻮﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﺮ ﻭﺍلإﻫﺎﻧﺔ.

ﺇﻥَّ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﺴﻮﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﻧﺨﺪﻋﻮﺍ ﺑﺎﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ، ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﺗﻐﺮﻳﺮﺍً ﺑﺎلأﻣﺔ: ﻟﻘﺪ ﻗﺎﻝ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍلأﻋﻈﻢ (ﺃﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﺍﻟﻨﻌﻤﺎﻥ): «ﻳﺠﻮﺯ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺍﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ﺑﺎﻟﻔﺎﺭﺳﻴﺔ، ﺇﻥ ﻭﺟﺪﺕ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ، ﻭﺣﺴﺐ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ، ﻟﻤﻦ لا ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺃﺻـلا، ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﺎﺭ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﺓ». ﻓﺒﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺘﻮﻯ، ﻭﻧﺤﻦ ﻣﺤﺘﺎﺟﻮﻥ، ﻓﻠﻨﺎ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﻧﻘﺮﺃﻫﺎ ﺑﺎﻟﺘﺮﻛﻴﺔ.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥَّ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺋﻤﺔ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ -ﺳﻮﻯ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍلأﻋﻈﻢ- ﻭﺍلأﺋﻤﺔ ﺍلاﺛﻨﻰ ﻋﺸﺮ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ، ﻛﻠَّﻬﻢ ﻳﻔﺘﻮﻥ ﺧـلاﻑَ ﻓﺘﻮﻯ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻫﺬﻩ. ﻭﺇﻥ ﺍﻟﺠﺎﺩﺓ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﺍلإﺳـلاﻣﻲ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻠﻜﻬﺎ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍلأﺋﻤﺔ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﻛﻠُّﻬﻢ. ﻓﺎلأﻣﺔ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ لا ﺗﺴﻴﺮ ﺇﻟّﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﺩﺓ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ. ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻳﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺴﻮﻗﻮﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ ﻭﺿﻴﻘﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻀﻠﻮﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ.

ﺇﻥَّ ﻓﺘﻮﻯ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍلأﻋﻈﻢ، ﻓﺘﻮﻯ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺨﻤﺲ ﺟﻬﺎﺕ:

ﺍلأﻭﻟﻰ: ﺇﻧﻬﺎ ﺗﺨﺺ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻘﺎﻃﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﺑـلاﺩ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﻋﻦ ﻣﺮﻛﺰ «ﺩﺍﺭ ﺍلإﺳـلاﻡ».

  ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﺇﻧﻬﺎ ﻣﺒﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ.

ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ: ﺇﻧﻬﺎ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺘﺮﺟﻤﺘﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺎﺭﺳﻴﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺪ -ﻓﻲ ﺭﻭﺍﻳﺔ- ﻣﻦ ﻟﺴﺎﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ.

ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ: ﺇﻧﻬﺎ ﺣﻜﻢٌ ﺑﺎﻟﺠﻮﺍﺯ ﺧﺼﻴﺼﺎً ﻟﺴﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺎﺗﺤﺔ، ﻟﺌـلا ﻳﺘﺮﻙ ﺍﻟﺼـلاﺓَ ﻣﻦ لا ﻳﻌﺮﻑ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺎﺗﺤﺔ.

ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ: ﻟﻘﺪ ﺃُﻇﻬﺮ ﺍﻟﺠﻮﺍﺯ ﻟﻴﻜﻮﻥ ﺑﺎﻋﺜﺎً ﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﺑﺤﻤﻴﺔ ﺇﺳـلاﻣﻴﺔ ﻧﺎﺑﻌﺔ ﻋﻦ ﻗﻮﺓ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ، ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺇﻥ ﺗﺮﻙَ ﺃﺻﻠﻬﺎ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ، ﻭﺗﺮﺟﻤﺘَﻬﺎ ﺑﺪﺍﻓﻊ ﺍﻟﻬﺪﻡ ﺍﻟﻨﺎﺷﺊ ﻣﻦ ﺿﻌﻒ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ، ﻭﺍﻟﻨﺎﺑﻊ ﻣﻦ ﻓﻜﺮ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻨﻔﻮﺭ ﻣﻦ ﻟﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ -ﺍﻟﻨﺎﺟﻤﺔ ﻣﻦ ﺿﻌﻒ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ- ﻣﺎ ﻫﻮ ﺇﻟّﺎ ﺩﻓﻊ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻋﻠﻴﻪ.

  ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﺇﻥَّ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﺪﻋﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻐﻴّﺮﻭﻥ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔَ، ﻃﻠﺒﻮﺍ ﺃﻭلا ﻓﺘﻮﻯ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﺴﻮﺀ ﻟﺘﺴﻮﻳﻎ ﻋﻤﻠﻬﻢ. ﻓﺪﻟّﻮﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺘﻮﻯ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻴّﻨﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻓﺘﻮﻯ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺨﻤﺴﺔ ﻭﺟﻮﻩ.

ﺛﺎﻧﻴﺎً: ﺇﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﺪﻋﺔ ﻗﺪ ﺍﺳﺘﻮﺣَﻮﺍ ﻓﻜﺮﺍً ﻣﺸﺆﻭﻣﺎً ﻣﻦ ﺍلاﻧﻘـلاﺑﻴﻴﻦ ﺍلأﺟﺎﻧﺐ، ﻭﻫﻮ:

ﺇﻥ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﺠﺒْﻬﺎ ﻣﺬﻫﺐ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ. ﻓﺎﻟﺘﺰﻡ ﺍﻟﺜﻮﺍﺭ ﻭﺍلاﻧﻘـلاﺑﻴﻮﻥ ﻭﺍﻟﻔـلاﺳﻔﺔ ﻗَﺒْﻞَ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﺬﻫﺐ ﺍﻟﺒﺮﻭﺗﺴﺘﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺪّ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺪﻉ ﻭﺍلاﻋﺘﺰﺍﻝ، ﺣﺴﺐ ﻣﺬﻫﺐ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ، ﻭﻗﺪ ﺍﺳﺘﻔﺎﺩﻭﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ، ﻓﻬﺪﻣﻮﺍ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ، ﻭﺃﻋﻠﻨﻮﺍ ﺍﻟﺒﺮﻭﺗﺴﺘﺎﻧﻴﺔ.

ﻓﺄﺩﻋﻴﺎﺀ ﺍﻟﺤَﻤﻴﺔ ﻫﻨﺎ، ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒـلاﺩ، ﻭﻗﺪ ﺍﻋﺘﺎﺩﻭﺍ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍلأﻋﻤﻰ، ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: «ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍلاﻧﻘـلاﺏ ﻗﺪ ﺣﺪﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ﺍﻟﻨﺼﺮﺍﻧﻴﺔ، ﻭﻗﺪ ﻋُﺪّ ﺍلاﻧﻘـلاﺑﻴﻮﻥ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍلأﻣﺮ ﻣﺮﺗﺪﻳﻦ، ﺛﻢ ﻗُﺒﻠﻮﺍ ﺃﻳﻀﺎً ﻧﺼﺎﺭﻯ، ﻓﻴﻤﻜﻦ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺍلإﺳـلاﻡ ﺃﻳﻀﺎً ﺍﻧﻘـلاﺏ ﺩﻳﻨﻲ ﻛﻬﺬﺍ».

 ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﻔﺮﻕَ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﺃﻇﻬﺮ ﻣﻤﺎ ﻓﻲ ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍلأﻭﻟﻰ، لأﻥ: ﺍلأﺳﺲَ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺼﺮﺍﻧﻴﺔ ﻗﺪ ﺃﺧﺬﺕ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﻋﻦ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﺮﻭﻉ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻗﺪ ﻭﺿﻌﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭﻳﻴﻦ، ﻭﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﺮﺅﺳﺎﺀ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﻴﻦ، ﻭﺃﺧﺬ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ. لأﻥ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ، ﻟﻢ ﻳَﺘﻮﻝَّ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻭﺍﻟﺴﻠﻄﺔ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺮﺟﻌﺎً ﻟﻠﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ، ﻓﻠﺬﻟﻚ ﺃﺧﺬﺕ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻌﺮﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻨﺼﺮﺍﻧﻴﺔ، ﻭﻛﺄﻥ ﺃﺳﺲ ﺩﻳﻨﻪ ﻗﺪ ﺃُﻟﺒﺴﺖ ﺛﻴﺎﺑﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻭﺃُﻋﻄﻴﺖ ﻟﻬﺎ ﺻﻮﺭﺓ ﺃﺧﺮﻯ. ﻓﻠﻮ ﺑُﺪّﻟﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻭﻏُﻴّﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺜﻴﺎﺏ ﻓﺈﻥ ﺃﺳﺲ ﺩﻳﻨﻪ لا ﺗﺘﺒﺪﻝ. ﻭلا ﻳﺆﺩﻱ ﻫﺬﺍ ﺍلأﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﺗﻜﺬﻳﺒﻪ ﻭﺇﻧﻜﺎﺭﻩ.

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﻫﻮ ﻓﺨﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺳﻴﺪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ، ﻭﺃﺻﺒﺢ ﻛﻞٌّ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﻭﺍﻟﻐﺮﺏ ﻭﺍلأﻧﺪﻟﺲ ﻭﺍﻟﻬﻨﺪ ﻋﺮﺷﺎً ﻣﻦ ﻋﺮﻭﺵ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ، ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻧﻪ صلى الله عليه وسلم ﻗﺪ ﺑﻴﻦ -ﺑﺬﺍﺗﻪ- ﺃﺳﺲَ ﺍلإﺳـلاﻡ، ﻓﺈﻥ ﻓﺮﻭﻉ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺩﺳﺎﺗﻴﺮ ﺃﺣﻜﺎﻣﻪ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺃﺻﻐﺮ ﺃﻣﺮ ﺟﺰﺋﻲ ﻣﻦ ﺁﺩﺍﺑﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺗﻰ ﺑﻪ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﺒﺮ ﻋﻨﻪ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻪ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍلأﻣﻮﺭَ ﺍﻟﻔﺮﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﻟﺒﺎﺱٍ ﻭﺛﻴﺎﺏ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﻐﻴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺘﺒﺪﻳﻞ. ﺑﺤﻴﺚ ﻟﻮ ﺑﺪّﻟﺖ ﻟﻈﻠﺖ ﺃﺳﺲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺛﺎﺑﺘﺔ، ﺑﻞ ﺇﻧﻬﺎ ﺟﺴﺪ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﺲ ﻭﻓﻲ ﺍلأﻗﻞ ﺟﻠﺪﻫﺎ. ﺇﺫ ﻗﺪ ﺍﻣﺘﺰﺟﺖ ﻭﺍﻟﺘﺤﻤَﺖ ﻣﻌﻬﺎ ﺑﺤﻴﺚ لا ﺗﻘﺒﻞ ﺍﻟﺘﻔﺮﻳﻖ ﻭﺍﻟﻔﺼﻞ. ﻭﺃﻥ ﺗﺒﺪﻳﻠﻬﺎ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺗﻜﺬﻳﺐ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻭﺇﻧﻜﺎﺭﻩ.

ﺃﻣﺎ ﺍﺧﺘـلاﻑ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﻓﻘﺪ ﻧﺸﺄ ﻣﻦ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻴّﻨﻬﺎ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ. ﻭﺍﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ «ﺍﻟﻤُﺤﻜﻤﺎﺕ» ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ، ﻓـلا ﺗﻘﺒﻞ ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻞ، ﻭلا ﺍﻟﺘﺒﺪﻳﻞ ﻗﻄﻌﺎً ﺑﺄﻱ ﺻﻮﺭﺓ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭ، ﻭﻟﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩ ﺃﺑﺪﺍً. ﻓﻤﻦ ﺑﺪّﻟﻬﺎ ﻓﻘﺪ ﺧﺮﺝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﻛﺎﻥ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ: «ﻳﻤﺮﻗﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻛﻤﺎ ﻳﻤﺮﻕ ﺍﻟﺴﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺱ».

ﺇﻥَّ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﺪﻉ لأﺟﻞ ﺗﺒﺮﻳﺮ ﺇﻟﺤﺎﺩﻫﻢ، ﻭﺧﺮﻭﺟﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﺠﺪﻭﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺳﻴﻠﺔ، ﺇﺫ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: «ﻟﻘﺪ ﺷُﻦّ ﻫﺠﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺴﺲ ﻭﺍﻟﺮﺅﺳﺎﺀ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﻴﻦ ﻭﻣﺬﻫﺐ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ، ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺬﻫﺒﻬﻢ ﺍﻟﺨﺎﺹ، ﻭﺗﻢ ﺗﺨﺮﻳﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺬﻫﺐ ﻓﻲ ﺃﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺩﺕ ﺇﻟﻰ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ. ﺛﻢ ﺍﺳﺘﺼﻮﺏ ﻫﺠﻮﻣﻬﻢ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ، ﻭﺗﺮﻗﻰ ﺍلإﻓﺮﻧﺞ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻛﺜﻴﺮﺍً!».

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ -ﻛﺴﺎﺑﻘﻪ- ﻓﺮﻕ ﻇﺎﻫﺮ ﺟﺪﺍً، لأﻥ ﺍﻟﻨﺼﺮﺍﻧﻴﺔ، ﻭلا ﺳﻴﻤﺎ ﻣﺬﻫﺐ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ﻗﺪ ﺍﺳﺘﻐﻠﻪ ﺭﺟﺎلاﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺧﻮﺍﺹ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻛﺄﺩﺍﺓ ﻟﻠﺘﺤﻜﻢ ﻭﺍلاﺳﺘﺒﺪﺍﺩ. ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﺨﻮﺍﺹ ﻳﺪﻳﻤﻮﻥ ﻧﻔﻮﺫﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻮﺳﺎﻃﺔ. ﺣﺘﻰ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﺴﺤﻖ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻬﻤﻢ ﻭﺍﻟﺤﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﺳﻢ؛ (ﺍﻟﻔﻮﺿﻮﻳﻴﻦ ﻭﺍﻟﺪﻫﻤﺎﺀ)، ﻭﺑﺎﺗﺖ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﺴﺤﻖ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺩﻋﺎﺓ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺘﺼﺪﻭﻥ لاﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﺍﻟﺨﻮﺍﺹ ﻭﻣﻈﺎﻟﻤﻬﻢ. ﺑﻞ ﻗﺪ ﻋُﺪّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺬﻫﺐ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﺳﻠﺐ ﺭﺍﺣﺔ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺑﺚ ﺍﻟﻔﻮﺿﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﻓﻲ ﺑـلاﺩ ﺍلإﻓﺮﻧﺞ ﻃﻮﺍﻝ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺭﺏ ﺃﺭﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ، ﻟﺬﺍ ﻫﻮﺟﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺬﻫﺐ ﺑﺎﺳﻢ ﻣﺬﻫﺐ ﺁﺧﺮ ﻟﻠﻨﺼﺮﺍﻧﻴﺔ لا ﺑﺎﺳﻢ ﺍلإﻟﺤﺎﺩ. ﻭﻧﻤﺎ ﺍﻟﺴﺨﻂ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﺀ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﺪﻯ ﻃﺒﻘﺔ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ﻭﻟﺪﻯ ﺍﻟﻔـلاﺳﻔﺔ، ﺣﺘﻰ ﻭﻗﻌﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ.

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻓﻲ ﺍلإﺳـلاﻡ، لا ﻳﺤﻖ لأﻱ ﻣﻈﻠﻮﻡ ﻛﺎﻥ، ﻭلا لأﻱ ﻣﻔﻜﺮ ﻛﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﺸﻜﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻱ (ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻭﺍﻟﺴـلاﻡ) ﻭﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ، لأﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ لا ﻳﺴﺨﻄﻬﻢ ﺑﻞ ﻳﺤﻤﻴﻬﻢ، ﻭﻫﺬﺍ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍلإﺳـلاﻡ ﺑﻴﻦ ﺃﻳﺪﻳﻨﺎ، ﻓﻠﻢ ﺗﺤﺪﺙ ﺻﺮﺍﻋﺎﺕ ﺩﻳﻨﻴﺔ ﻃﻮﺍﻝ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺳﻮﻯ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺃﻭ ﺣﺎﺩﺛﺘﻴﻦ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺳﺒّﺐ ﺍﻟﻤﺬﻫﺐ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ ﺛﻮﺭﺍﺕ ﺩﺍﺧﻠﻴﺔ ﺩﺍﻣﺖ ﺃﺭﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺢ ﺣﺼﻨﺎً ﺣﺼﻴﻨﺎً ﻟﻠﻌﻮﺍﻡ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻨﻪ ﻟﻠﺨﻮﺍﺹ، ﺇﺫ لا ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﺨﻮﺍﺹ ﻣﺴﺘﺒﺪﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ﺑﻞ ﻳﺠﻌﻠﻬﻢ ﺧﺎﺩﻣﻴﻦ ﻟﻬﻢ -مـﻥ ﺟﻬﺔ- ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻮﺟﻮﺏ ﺍﻟﺰﻛﺎﺓ ﻭﺗﺤﺮﻳﻢ ﺍﻟﺮﺑﺎ. ﺇﺫ ﻳﻘﻮﻝ: (ﺧﻴﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻧﻔﻌﻬﻢ ﻟﻠﻨﺎﺱ).. (سيد القوم خادمهم).

ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻪ ﻳﺴﺘﺸﻬﺪ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﻳﻨﺒﻬﻪ ﺑﺈﺣﺎﻟﺔ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍلأﻣﻮﺭ -ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ- ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﻭﻳﺤﺜﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺪﺑﺮ ﻭﺍﻟﻤـلاﺣﻈﺔ. ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ﺃﻓـلا ﻳﻌﻘﻠﻮﻥ.. ﺃﻓـلا ﻳﺘﺪﺑﺮﻭﻥ.. ﻟﻌﻠﻬﻢ ﻳﺘﻔﻜﺮﻭﻥ﴾ ﻓﻴﻤﻨﺢ لأﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺃﺭﺑﺎﺏ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﺑﻬﺬﺍ ﻣﻘﺎﻣﺎً ﺭﻓﻴﻌﺎً ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﻳﻮﻟﻴﻬﻢ ﺃﻫﻤﻴﺔً ﺧﺎﺻﺔ، ﻓـلا ﻳﻌﺰِﻝ ﺍﻟﻌﻘﻞَ، ﻭلا ﻳﺤﺠﺮ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻮﻝ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﻳﻜﻤّﻢ ﺃﻓﻮﺍﻫَﻬﻢ، ﻭلا ﻳﻄﻠﺐ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍلأﻋﻤﻰ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺬﻫﺐ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ.

ﺇﻥَّ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﻟﻨﺼﺮﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﺓ -لا ﺍﻟﻨﺼﺮﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﺤﻘﺔ- ﻭﺃﺳﺎﺱ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻳﻔﺘﺮﻗﺎﻥ ﻓﻲ ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻬﻤﺔ، ﻟﺬﺍ ﻳﺴﻠﻚ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻃﺮﻳﻘﺎً ﻣﻐﺎﻳﺮﺓً ﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍلآﺧﺮ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ ﺍﻟﺸﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎﻟﻔﺮﻭﻕ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ. ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﻫﻲ:

ﺇﻥَّ ﺍلإﺳـلاﻡ ﺩﻳﻦ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ، ﻳﺴﻘﻂ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻂ ﻭﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻭﻳﻬﻮّﻥ ﻣﻦ ﺷﺄﻥ ﺃﻧﺎﻧﻴﺔ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻣﺆﺳﺴﺎً ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔَ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ. ﻓﻴﻘﻄﻊ ﺩﺍﺑﺮَ ﻛﻞِّ ﻧﻮﻉٍ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺎﺕ ﺍﻟﺒﺎﻃﻠﺔ، ﻭﻳﺮﻓﻀﻬﺎ ﺭﻓﻀﺎً ﺑﺎﺗﺎً ﺑﺪﺀﺍً ﻣﻦ ﺭﺑﻮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ. ﻟﺬﺍ ﻟﻮ ﺃﺻﺒﺢ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﺨﻮﺍﺹ ﻣﺘﻘﻴﺎً، لاﺿﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﺗﺮﻙ ﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻐﺮﻭﺭ. ﻭﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺘﺮﻙ ﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻐﺮﻭﺭ ﻳﺘﺮﺍﺥ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺪﻳﻦ، ﺑﻞ ﻳﺪﻉ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺭ ﺍﻟﺪﻳﻦ.

ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺼﺮﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﺓ، ﻓﻠﻘﺪ ﺍﺭﺗﻀﺖ ﻋﻘﻴﺪﺓَ ﺍﻟﺒُﻨﻮﺓ، ﻟﺬﺍ ﺗﻌﻄﻲ ﻟﻠﻮﺳﺎﺋﻂ ﻭﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺗﺄﺛﻴﺮﺍً ﺣﻘﻴﻘﻴﺎً، ﻭلا ﺗﻘﺎﻭﻡ ﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔَ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﺑﻞ ﺗﻤﻨﺢ ﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺪﺍﺳﺔ، ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﻭﻛﻴﻞ ﻣﻘﺪﺱ ﻋﻦ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ. ﻭلأﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺧﻮﺍﺹ ﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﻐﻠﻮﻥ ﺃﺭﻓﻊ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺎﺕ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻣﺘﺪﻳﻨﻴﻦ ﺗﺪﻳﻨﺎً ﻛﺎﻣـلا، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻭﻥ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ: (ﻭﻟﺴﻦ) ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍلأﺳﺒﻖ لأﻣﺮﻳﻜﺎ، ﻭ(ﻟﻮﻳﺪ ﺟﻮﺭﺝ) ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﻮﺯﺭﺍﺀ ﺍلأﺳﺒﻖ لإﻧﻜﻠﺘﺮﺍ. ﻓﻬﺆلاﺀ ﺃﺻﺒﺤﻮﺍ ﻣﺘﺪﻳﻨﻴﻦ ﻛﺄﻱ ﻗَﺲٍ ﻣﺘﻌﺼﺐ ﻟﺪﻳﻨﻪ.

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻧﺎﺩﺭﺍً ﻣﺎ ﻳﻈﻞ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻠﺠﻮﻥ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺻـلاﺑﺘﻬﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ، ﻭﻗﻠﻤﺎ ﻳﻜﻮﻧﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﻭﺍﻟﺼـلاﺡ، ﻟﻌﺪﻡ ﺗﺮﻛﻬﻢ ﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻐﺮﻭﺭ، ﻭﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ لا ﺗﺠﺘﻤﻊ ﻭﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻐﺮﻭﺭ.

ﻧﻌﻢ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺗﻌﺼﺐَ ﺧﻮﺍﺹ ﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﺑﺪﻳﻨﻬﻢ، ﻭﺗﻬﺎﻭﻥ ﺧﻮﺍﺹ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﺪﻳﻨﻬﻢ، ﻳﺒﻴﻦ ﻓﺮﻗﺎً ﻣﻬﻤﺎً؛ ﻛﺬﻟﻚ ﺍﺗﺨﺎﺫ ﺍﻟﻔـلاﺳﻔﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺑﺮﺯﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺼﺮﺍﻧﻴﺔ ﻃﻮﺭَ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺽ ﺃﻭ ﺍلإﻫﻤﺎﻝ ﻟﺪﻳﻨﻬﻢ، ﻭﺑﻨﺎﺀ ﺃﻏﻠﺐ ﺍﻟﺤﻜﻤﺎﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻇﻬﺮﻭﺍ ﻓﻲ ﺍلإﺳـلاﻡ ﺣﻜﻤﺘﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺲ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﻕ ﻣﻬﻢ ﺃﻳﻀﺎً.

ﺛﻢ ﺇﻥَّ ﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻋﺎﻧﻮﺍ ﺍﻟﺒـلاﻳﺎ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻭﻗﻀﻮﺍ ﺷﻄﺮﺍً ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﻮﻥ، ﻟﻢ ﻳﻨﺘﻈﺮﻭﺍ ﺍﻟﻌﻮﻥَ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﻟﻢ ﻳﺮﺟﻮﺍ ﻣﻨﻪ ﺷﻴﺌﺎً. ﻓﻜﺎﻥ ﺃﻛﺜﺮﻫﻢ -ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ- ﻳﻀﻠﻮﻥ ﻭﻳﻠﺤﺪﻭﻥ. ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺍﻟﺜﻮﺍﺭ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻭﻗﺪﻭﺍ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ (ﺍﻟﺪﻫﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﻮﺿﻮﻳﻮﻥ) ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻫﻢ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ﺍﻟﻤﻨﻜﻮﺑﻴﻦ.

ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺍلإﺳـلاﻡ، ﻓﺈﻥ ﺍلأﻛﺜﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻣﻤﻦ ﺃﻓﻨﻮﺍ ﻋﻤﺮﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﻮﻥ ﻭﻗﺎﺳﻮﺍ ﺍﻟﺒـلاﻳﺎ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻳﻨﺘﻈﺮﻭﻥ ﺍﻟﻌﻮﻥ ﻭﺍﻟﻤﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﻞ ﻳﺼﺒﺤﻮﻥ ﻣﺘﺪﻳﻨﻴﻦ.

ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﻕٍ ﺁﺧﺮ ﻣﻬﻢٍ ﺃﻳﻀﺎً.