324

ومع أن الأسس المتينة لحكومةِ الجمهورية هي ضدُّ أمثال هؤلاء الملحدين، إلا أن بعضَ مبادئها ألبِسَتْ ثوبَ الإلحاد، ثم جِيْءَ إلى مدافعاتي العلميَّة، التي انتصرتْ منذ عشرين سنةً للوطن والأمة والحكومة على هؤلاء المفسدين، ففُسِّرتْ بأنها «تتخذ الدين أداةً للسياسة، وتحرِّض على الحكومة»، فأيُّ إنصافٍ يقبَل هذا، وأيُّ ضميرٍ يرضاه؟!

نعم، إنني أعلن لا أمام هذه المحكمة فحسب، بل أمام العالَم أجمع، أنني دافعتُ وما زلت أدافع عن الحقائق القدسية الإيمانية في مواجهة فلاسفة أوروبا، خصوصًا الملحدين منهم، وبالأخص مَن يتخذون السياسة أداةً للكفر والإلحاد، ويُخِلُّون بالأمن معنويًّا.

إنني أعلَم أن حكومة الجمهوريَّة حكومةٌ مسلمة، لا تُفسِح المجال للتيارات الإلحادية التي تضرُّ الوطن والشعب، وإنما قَبِلتْ بعض القوانين المدنيَّة لضرورات الزمان.

لن أخاطب المحقِّقين الذين يؤدون وظيفتهم فيما يتعلق بلائحة الادعاء المسمَّاة لائحة القرار، وإنما أخاطب الظَّلَمة الملحدين، وأردُّ على مكائدهم وأوهامهم التي استند إليها المحقِّقون، فأقول:

إنكم تتهمونني بجعْلِ الدين أداةً للسياسة، وإنني أتهمكم مقابلَ هذه الفرية الشنيعة بأنكم تريدون جَعْل السياسة أداةً للإلحاد، وفضلًا عن هذا فإني أُثبِت بمئةِ دليلٍ قطعيٍّ أن اتهامكم هذا افتراءٌ ظاهرٌ وباطلٌ لا أصل له.

ولقد كان في زمانٍ ما ملكٌ ذو دهاءٍ ومكر، يرتكبُ بِنيَّةِ العدالةِ مظالمَ كثيرة، فقال له عالِمٌ محقِّق: أيها الحاكم، إنك تظلِم رعيَّتَك باسم العدالة؛ إذْ تَجمَعُ بنظرك الناقدِ المحتالِ مساوئَ متفرِّقةً في أزمنةٍ متباعدة، فتتصوَّرُها واقعةً في زمانٍ واحد، فتُنْزِل بصاحبها العقابَ الشديد.