79

﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ [الطارق:9] خَرَجَت الحقائق من قبرِ القلب متجرِّدةً، فلا يَنظُرنَّ إليها غيرُ ذي مَحْرَم؛ إنني متهيِّئٌ للآخرة بكمال الاشتياق.. مستعدٌّ للرحيل مع هؤلاء المشنوقين.

أرأيتم لو أن بدويًّا مُولَعًا بالغرائب، سَمِع عن عجائب اسطنبول ومحاسنها دون أن يراها، كيف يكون شوقه إليها وتلهُّفه لرؤيتها؟ فأنا الآن مثلُ ذلك البدوي، أريد أن أرى عالَمَ الآخرةِ مَعرِضَ العجائب والغرائب بمثل تلك اللهفة؛ أَلا إن نفيي إلى هناك ليس عقابًا، فعذِّبوني إن استطعتم عذابًا وجدانيًّا، وإلا فليس ما سواه عندي بعذاب، بل هو شرفٌ لي.

لقد كانت هذه الحكومة تخاصم العقلَ أيَّامَ الاستبداد، وهي اليوم تعادي الحياة، فإذا كانت الحكومة هكذا، فليعش الجنون.. وليعش الموت.. ولتعش جهنم للظَّالمين.

إنني لطالما كنتُ أبحث عن أرضيَّةٍ أبيِّن من خلالها أفكاري، وها هي المحكمة العسكرية العرفية تغدو أرضيَّةً مناسبةً لهذا الأمر؛ لقد استُجوِبْتُ كما استُجوِبَ الجميعُ بدايةً، وسُئِلتُ: وأنت أيضًا تطالب بالشريعة؟!

فقلتُ لهم: إنني مستعدٌ لأنْ أقدِّم ألف روحٍ لي -لو وُجِدَتْ- فداءً لحقيقةٍ واحدةٍ من حقائق الشريعة، لأن الشريعة هي سبب السعادة، وهي العدالة المحضة، وهي الفضيلة، غير أني لا أطالب بها كما يطالب المتمرِّدون.

وسألوني أيضًا: أأنت منضمٌّ للاتحاد المحمدي؟

فأجبتُ: أنا بكل فخرٍ من أصغر أفراده، لكن على الوجه الذي بيَّنتُه.. أروني مَن ليس من أبناء هذا الاتحاد سوى الملحدين؟!

فها أنَذا أنشر ذلك الاستجواب الآن لأُنقِذَ المَشْرُوطِيّة من التُّهمة، ولأُنقِذَ أهلَ الشريعة من اليأس، ولأُنقِذَ أهلَ هذا العصر من تهمة الجنونِ والجهلِ في نظر التاريخ، ولأُنقِذَ الحقيقة من الأوهام والشبهات؛ وها أنَذا أبدأ: