102

والأدباء أصحابُ أدبٍ فيما أعلم، لكنني أرى بعض الصُّحُف عديمةِ الأدب تنشر الأحقاد، فإذا كان الأدب هكذا، وإذا كان الرأي العام مشوَّشًا مضطربًا إلى هذه الدرجة، فاشهدوا أنني قد تخلَّيتُ عن هذا الأدب، وألَّا علاقة لي به؛ ولسوف أُطالع ألواحَ العالَم وأجرامَه على قمة «باشيد» في أعالي جبال بلدي بدلًا من مطالعة هذه الصُّحُف.

فضلُ الإله بنا يسمو ويرفعُنا
قِدْمًا غَنِينا به عن كلِّ حادثةٍ
نحن المجانينُ لا ليلى ووُصلتَها

عن كلِّ أعطيةٍ جوفاءَ تُغرينا
فما رَنَتْ للسِّوى يَومًا أمانينا
نبغي، ولا ذِكرَها كنا مُرجِّينا

تنبيه: إن استقالتي من المدنية ستُقْلِقُكم.

أجل، إنني أُفضِّل حياة البداوة على هذه المدنيَّة الممزوجة بالذُّلِّ والرذيلة والاستبداد؛ فهذه المدنيَّة تجعل الناس فقراء بلا أخلاق، منغمسين في اللهو والرذيلة؛ أما المدنية الحقيقية فتخدم رُقيَّ النوع الإنساني وكمالَه، وتُخرِج ماهيَّتَه النوعيَّة من حيِّزِ القوة إلى حيِّزِ الفعل، وطَلَبُها بهذا الاعتبار طَلَبٌ للإنسانيَّة.

ثم إن سبب افتتاني بمعنى المَشْرُوطِيّة ومحبتي لها هو أن الباب الأول لرقيِّ آسيا والعالَم الإسلامي مستقبلًا إنما هو المَشْرُوطِيّة المشروعة والحريَّة ضمن دائرة الشريعة.

وإن مفتاح سعادةِ الإسلام وعزَّتِه وحُسْنِ طالعِه ليس إلا في الشورى التي في المَشْرُوطِيّة، ذلك أنه حتى هذه اللحظة يرزح ثلاثُمئةٍ وسبعون مليون مسلمٍ تحت استبداد الأجانب المعنوي، فإن سادتْ حاكميةُ الإسلام في العالَم اليوم، خصوصًا في آسيا، كان لكلِّ فردٍ مسلمٍ جزءٌ حقيقيٌّ من الحاكمية؛ والحرية هي الحل الوحيد لإنقاذ ثلاثِمئةٍ وسبعين مليون مسلمٍ من الأَسْر، فلو فرضنا -مُحالًا- تضرُّرَ عشرين مليون شخصٍ هنا في سبيل تأسيس الحريَّة، فليكن هذا فداءً لها، نعطي عشرين ونأخذ ثلاثَمئة.