ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩِ﴾

     [ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﻋـلاﺝٌ ﻣﻬﻢ، ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺩُﺭﻳﺮﺍﺕ ﺃُﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﺧﺰﺍﺋﻦ ﻋﻈﻤﻰ لآﻳﺎﺕ ﺃﺭﺑﻊ ﻛﺮﻳﻤﺎﺕ].

   ﺃﺧﻲ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ!

ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻗﺪ ﺩﺭّﺱ ﻧﻔﺴﻲ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞَ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺍلأﺭﺑﻊ ﻓﻲ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ. ﻛﺘﺒﺘﻬﺎ ﻟﻤﻦ ﺷﺎﺀ ﻣﻦ ﺇﺧﻮﺍﻧﻲ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻏﺒﻮﻥ ﺃﻥ ﻳﺄﺧﺬﻭﺍ ﺣﻈﺎً ﺃﻭ ﺩﺭﺳﺎً ﻣﻨﻬﺎ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺗﺒﻴﻦ ﺩُﺭﻳﺮﺍﺕ ﻣﻦ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ لأﺭﺑﻊ ﺁﻳﺎﺕ ﻛﺮﻳﻤﺎﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ، ﻭﻟﻜﻞ ﻣﺒﺤﺚ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺒﺎﺣﺚ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﻭﻓﺎﺋﺪﺗﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ.

   ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺍلأﻭﻝ

ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ﺇﻥّ ﻛﻴﺪَ ﺍﻟﺸّﻴﻄﺎﻥ ﻛﺎﻥ ﺿَﻌﻴﻔﺎً﴾ (ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ:76)

ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍلآﻳﺴﺔَ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﺍﻟﻮﺳﺎﻭﺱ ﻭﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ!

ﺇﻥَّ ﺗﺪﺍﻋﻲ ﺍﻟﺨﻴﺎلاﺕ، ﻭﺗﺨﻄّﺮ ﺍﻟﻔﺮﺿﻴﺎﺕ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﺭﺗﺴﺎﻡٍ ﻏﻴﺮ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻱ، ﻭﺍلاﺭﺗﺴﺎﻡ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺁﺗﻴﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺎﺕ، ﻳﺴﺮﻱ ﺣُﻜﻢُ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﻭﻣﺜﺎﻟﻪ، ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ ﻣﺎ. ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﻨﺘﻘﻞ ﺿﻮﺀُ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺣﺮﺍﺭﺗُﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ. ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍلاﺭﺗﺴﺎﻡ ﺻﺎﺩﺭﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻜﺜﻴﻒ، ﻓـلا ﻳﺴﺮﻯ ﺣﻜﻢُ ﺍلأﺻﻞ ﻭﺧﺎﺻﻴﺘُﻪ ﺇﻟﻰ ﺻﻮﺭﺗﻪ، ﻭلا ﺇﻟﻰ ﻣﺜﺎﻟﻪ. ﻛﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻨﺠﺲ ﻭﺍﻟﻘﺬﺍﺭﺓ، ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻟﻴﺴﺖ ﻧﺠﺴﺔً ﻭلا ﻗﺬﺭﺓ. ﻭﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺤﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ لا ﺗﻠﺪﻍ.

ﻭﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ: ﺇﻥ ﺗﺼﻮّﺭ ﺍﻟﻜﻔﺮَ ﻟﻴﺲ ﻛﻔﺮﺍً، ﻭﺗﺨﻴّﻞ ﺍﻟﺸﺘﻢ ﻟﻴﺲ ﺷﺘﻤﺎً، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺑـلا ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ، ﻭﻛﺎﻥ ﺗﺨﻄﺮﺍً ﻓﺮﺿﻴﺎً، ﻓـلا ﺿﺮﺭ ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﺍلإﻃـلاﻕ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﻗﺒﺢ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻭﻧﺠﺎﺳﺘَﻪ ﻭﻗﺬﺍﺭﺗَﻪ ﻫﻮ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﻨﻬﻲ ﺍلإﻟﻬﻲ، ﺣﺴﺐ ﻣﺬﻫﺐ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ، ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍلأﻣﺮ ﺧﺎﻃﺮٌ ﻓﺮﺿﻲ، ﻭﺗﺪﺍﻉٍ ﺧﻴﺎﻟﻲ، ﺑـلا ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﻭلا ﺭﺿﻰ، ﻓـلا ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ ﺍﻟﻨﻬﻲُ ﺍلإﻟﻬﻲ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓـلا ﻳﻜﻮﻥ ﺍلأﻣﺮ ﻗﺒﻴﺤﺎً ﻭلا ﻗﺬﺭﺍً ﻭلا ﻧﺠﺴﺎً ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺻﻮﺭﺓً ﻟﻘﺒﻴﺢٍ ﻭﻗﺬﺭٍ ﻭﻧﺠﺲ.

   ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﺛﻤﺮﺓ ﺃﻳﻨﻌﺖ ﻓﻲ ﻣﺮﻋﻰ ﺟﺒﻞ ﻓﻲ «ﺑﺎﺭلا»، ﺗﺤﺖ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺼﻨﻮﺑﺮ ﻭﺍﻟﻘﻄﺮﺍﻥ ﺃُﺩﺭﺟﺖ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ».

   ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺑﻌﺪﻫﺎ، ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺍلأﻣﺜﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻴّﻦ ﻋَﺠﺰ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺇﺯﺍﺀ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ». ﻭﻫﻤﺎ ﻣﺜﺎلاﻥ ﻣﻦ ﺃﻟﻮﻑ ﺍلأﻣﺜﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺜﺒﺖ ﻣﺪﻯ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍلإﺟﺤﺎﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻟﻠﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺎﻟﻒ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ.

ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﴿ﻓﻠﻠﺬﻛﺮ ﻣﺜﻞُ ﺣﻆِّ ﺍلاﻧُﺜﻴﻴﻦ﴾ (ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ:176) ﻣﺤﺾُ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻭﻋﻴﻦُ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻋﺪﺍﻟﺔٌ؛ لأﻥَّ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻜﺢ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻳﺘﻜﻔﻞ ﺑﻨﻔﻘﺘﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍلأﻛﺜﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻬﻲ ﺗﺘﺰﻭﺝ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﺗﺬﻫﺐ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﺗﺤﻤِّﻞ ﻧﻔﻘﺘَﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﺘـلاﻓﻲ ﻧﻘﺼَﻬﺎ ﻓﻲ ﺍلإﺭﺙ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺭﺣﻤﺔٌ؛ لأﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﻨﺖ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﻣﺤﺘﺎﺟﺔ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺇﻟﻰ ﺷﻔﻘﺔ ﻭﺍﻟﺪﻫﺎ ﻭﻋﻄﻔِﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺇﻟﻰ ﺭﺣﻤﺔ ﺃﺧﻴﻬﺎ ﻭﺭﺃﻓﺘﻪ ﺑﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﺗﺠﺪ، ﺣﺴﺐ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻭﺍﻟﺪﻫﺎ ﻭﻋﻄﻔﻪ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﺪّﺭﻫﺎ ﺣﺬﺭ، ﺇﺫ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﺍﻟﺪُﻫﺎ ﻧﻈﺮﺓ ﻣﻦ لا ﻳﺨﺸﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﺿﺮﺭﺍً، ﻭلا ﻳﻘﻮﻝ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎً ﻓﻲ ﺍﻧﺘﻘﺎﻝ ﻧﺼﻒِ ﺛﺮﻭﺗﻲ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺟﺎﻧﺐ ﻭﺍلأﻏﻴﺎﺭ. ﻓـلا ﻳﺸﻮﺏ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔَ ﻭﺍﻟﻌﻄﻒَ ﺍلأﺑﻮﻱ ﺍﻟﺤﺬﺭُ ﻭﺍﻟﻘﻠﻖُ.

ﺛﻢ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﺮﻯ ﻣﻦ ﺃﺧﻴﻬﺎ ﺭﺣﻤﺔً ﻭﺣﻤﺎﻳﺔ لا ﻳﻌﻜّﺮﻫﺎ ﺣﺴﺪٌ ﻭلا ﻣﻨﺎﻓﺴﺔ، ﺇﺫ لا ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺃﺧﻮﻫﺎ ﻧﻈﺮ ﻣَﻦ ﻳﺠﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻨﺎﻓﺴﺎً ﻟﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺒﺪﺩ ﻧﺼﻒ ﺛﺮﻭﺓ ﺃﺑﻴﻬﻤﺎ ﺑﻮﺿﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﻳﺪ ﺍلأﺟﺎﻧﺐ. ﻓـلا ﻳﻌﻜﺮ ﺻﻔﻮَ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺣﻘﺪٌ ﻭﻛﺪﺭ.

ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻟﺒﻨﺖُ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺍﻟﺮﻗﻴﻘﺔ ﻓﻄﺮﺓً، ﻭﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔُ ﺍﻟﻨﺤﻴﻔﺔ ﺧﻠﻘﺔً، ﺗﻔﻘﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺷﻴﺌﺎً ﻗﻠﻴـلا ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮ ﺍلأﻣﺮ. ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻜﺴﺐ -ﺑﺪلا ﻣﻨﻪ- ﺛﺮﻭﺓً لا ﺗﻔﻨﻰ ﻣﻦ ﺷﻔﻘﺔ ﺍلأﻗﺎﺭﺏ ﻭﻋﻄﻔﻬﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺭﺣﻤﺘﻬﻢ ﺑﻬﺎ. ﻭﺇﻟّﺎ ﻓﺈﻥ ﺇﻋﻄﺎﺀﻫﺎ ﻧﺼﻴﺒﺎً ﺃﻛﺜﺮَ ﻣﻤﺎ ﺗﺴﺘﺤﻖ ﺑﺰﻋﻢ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺭﺣﻤﺔً ﻓﻲ ﺣﻘﻬﺎ ﺃﺯﻳﺪ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻟﻴﺲ ﺭﺣﻤﺔ ﺑﻬﺎ ﻗﻂ ﺑﻞ ﻇﻠﻢٌ ﺷﻨﻴﻊ ﻓﻲ ﺣﻘﻬﺎ، ﺭﺑﻤﺎ ﻳﻔﺘﺢ ﺳﺒﻴـلا ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺤﺮﺹ ﺍﻟﻮﺣﺸﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ لاﺭﺗﻜﺎﺏ ﻇﻠﻢ ﺃﺷﻨﻊ، ﻳﺬﻛّﺮ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﻮﺣﺸﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﻮﻟﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﻭﺃﺩﻫﻢ ﺍﻟﺒﻨﺎﺕ. ﻓﺎلأﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﺼﺪّﻕ، ﻛﻤﺎ ﻳﺼﺪّﻕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﻜﻢ، ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ:

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ:107).

   ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ

ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ﻓـلأﻣّﻪ ﺍﻟﺴُﺪُﺱُ﴾ (ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ:١١).

ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ (ﻭﻫﻲ ﺑـلا ﻣﻴﻢ) -ﺃﻱ ﺍﻟﺪﻧﻴّﺔ- ﻛﻤﺎ ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺳﺒﺒﺎً ﻟﻤﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻈﻠﻢ (ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ) ﻓﻲ ﺣﻖ ﺍﻟﺒﻨﺎﺕ ﺑﺈﻋﻄﺎﺋﻬﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﺴﺘﺤﻖ، ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻘﺘﺮﻑ ﻇﻠﻤﺎً ﺃﺩﻫﻰ ﻭﺃﻧﻜﻰ ﺑﺤﻖ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﺍﺕ ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺤﺮﻣﺎﻧﻬﻦ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻗﻬﻦ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺷﻔﻘﺔ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﺓ ﻭﺣﻨﺎﻧَﻬﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﻟﻄﻒُ ﺟﻠﻮﺓ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻞ ﺃﻟﺬُّﻫﺎ ﻭﺃﺟﺪﺭﻫﺎ ﺑﺎلاﺣﺘﺮﺍﻡ، ﺃﺳﻤﻰ ﻭﺃﻛﺮﻡ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ.

ﻭﺍﻟﻮﺍﻟﺪﺓ ﻫﻲ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﺃﻛﺮﻡُ ﺻﺪﻳﻘﺔ ﻋﺰﻳﺰﺓ ﻭﺃﺭﺣﻢُ ﻣﻀﺤﻴﺔ، ﺑﻞ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﻀﺤﻲ ﺑﺪﻧﻴﺎﻫﺎ ﻭﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻭﺭﺍﺣﺘﻬﺎ ﻟﻮﻟﺪﻫﺎ، ﺑﺪﺍﻓﻊ ﻣﻦ ﺣﻨﺎﻧﻬﺎ ﻭﻋﻄﻔﻬﺎ. ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺍﻟﺪﺟﺎﺟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺃﺑﺴﻂ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍلأﻣﻮﻣﺔ، ﻭﺗﺤﻤﻞ ﺑﺼﻴﺼﺎً ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ، لا ﺗﺘﺮﺩﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﺠﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﻠﺐ ﻭﺍﻟﺼﻮﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺳﺪ ﺩﻓﺎﻋﺎً ﻋﻦ ﻓﺮﺍﺧﻬﺎ، ﺭﻏﻢ ﺧﻮﻓﻬﺎ ﻭﺟﺒﻨﻬﺎ.

ﻓﺤﺮﻣﺎﻥ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﻮﻱ ﺟﻮﺍﻧﺤﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰﺓ ﻭﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ، ﻣﻦ ﺗﺮﻛﺔ ﻭﻟﺪﻫﺎ، ﻇﻠﻢٌ ﻣﺮﻳﻊ ﻭﻋﻤﻞ ﺇﺟﺮﺍﻣﻲ، ﻭﺇﻫﺎﻧﺔٌ ﺑﺤﻘﻬﺎ، ﻭﻛﻔﺮﺍﻥُ ﻧﻌﻤﺔ ﺇﺯﺍﺀ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺮﺓ ﺑﺎﻟﺘﻮﻗﻴﺮ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻬﺘﺰ ﻟﻬﺎ ﻋﺮﺵُ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ. ﻭﻓﻮﻕ ﺫﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﺩﺱّ ﻟﻠﺴﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﻳﺎﻕ ﺍﻟﻨﺎﻓﻊ ﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳُﺪﺭﻙ ﻫﺬﺍ ﻭﺣﻮﺵُ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪّﻋﻮﻥ ﺧﺪﻣﺘﻬﺎ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﻴﻦ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﻴﻦ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﺃﻥ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ﻓـلأﻣّﻪ ﺍﻟﺴُﺪُﺱُ﴾ (ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ:١١). ﻋﻴﻦُ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻣﺤﺾُ ﺍﻟﻌﺪﻝ.

 ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻫﻮ الباقي

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ