القسم الرابع

قَسْطَمونو

حياته في قَسْطَمونو

[مدينة «قَسْطَمونو» مركزُ ولايةٍ تقع في شَمال غربيِّ تركيا، وتبعد عن ساحل البحر الأسود نحو مئة كيلومتر؛ هـ ت]

[نيسان/أبريل 1936 م – أيلول/سبتمبر 1943م]

بعد أن خرج بديع الزمان سعيد النُّورْسِيّ من سجن «أسكي شَهِر»، نُفي إلى مدينة «قسطمونو» حيث احتُجِز مدةً طويلةً في مخفرٍ للشرطة، ثم وُضِع تحت الإقامة الجبرية الدائمة في منزلٍ يقع مقابلَ ذلك المخفر تمامًا.

ومع أنه أُكره على أن يقضي هناك ثماني سنوات منفيًّا تحت رقابةٍ صارمة واستبدادٍ شديد الوطأة، إلا أنه لم يقف مكتوف اليدين، بل تابع نشر الأنوار القرآنية خُفيةً، فنشأ طلابٌ يتَّقدون نشاطًا وفداءً لا سيما في منطقة «إينه بولو»، [مدينةٌ صغيرةٌ تُطل على البحر الأسود، وتَتْبع إداريًّا لولاية «قسطمونو»؛ هـ ت] شرعوا يعملون بحماسٍ كطلبةِ «إسبارطة» في كتابة رسائل النور ونشرها في النواحي والأطراف سِرًّا، حتى أخذت تلقى إقبالًا كبيرًا في منطقة البحر الأسود.

ورغم طول مدةِ النفي التي قضاها الأستاذ في «قسطمونو»، إلا أنه لم ينقطع عن طلابه في «إسبارطة»، فقد كان يعلم بإلهامٍ ربَّانيٍّ أن هذه المدينة ستُخرِّج القسم الأعظم من الرجال المُضحِّين المتفانين والناشرين الذين سيتولَّون مهمةَ الإعلان عن رسائل النور ونشرها في أنحاء العالم، أو أن هذه المهمة ستؤدى من خلال الخدمة الجليلة القائمة في مركز «إسبارطة».

وكان تلاميذ رسائل النور شديدي الاهتمام بأحوال أستاذهم الحبيب المشفق، شديدي الحرص على راحته، توَّاقين على الدوام لمعرفة أخباره وأخبار خدمات رسائل النور التي يقوم بها إخوانهم النوريُّون.

وقد جَرَت بين بديع الزمان سعيد النُّورْسِيّ وبين طلاب النور مراسلاتٌ كثيرةٌ خلال سبعٍ وعشرين سنةً، فكان يكتب إليهم رسائلَ كثيرةً تتعلق بالخدمة الإيمانية، وتتناول موضوعاتٍ علميةً وإيمانيةً وإسلاميةً، وكانوا يتلقونها ببالغ الشوق، وينشرونها كتابةً بخط اليد.