ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻣﻘﺎﻣﻴﻦ

   ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍلأﻭﻝ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ (ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ:25)

﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (ﺍﻟﺤﺸﺮ:21)

    ﺍﺳﺘﺤﻢّ ﺷﺨﺼﺎﻥ ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﻓﻲ ﺣﻮﺽ ﻛﺒﻴﺮ، ﻓﻐﺸﻴَﻬﻤﺎ ﻣﺎ لا ﻃﺎﻗﺔ ﻟﻬﻤﺎ ﺑﻪ ﻓﻔﻘﺪﺍ ﻭَﻋﻴَﻬﻤﺎ. ﻭﻣﺎ ﺇﻥ ﺃﻓﺎﻗﺎ ﺣﺘﻰ ﻭﺟَﺪﺍ ﺃﻧﻬﻤﺎ ﻗﺪ ﺟِﻲﺀ ﺑﻬﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟَﻢٍ ﻏﻴﺮ ﻋﺎﻟَﻤﻬﻤﺎ، ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﻋﺠﻴﺐ، ﻭﻋﺠﻴﺐ ﻓﻴﻪ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ. ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﻓﺮﻁ ﺍﻧﺘﻈﺎﻣﻪ ﺍﻟﺪﻗﻴﻖ ﻛﺄﻧﻪ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻣﻨﺴّﻘﺔ ﺍلأﻃﺮﺍﻑ، ﻭﻣﻦ ﺭﻭﻋﺔ ﺟﻤﺎﻟﻪ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﺪﻳﻨﺔٍ ﻋﺎﻣﺮﺓ، ﻭﻣﻦ ﺷﺪﺓ ﺗﻨﺎﺳﻖ ﺃﺭﻛﺎﻧﻪ ﺑﺤﻜﻢ ﻗﺼﺮ ﺑﺪﻳﻊ. ﻭﺑﺪَﺀَﺍ ﻳﻨﻈﺮﺍﻥ ﺑﻠﻬﻔﺔٍ ﻓﻴﻤﺎ ﺣﻮﻟﻬﻤﺎ ﻭﻗﺪ ﺍﻣﺘـلاﺀﺍ ﺣَﻴﺮﺓً ﻭﺇﻋﺠﺎﺑﺎ ﺑﻤﺎ ﺭﺃﻳﺎ ﺃﻣﺎﻣَﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﻋﻈﻴﻢ ﺣﻘﺎ؛ ﺇﺫ ﻟﻮ ﻧُﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐٍ ﻣﻨﻪ ﻟﺸﻮﻫﺪﺕ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ، ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﻧُﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﺁﺧﺮ ﻟﺘﺮﺍﺀﺕ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺍﻟﺠﻮﺍﻧﺐ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﻧُﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﺁﺧﺮ ﻓﺈﺫﺍ ﻫﻮ ﺑﻘﺼﺮ ﻋﻈﻴﻢ ﺷﺎﻫﻖ ﻳﻀﻢ ﻋﺎﻟَﻤﺎ ﻣﻬﻴﺒﺎ.. ﻭﻃﻔﻘﺎ ﻳﺘﺠﻮلاﻥ ﻣﻌﺎ ﻓﻲ ﺃﺭﺟﺎﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ ﻓﻮﻗﻊ ﻧﻈﺮُﻫﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻳﺘﻜﻠﻤﻮﻥ ﺑﻜـلاﻡ ﻣﻌﻴﻦ لا ﻳﻔﻘﻬﺎﻧﻪ، ﺇلا ﺃﻧﻬﻤﺎ ﺃﺩﺭﻛﺎ ﻣﻦ ﺇﺷﺎﺭﺍﺗﻬﻢ ﻭﺗﻠﻮﻳﺤﺎﺗﻬﻢ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﺆﺩﻭﻥ ﺃﻋﻤﺎلا ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻭﻳﻨﻬﻀﻮﻥ ﺑﻮﺍﺟﺒﺎﺕ ﺟﻠﻴﻠﺔ.

ﻗﺎﻝ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ للآﺧﺮ: لاﺷﻚ ﺃﻥ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ ﻣﺪﺑّﺮﺍ ﻳﺪﺑّﺮ ﺷﺆﻭﻧَﻪ، ﻭﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﻣﺎﻟﻜﺎ ﻳﺮﻋﺎﻫﺎ، ﻭﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ ﺳﻴﺪﺍ ﻳﺘﻮﻟﻰ ﺃﻣﻮﺭﻫﺎ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺍﻟﻤﻨﻴﻒ ﺻﺎﻧﻌﺎ ﺑﺪﻳﻌﺎ ﻗﺪ ﺃﺑﺪﻋﻪ، ﻓﺄﺭﻯ ﻟﺰﺍﻣﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺴﻌﻰ ﻟﻤﻌﺮﻓﺘﻪ، ﺇﺫ ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻧﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺪ ﺃﺗﻰ ﺑﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻫﺎﻫﻨﺎ، ﻭﻟﻴﺲ ﺃﺣﺪ ﻏﻴﺮﻩ. ﻓﻠﻮ ﻟﻢ ﻧﻌﺮﻓﻪ ﻓﻤَﻦ ﺫﺍ ﻏﻴﺮﻩُ ﻳُﺴﻌﻔﻨﺎ ﻭﻳُﻐﻴﺜﻨﺎ ﻭﻳﻘﻀﻲ ﺣﻮﺍﺋﺠﻨﺎ ﻭﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ؟ ﻓﻬﻞ ﺗﺮﻯ ﺑﺼﻴﺺَ ﺃﻣﻞٍ ﻧﺮﺟﻮﻩ ﻣﻦ ﻫﺆلاﺀ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰﻳﻦ ﺍﻟﻀﻌﻔﺎﺀ ﻭﻧﺤﻦ لا ﻧﻔﻘﻪ ﻟﺴﺎﻧَﻬﻢ ﻭلا ﻫﻢ ﻳﺼﻐﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻛـلاﻣﻨﺎ؟. ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻌﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻣﻨﺴﻘﺔ ﻭﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔِ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺭﺍﺋﻌﺔ ﻭﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻗﺼﺮ ﺑﺪﻳﻊ، ﻭﺟﻌﻠﻪ ﻛﻨﺰﺍ ﻟﺨﻮﺍﺭﻕ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، ﻭﺟﻤّﻠﻪ ﺑﺄﻓﻀﻞ ﺯﻳﻨﺔ ﻭﺃﺭﻭﻉ ﺣُﺴﻦ، ﻭﺭﺻّﻊ ﻧﻮﺍﺣﻴﻪ ﻛﻠّﻬﺎ ﺑﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﻣﻌﺒّﺮﺓ ﺣﻜﻴﻤﺔ.. ﺃﻗﻮﻝ: ﺇﻥ ﺻﺎﻧﻌﺎ ﻟﻪ ﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﻭﺍﻟﻬﻴﺒﺔ ﻭﻗﺪ ﺃﺗﻰ ﺑﻨﺎ -ﻭﺑﻤَﻦ ﺣﻮﻟﻨﺎ- ﺇﻟﻰ ﻫﺎﻫﻨﺎ، لاﺷﻚ ﺃﻥ ﻟﻪ ﺷﺄﻧﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ. ﻓﻮَﺟَﺐ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺃﻥ ﻧﻌﺮﻓَﻪ ﻣﻌﺮﻓﺔً ﺟﻴﺪﺓ ﻭﺃﻥ ﻧﻌﻠﻢ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﻣﻨﺎ ﻭﻣﺎﺫﺍ ﻳﻄﻠﺐ؟

ﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﺻﺎﺣﺒﻪ: ﺩﻉ ﻋﻨﻚ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜـلاﻡ. ﻓﺄﻧﺎ لا ﺃﺻﺪّﻕ ﺃﻥ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﺃﺣﺪﺍ ﻳﺪﻳﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ!

ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ: ﻣﻬـلا ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺒﻲ! ﻫـلا ﺃﻋَﺮﺗﻨﻲ ﺳﻤﻌَﻚ! ﻓﻨﺤﻦ ﻟﻮ ﺃﻫﻤﻠﻨﺎ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﻓـلا ﻧﻜﺴﺐ ﺷﻴﺌﺎ ﻗﻂ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺇﻫﻤﺎﻟﻨﺎ ﺿﺮﺭ ﻓﻀﺮﺭُﻩ ﺟﺪّ ﺑﻠﻴﻎ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﺳﻌَﻴﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻲ ﺳﻌﻴﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﻣﺸﻘﺔ ﻭلا ﻧﻠﻘﻰ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺋﻪ ﺧﺴﺎﺭﺓً، ﺑﻞ ﻣﻨﺎﻓﻊَ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻭﻋﻈﻴﻤﺔ. ﻓـلا ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻨﺎ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﻧﺒﻘﻰ ﻣُﻌﺮِﺿﻴﻦ ﻫﻜﺬﺍ ﻋﻦ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ.

ﻭﻟﻜﻦ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺍﻟﻐﺎﻓﻞ ﻗﺎﻝ: ﺃﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﻣﻌﻚ ﻓﻲ ﻛـلاﻣﻚ ﻫﺬﺍ. ﻓﺄﻧﺎ ﺃﺟﺪ ﺭﺍﺣﺘﻲ ﻭﻧﺸﻮَﺗﻲ ﻓﻲ ﻋﺪﻡ ﺻﺮﻑ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ، ﻭﻓﻲ ﻋﺪﻡ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎ ﺗﺪّﻋﻴﻪ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ. ﻓـلا ﺃﺭﻯ ﺩﺍﻋﻴﺎ ﺃﻥ ﺃﺟﻬﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻴﻤﺎ لا ﻳﺴﻌُﻪ ﻋﻘﻠﻲ. ﺑﻞ ﺃﺭﻯ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻓﻌﺎﻝ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺇلا ﻣﺼﺎﺩﻓﺎﺕ ﻭﺃﻣﻮﺭﺍ ﻣﺘﺪﺍﺧﻠﺔ ﻣﺘﺸﺎﺑﻜﺔ ﺗﺠﺮﻱ ﻭﺗﻌﻤﻞ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ؟ ﻓﻤﺎ ﻟﻲ ﻭﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ؟..

ﻓﺮﺩّ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻌﺎﻗﻞ: ﺃﺧﺸﻰ ﺃﻥ ﻳُﻠﻘﻲ ﺑﻨﺎ ﻋﻨﺎﺩُﻙ ﻫﺬﺍ ﻭﺑﺎلآﺧﺮﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﻣﺼﺎﺋﺐ ﻭﺑـلاﻳﺎ. ﺃﻟَﻢ ﺗُﻬﺪَﻡ ﻣﺪﻥ ﻋﺎﻣﺮﺓ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﺳﻔﺎﻫﺔ ﺷﻘﻲّ ﻭﺃﻓﻌﺎﻝِ ﻓﺎﺳﻖ؟

ﻭﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺍﻧﺒﺮﻯ ﻟﻪ ﺍﻟﻐﺎﻓﻞ ﻗﺎﺋـلا:ﻟﻨﺤﺴﻢ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉَ ﻧﻬﺎﺋﻴﺎ ﻓﺈﻣّﺎ ﺃﻥ ﺗﺜﺒﺖ ﻟﻲ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ لا ﻳﻘﺒﻞ ﺍﻟﺸﻚ ﺑﺄﻥ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﻣﺎﻟﻜﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻭﺻﺎﻧﻌﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﺃﺣﺪﺍ، ﺃﻭ ﺗَﺪَﻋﻨﻲ ﻭﺷﺄﻧﻲ.

ﺃﺟﺎﺑﻪ ﺻﺪﻳﻘﻪ: ﻣﺎ ﺩﻣﺖَ ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺒﻲ ﺗﺼﺮّ ﻋﻠﻰ ﻋﻨﺎﺩﻙ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﺍﻟﺠﻨﻮﻥ ﻭﺍﻟﻬﺬﻳﺎﻥ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﻮﻗﻨﺎ ﻭﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔَ ﺑﻜﺎﻣﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻣﺎﺭ! ﻓﺴﺄﺿﻊ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻚ ﺍﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮَ ﺑﺮﻫﺎﻧﺎ ﺃﺛﺒﺖُ ﺑﻬﺎ ﺃﻥّ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ ﺭﻭﻋﺔَ ﺍﻟﻘﺼﺮ، ﻭﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ ﺍﻧﺘﻈﺎﻡَ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﺻﺎﻧﻌﺎ ﺑﺪﻳﻌﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﺃﺣﺪﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﺑّﺮ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻛﻠَّﻬﺎ. ﻓـلا ﺗﺮﻯ ﻣﻦ ﻓﻄﻮﺭٍ ﻓﻲ ﺷﻲﺀ، ﻭلا ﺗﺮﻯ ﻣﻦ ﻧﻘﺺٍ ﻓﻲ ﺃﻣﺮ. ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊُ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻧﺮﺍﻩ ﻳﺒﺼُﺮﻧﺎ ﻭﻳﺒﺼﺮ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ، ﻭﻳﺴﻤﻊ ﻛـلاﻡ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻓﻜﻞُّ ﺃﻓﻌﺎﻟِﻪ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﻭﺁﻳﺎﺕ ﻭﺧﻮﺍﺭﻕ ﻭﺭﻭﺍﺋﻊ. ﻭﻣﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ لا ﻧﻔﻬﻢ ﺃﻟﺴﻨﺘﻬﻢ ﺇلا ﻣﺄﻣﻮﺭﻭﻥ ﻭﻣﻮﻇﻔﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﻤﻠﻜﺘﻪ.

   ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍلأﻭﻝ

    ﺗﻌﺎﻝَ ﻣﻌﻲ ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺒﻲ ﻟﻨﺘﺄﻣﻞ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﻭﺃﻣﻮﺭ. ﺃلا ﺗﺮﻯ ﺃﻥّ ﻳﺪﺍ ﺧﻔﻴﺔ ﺗﻌﻤﻞ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ؟ ﺃﻭَ لا ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﻣﺎ لا ﻗﻮﺓ ﻟﻪ ﺃﺻـلا ﻭلا ﻳﻘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﺣَﻤﻞ ﻧﻔﺴِﻪ (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﻭﺍﻟﻨﻮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﺃﺷﺠﺎﺭﺍ ﺿﺨﻤﺔ. ﻳﺤﻤﻞ ﺁلاﻑَ ﺍلأﺭﻃﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻤﻞ ﺍﻟﺜﻘﻴﻞ؟ ﺃﻭَ لا ﺗﺸﺎﻫﺪ ﺃﻥّ ﻣﺎ لا ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻟﻪ ﻭلا ﺷﻌﻮﺭ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺄﻋﻤﺎﻝٍ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ؟ (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺳﻴﻘﺎﻥ ﺍﻟﻌﻨﺐ ﻣﺜـلا، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺪ ﺃﻳﺪﻳﻬﺎ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻭﺗﻌﺎﻧﻖ ﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﻟﻀﻌﻔﻬﺎ ﻋﻦ ﺣﻤﻞ ﻋﻨﺎﻗﻴﺪﻫﺎ ﺍﻟﻐﻨﻴﺔ. ﻓﻬﺬﻩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺇﺫﻥ لا ﺗﻌﻤﻞ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔً ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ، ﺑﻞ لاﺑﺪ ﺃﻥّ ﻣﻮﻟﻰً ﻋﻠﻴﻤﺎ، ﻭﺻﺎﻧﻌﺎ ﻗﺪﻳﺮﺍ ﻳﺪﻳﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﺤﺠﺐ. ﺇﺫ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔً ﺑﺬﺍﺗﻬﺎ، ﻭﺃﻣﺮُﻫﺎ ﺑﻴﺪﻫﺎ، ﻟَﻠَﺰﻡ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﻞُّ ﺷﻲﺀ ﻫﻨﺎ ﺻﺎﺣﺐَ ﻣﻌﺠﺰﺓ ﺧﺎﺭﻗﺔ. ﻭﻣﺎ ﻫﺬﻩ ﺇلا ﺳﻔﺴﻄﺔ لا ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻬﺎ!

   ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

    ﺗﻌﺎﻝَ ﻣﻌﻲ ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺒﻲ ﻟﻨﻤﻌﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳّﻦ ﺍﻟﻤﻴﺎﺩﻳﻦ ﻭﺍﻟﺴﺎﺣﺎﺕ، ﻓﻔﻲ ﻛﻞ ﺯﻳﻨﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻣﻮﺭ ﺗﺨﺒﺮﻧﺎ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ ﻭﺗﺪﻟّﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ. ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺳﻜّﺘُﻪ ﻭﺧﺘﻤُﻪ. ﻛﻤﺎ ﺗﺪﻟﻨﺎ ﻃﻐﺮﺍﺀُ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻭﺧﺘﻤُﻪ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩﻩ، ﻭﺗُﻨﺒﺌﻨﺎ ﺳﻜّﺘُﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﻜﻮﻛﺎﺗﻪ ﻋﻦ ﻋﻈﻤﺘﻪ ﻭﻫﻴﺒﺘﻪ. ﻓﺈﻥ ﺷﺌﺖ ﻓﺎﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺟﺪﺍ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻳﻜﺎﺩ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻳﻌﺮﻑ ﻟﻪ ﻭﺯﻧﺎ، (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ، ﻓﺒﺬﻭﺭ ﺍﻟﺒﻄﻴﺦ ﻭﺍﻟﺨﻮﺥ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﺗﻨﺴﺞ ﺃﻭﺭﺍﻗﺎ ﺃﺟﻤﻞ ﻣﻦ ﺃﺟﻮﺩ ﻗﻤﺎﺵ، ﻭﺗﻘﺪﻡ ﻟﻨﺎ ﺛﻤﺎﺭﺍ ﻃﻴﺒﺔ ﻫﻲ ﺃﻟﺬ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻠﻮﻯ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ. ﻗﺪ ﺻﻨﻊ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻤﻮﻟﻰ ﺃﻃﻮﺍلا ﻣﻦ ﻧﺴﻴﺞ ﻣﻠﻮّﻥ ﺑﺄﻟﻮﺍﻥ ﺯﺍﻫﻴﺔ ﻭﻣﺰﺭﻛﺶ ﺑﺰﺧﺎﺭﻑ ﺑﺎﻫﺮﺓ، ﻭﻳُﺨﺮﺝ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﻟﺬّ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻠﻮﻳﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻌﺠﻨﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﺴّﻠﺔ، ﻓﻠﻮ ﻟﺒﺲ ﺁلاﻑ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻟﻨﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﺴﻮﺟﺎﺕ ﻭﺃﻛﻞ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺄﻛﻮلاﺕ ﻟﻤﺎ ﻧﻔﺪﺕ.

ﺛﻢ ﺍﻧﻈﺮ، ﺇﻧّﻪ ﻳﺄﺧﺬ ﺑﻴﺪﻩ ﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﻭﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﺤﻢ ﻭﺍﻟﻨﺤﺎﺱ ﻭﺍﻟﻔﻀﺔ ﻭﺍﻟﺬﻫﺐ ﻭﻳﺼﻨﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻗﻄﻌﺔَ ﻟﺤﻢ. (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺧﻠﻖ ﺟﺴﻢ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ، ﻭﺇﻟﻰ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻄﻔﺔ.

ﻓﻴﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻐﺎﻓﻞ.. ﻫﺬﻩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺍلأﻓﻌﺎﻝ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﺨﺺّ ﻣَﻦ ﺯﻣﺎﻡُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺑﻴﺪﻩ، ﻭﻣَﻦ لا ﻳﻌﺰُﺏ ﻋﻨﻪ ﺷﻲﺀ، ﻭﻛﻞُّ ﺷﻲﺀ ﻣﻨﻘﺎﺩ لإﺭﺍﺩﺗﻪ.

   ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ

    ﺗﻌﺎﻝَ ﻟﻨﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻪ ﺍﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ﺍﻟﻤﺘﺤﺮﻛﺔ. (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻭﺍلإﻧﺴﺎﻥ، لأﻥ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻓﻬﺮﺱ ﻣﺼﻐّﺮ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﺍﻟﻤﺎﻫﻴﺔ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﺜﺎﻝ ﻣﺼﻐﺮ ﻟﻠﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻓﻤﺎ ﻣﻦ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺇلا ﻭﻧﻤﻮﺫﺟﻪ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ. ﻓﻘﺪ ﺻُﻨﻊ ﻛﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺄﻧﻪ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﺼﻐﺮﺓ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﺇﺫ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﻛﻠﻪ. ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳُﺪﺭﺝ ﺃﺣﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﻣﺼﻐّﺮﺍ ﻓﻲ ﻣﺎﻛﻨﺔٍ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻏﻴﺮ ﺻﺎﻧﻌﻪ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ؟ ﺃﻭ ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺮﻯ ﻋﺒﺜﺎ ﺃﻭ ﻣﺼﺎﺩﻓﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟَﻢٍ ﺿُﻢَّ ﺩﺍﺧﻞ ﻣﺎﻛﻨﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ؟

ﺃﻱ ﺇﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺸﺎﻫﺪﻩ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﺋﻦ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺁﻳﺔ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ، ﺑﻞ ﻛﻞ ﻣﺎﻛﻨﺔ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺇﻋـلاﻥ ﻳﻔﺼﺢ ﻋﻦ ﻋﻈﻤﺘﻪ، ﻭﻳﻘﻮﻝ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﻝ: ﻧﺤﻦ ﻣِﻦ ﺇﺑﺪﺍﻉ ﻣَﻦ ﺃﺑﺪﻉ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻛﻤﺎ ﺃﻭﺟﺪَﻧﺎ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ.

   ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ

    ﺃﻳﻬﺎ ﺍلأﺥ ﺍﻟﻌﻨﻴﺪ! ﺗﻌﺎﻝَ ﺃﺭِﻙَ ﺷﻴﺌﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﺇﺛﺎﺭﺓ ﻟـلإﻋﺠﺎﺏ! ﺍﻧﻈﺮ، ﻓﻬﺎ ﻗﺪ ﺗﺒﺪّﻟﺖ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ، ﻭﺗﻐﻴّﺮﺕ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، ﻭﻫﺎ ﻧﺤﻦ ﺃﻭلاﺀ ﻧﺮﻯ ﺑﺄﻋﻴﻨﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺒﺪﻝ ﻭﺍﻟﺘﻐﻴﺮ، ﻓـلا ﺛﺒﺎﺕ ﻟﺸﻲﺀ ﻣﻤﺎ ﻧﺮﺍﻩ ﺑﻞ ﺍﻟﻜﻞ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﻭﻳﺘﺠﺪﺩ.

ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺟﺴﺎﻡ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪﺓ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫَﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ لا ﻧﺮﻯ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻌﻮﺭﺍ، ﻛﺄﻥ ﻛـلا ﻣﻨﻬﺎ ﻗﺪ ﺍﺗﺨﺬ ﺻﻮﺭﺓَ ﺣﺎﻛﻢٍ ﻣﻄﻠﻖ ﻭﺍلآﺧﺮﻭﻥ ﻣﺤﻜﻮﻣﻮﻥ ﺗﺤﺖ ﺳﻴﻄﺮﺗﻪ، ﻭﻛﺄﻥ ﻛـلا ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻛﻠﻬﺎ. ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﻛﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻘﺮﺑﻨﺎ (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﺍﻟﻤﺜﻤﺮﺓ لأﻧﻬﺎ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﺌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺼﺎﻧﻊ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺃﻋﻀﺎﺋﻬﺎ ﺍﻟﺮﻗﻴﻘﺔ ﻓﺘﻨﺴﺞ ﺍلأﻭﺭﺍﻕ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻭﺍلأﺯﻫﺎﺭ ﺍﻟﺰﺍﻫﻴﺔ ﻭﺗُﻨﻀﺞ ﺍﻟﺜﻤﺎﺭ ﺍﻟﻴﺎﻧﻌﺔ ﻭﺗﻘﺪّﻣﻬﺎ ﺇﻟﻴﻨﺎ. ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺃﺷﺠﺎﺭ ﺍﻟﺼﻨﻮﺑﺮ ﺍﻟﺸﺎﻣﺨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺼﺒﺖ ﻣﻌﺎﻣﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﺍﻟﺼﻤﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ. ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺄﻣﺮ ﻓﻴﻬﺮﻉ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻣﺎ ﺗﺤﺘﺎﺟﻪ ﻣﻦ ﻟﻮﺍﺯﻡ ﻟﺰﻳﻨﺘﻬﺎ ﻭﻋﻤﻠﻬﺎ، ﻭﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻟﺬﻱ لا ﺷﻌﻮﺭ ﻟﻪ، (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺒﻮﺏ ﻭﺍﻟﺒﺬﻳﺮﺍﺕ ﻭﺑﻴﻮﺽ ﺍﻟﺤﺸﺮﺍﺕ، ﻓﺘﻀﻊ ﺍﻟﺒﻌﻮﺿﺔ ﻣﺜـلا ﺑﻴﻮﺿﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻭﺭﺍﻕ ﺷﺠﺮﺓ، ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻟﻮﺭﻗﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻬﺎ ﻛﺮﺣﻢ ﺍلأﻡ ﻭﺍﻟﻤﻬﺪ ﺍﻟﻠﻄﻴﻒ، ﻭﺗﻤﺘﻠﺊ ﺑﻐﺬﺍﺀ ﻟﺬﻳﺬ ﻛﺎﻟﻌﺴﻞ. ﻓﻜﺄﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺜﻤﺮﺓ ﺗﺜﻤﺮ ﻛﺎﺋﻨﺎﺕ ﺣﻴﺔ. ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺴﺨِّﺮ ﺑﺈﺷﺎﺭﺓٍ ﺧﻔﻴّﺔ ﻣﻨﻪ ﺃﺿﺨَﻢ ﺟﺴﻢٍ ﻭﺃﻛﺒﺮﻩ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻧﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﻳﺠﻌﻠﻪ ﻃﻮﻉ ﺇﺷﺎﺭﺗﻪ.. ﻭﻗﺲ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﻦ.

ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﺗﻔﻮِّﺽ ﺃﻣﺮَ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻧﺮﺍﻩ، ﻓﻌﻠﻴﻚ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﺗُﺤﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﺼﻨﻮﻉٍ ﻣﺎ ﻟﻠﺒﺪﻳﻊ ﻣﻦ ﺇﺗﻘﺎﻥ ﻭﻛﻤﺎلاﺕ، ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺣﺠﺮﺍ ﺃﻭ ﺗﺮﺍﺑﺎ ﺃﻭ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎ ﺃﻭ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎ ﺃﻭ ﺃﻱ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ.

ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﺍﺳﺘﺒﻌﺪ ﻋﻘﻠُﻚ ﺃﻥ ﺑﺪﻳﻌﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﺃﺣﺪﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻳﺮﻫﺎ، ﻓﻤﺎ ﻋﻠﻴﻚ ﺇلا ﻗﺒﻮﻝ ﻣـلاﻳﻴﻦ ﺍﻟﻤـلاﻳﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺎﻧﻌﻴﻦ ﺍﻟﻤﺒﺪﻋﻴﻦ، ﺑﻞ ﺑﻌﺪﺩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ! ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻧِﺪّ ﻟـلآﺧﺮ ﻭﻣﺜﻴﻠُﻪ ﻭﺑﺪﻳﻠُﻪ ﻭﻣﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻧﻪ! ﻣﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﺘﻘﻦ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ، ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﺪﺧﻞ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻃﻔﻴﻔﺎ ﻭﻣﻦ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﻛﺎﻥ، ﻭﻓﻲ ﺃﻱ ﺃﻣﺮ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ، ﻟﻈﻬﺮ ﺃﺛﺮُﻩ ﻭﺍﺿﺤﺎ، ﺇﺫ ﺗﺨﺘﻠﻂ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻭﺗﺘﺸﺎﺑﻚ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺳﻴِّﺪﺍﻥ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﻣﺤﺎﻓﻈﺎﻥِ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺃﻭ ﺳﻠﻄﺎﻧﺎﻥِ ﻓﻲ ﻣﻤﻠﻜﺔ. ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺤﻜﺎﻡٍ لا ﻳُﻌﺪّﻭﻥ ﻭلا ﻳُﺤﺼَﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻣﻨﺴﻘﺔ ﺑﺪﻳﻌﺔ؟!

   ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ

    ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﺍﻟﻤﺮﺗﺎﺏ! ﺗﻌﺎﻝَ ﻟﻨﺪﻗّﻖْ ﻓﻲ ﻧﻘﻮﺵ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻭَﻟﻨُﻤﻌِﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮَ ﻓﻲ ﺗﺰﻳﻴﻨﺎﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺮﺓ، ﻭﻟﻨﺸﺎﻫﺪ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ، ﻭﻟﻨﺘﺄﻣﻞ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﻤﺘﻘﻨﺔ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ. ﻓﻬﺎ ﻧﺤﻦ ﻧﺮﻯ ﺃﻧﻪ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﻛﺘﺎﺑﺔَ ﻗﻠﻢِ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﺍﻟﺬﻱ لا ﺣﺪّ ﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺗﻪ ﻭﺇﺑﺪﺍﻋﻪ، ﻭﺃﺳﻨﺪﺕ ﻛﺘﺎﺑﺘُﻬﺎ ﻭﻧﻘﺸُﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺷﻌﻮﺭَ ﻟﻬﺎ، ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔ ﺍﻟﻌﻤﻴﺎﺀ، ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺼﻤﺎﺀ، ﻟﻠﺰﻡ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺃﺣﺠﺎﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻭﻋﺸﺒﻬﺎ ﻣﺼﻮّﺭ ﻣﻌﺠِﺰ ﻭﻛﺎﺗﺐ ﺑﺪﻳﻊ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻜﺘﺐ ﺃﻟﻮﻑَ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﻓﻲ ﺣﺮﻑ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳُﺪﺭِﺝ ﻣـلاﻳﻴﻦَ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺘﻘﻨﺔ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﻓﻲ ﻧﻘﺶٍ ﻭﺍﺣﺪ. لأﻧﻚ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻘﺶ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻣﺎﻣﻚ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﺒﻨﺔ (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺛﻤﺮﺓ ﺍﻟﺨﻠﻘﺔ، ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻬﺮﺱ ﺷﺠﺮﺗﻬﺎ ﻭﺑﺮﻧﺎﻣﺠﻬﺎ. ﻓﻤﺎ ﻛﺘﺒﻪ ﻗﻠﻢُ ﺍﻟﻘُﺪﺭﺓ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻗﺪ ﻛﺘﺒﻪ ﻣﺠﻤـلا ﻓﻲ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ ﻗﻠﻢُ ﺍﻟﻘَﺪَﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻗﺪ ﺩَﺭَﺟﻪ ﻓﻲ ﺛﻤﺮﺗﻬﺎ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ. ﻳﻀﻢ ﻧﻘﻮﺵ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻘﺼﺮ، ﻭﻳﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﺃﻧﻈﻤﺘﻬﺎ، ﻭﻳﺘﻀﻤﻦ ﺧﻄﻂ ﺃﻋﻤﺎﻟﻬﺎ. ﺃﻱ ﺇﻥ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ ﻣﻌﺠﺰﺓ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻛﺈﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻓﻜﻞ ﺻﻨﻌﺔ ﺑﺪﻳﻌﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺇلا ﻟﻮﺣﺔُ ﺇﻋـلاﻥٍ ﺗُﻔﺼﺢ ﻋﻦ ﺃﻭﺻﺎﻑ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ، ﻭﻛﻞُّ ﻧﻘﺶ ﺟﻤﻴﻞ ﻫﻮ ﺧﺘﻢ ﻭﺍﺿﺢ ﻣﻦ ﺃﺧﺘﺎﻣﻪ ﺍﻟﺪﺍﻟﺔ ﻋﻠﻴﻪ.

ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻧﻪ لا ﻳﻤﻜﻦ ﻟﺤﺮﻑٍ ﺇلا ﺃﻥ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻛﺎﺗﺒﻪ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻨﻘﺶٍ ﺇلا ﺃﻥ ﻳﻨﺒﺊ ﻋﻦ ﻧﻘﺎﺷﻪ، ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﺫﻥ ﺃلا ﻳﺪﻝ ﺣﺮﻑ ﻛُﺘﺐ ﻓﻴﻪ ﻛﺘﺎﺏ ﻋﻈﻴﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﺎﺗﺒﻪ، ﻭﻧﻘﺶ ﻧُﻘﺸَﺖ ﺃﻟﻮﻑ ﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﻋﻠﻰ ﻧﻘّﺎﺷﻪ؟ ﺃلا ﺗﻜﻮﻥ ﺩلاﻟﺘُﻪ ﺃﻇﻬﺮَ ﻭﺃﻭﺿﺢَ ﻣﻦ ﺩلاﻟﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ؟

   ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ

    ﺗﻌﺎﻝَ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﻟﻨﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﻧﺰﻫﺔ ﻧﺘﺠﻮﻝ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔـلاﺓ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺳﻄﺢ ﺍلأﺭﺽ ﻓﻲ ﻣﻮﺳﻤَﻲ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﻭﺍﻟﺼﻴﻒ. ﺣﻴﺚ ﺗُﺨﻠﻖ ﻣﺌﺎﺕ ﺍلأﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺧﻠﻘﺎ ﻣﺘﺪﺍﺧـلا ﻣﺘﺸﺎﺑﻜﺎ، ﻭﺗُﻜﺘﺐ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺍلأﺭﺽ ﺩﻭﻥ ﺧﻄﺄ ﻭلا ﻗﺼﻮﺭ، ﻭﺗُﺒﺪّﻝ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﻡ، ﻓﺘُﻔﺮﺵ ﺃﻟﻮﻑ ﻣِﻦ ﺿﻴﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ، ﺛﻢ ﺗُﺮﻓﻊ ﻭﺗُﺠﺪﺩ. ﻓﻜﺄﻥ ﻛﻞ ﺷﺠﺮﺓ ﺧﺎﺩﻡ ﻣﻄﻌﻢ، ﻭﻛﻞ ﺑﺴﺘﺎﻥ ﻣﻄﺒﺦ لإﻋﺪﺍﺩ ﺍﻟﻤﺄﻛﻮلاﺕ. ﺍﻟﻤﻔﺮﻭﺷﺔ ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ.. ﻫﺎ ﻫﻮ ﺫﺍ ﺟﺒﻞ ﺃﺷﻢّ، ﺗﻌﺎﻝ ﻟﻨﺼﻌﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻧﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﻃﺮﺍﻑ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ، ﻭﻟﻨﺤﻤِﻞ ﻣﻌﻨﺎ ﻧﻈﺎﺭﺍﺕ ﻣﻜﺒّﺮﺓ ﺗﻘﺮﺏ ﻟﻨﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ ﺃﻧﻈﺎﺭﻧﺎ. ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﻣﺎ لا ﻳﺨﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻝ ﺃﺣﺪ. ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﻭﺍﻟﺴﻬﻮﻝ ﺍﻟﻤﻨﺒﺴﻄﺔ ﻭﺍﻟﻤﺪﻥ ﺍﻟﻌﺎﻣﺮﺓ، ﺇﻧﻪ ﺃﻣﺮ ﻋﺠﻴﺐ ﺣﻘﺎ ﺇﺫ ﻳﺘﺒﺪﻝ ﺟﻤﻴﻌُﻬﺎ ﺩﻓﻌﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺑﻞ ﺇﻥ ﻣـلاﻳﻴﻦ ﺍﻟﻤـلاﻳﻴﻦ ﻣﻦ ﺍلأﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻜﺔ ﺗﺘﺒﺪﻝ ﺗﺒﺪلا ﺑﻜﻞ ﻧﻈﺎﻡ ﻭﺑﻜﻞ ﺗﻨﺎﺳﻖ، ﻓﻜﺄﻥ ﻣـلاﻳﻴﻦ ﺍلأﻃﻮﺍﻝ ﻣﻦ ﻣﻨﺴﻮﺟﺎﺕ ﻣﻠﻮﻧﺔ ﺭﺍﺋﻌﺔ ﺗُﻨﺴﺞ ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.. ﺣﻘﺎ ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺤﻮلاﺕ ﻋﺠﻴﺒﺔ ﺟﺪﺍ. ﻓﺄﻳﻦ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺯﺍﻫﻴﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺑﺘﺴﻤﺖ ﻟﻨﺎ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧِﺴﻨﺎ ﺑﻬﺎ؟.. ﻟﻘﺪ ﻏﺎﺑﺖْ ﻋﻨﺎ، ﻭﺣﻠّﺖ ﻣﺤﻠَّﻬﺎ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻬﺎ ﺻﻮﺭﺓً، ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻣﺎﻫﻴﺔ. ﻭﻛﺄﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻬﻮﻝ ﺍﻟﻤﻨﺒﺴﻄﺔ ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﺍﻟﻤﻨﺼﻮﺑﺔ ﺻﺤﺎﺋﻒُ ﻛﺘﺎﺏ ﻳُﻜﺘﺐ ﻓﻲ ﻛﻞٍّ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺘﺐ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﺩﻭﻥ ﺳﻬﻮ ﺃﻭ ﺧﻄﺄ ﺛﻢ ﺗُﻤﺴﺢ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﻭﻳُﻜﺘﺐ ﻏﻴﺮُﻫﺎ.. ﻓﻬﻞ ﺗﺮﻯ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﺃﻥ ﺗﺒﺪّﻝ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﻭﺗﺤﻮّﻝ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻢ ﺑﻜﻞ ﻧﻈﺎﻡ ﻭﻣﻴﺰﺍﻥ ﻳﺤﺪﺙ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎﺀ ﻧﻔﺴﻪ؟. ﺃﻟﻴﺲ ﺫﻟﻚ ﻣﺤﺎلا ﻣﻦ ﺃﺷﺪ ﺍﻟﻤﺤﺎلاﺕ؟

ﻓـلا ﻳﻤﻜﻦ ﺇﺣﺎﻟﺔ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻭﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻗﻂ، ﻓﺬﻟﻚ ﻣﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻝ. ﺑﻞ ﻫﻲ ﺃﺩﻟﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﻧﻌﻬﺎ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﺃﻭﺿﺢَ ﻣﻦ ﺩلاﻟﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﺇﺫ ﺗﺒﻴّﻦ ﺃﻥ ﺻﺎﻧﻌَﻬﺎ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ لا ﻳُﻌﺠﺰﻩ ﺷﻲﺀ، ﻭلا ﻳَﺆﻭﺩُﻩ ﺷﻲﺀ، ﻓﻜﺘﺎﺑﺔُ ﺃﻟﻒ ﻛﺘﺎﺏ ﺃﻣﺮ ﻳﺴﻴﺮ ﻟﺪﻳﻪ ﻛﻜﺘﺎﺑﺔ ﺣﺮﻑ ﻭﺍﺣﺪ. ﺛﻢ ﺗﺄﻣﻞْ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﻓﻲ ﺍلأﺭﺟﺎﺀ ﻛﺎﻓﺔ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻗﺪ ﻭﺿﻊ ﺑﺤﻜﻤﺔٍ ﺗﺎﻣﺔ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻌﻪ ﺍﻟـلاﺋﻖ ﺑﻪ. ﻭﺃﺳﺒﻎ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻧِﻌَﻤﻪ ﻭﻛﺮﻣﻪ ﺑﻠﻄﻔﻪ ﻭﻓﻀﻠﻪ ﺍﻟﻌﻤﻴﻢ. ﻭﻛﻤﺎ ﻳﻔﺘﺢ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﻧﻌﻤﻪ ﻭﺁلاﺋﻪ ﺍﻟﻌﻤﻴﻤﺔ ﺃﻣﺎﻡَ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻳﺴﻌﻒ ﺭﻏﺒﺎﺕ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﻳﺮﺳﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﺎ ﻳُﻄﻤﺌﻨﻪ.

ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﻨﺼﺐ ﻣﻮﺍﺋﺪَ ﻓﺎﺧﺮﺓ ﻋﺎﻣﺮﺓ ﺑﺎﻟﺴﺨﺎﺀ ﻭﺍﻟﻌﻄﺎﺀ ﺑﻞ ﻳُﻨﻌﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻛﺎﻓﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﻮﺍﻥ ﻭﻧﺒﺎﺕ ﻧِﻌَﻤﺎ لا ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ، ﺑﻞ ﻳُﺮﺳﻞ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﺑﺎﺳﻤﻪ ﻭﺭﺳﻤﻪ ﻧﻌﻤﺘَﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗـلاﺋﻤﻪ ﺩﻭﻥ ﺧﻄﺄ ﺃﻭ ﻧﺴﻴﺎﻥ. ﻓﻬﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﻣُﺤﺎﻝ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻈﻦ ﺃﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺿﺌﻴـلا؟ ﺃﻭ ﻓﻴﻪ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺚ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﺠﺪﻭﻯ؟ ﺃﻭ ﺃﻥ ﺃﺣﺪﺍ ﻏﻴﺮُ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﻗﺪ ﺗﺪﺧّﻞ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ؟ ﺃﻭ ﺃﻥ ﻳُﺘﺼﻮَّﺭ ﺃﻥ لا ﻳﺪﻳﻦ ﻟﻪ ﻛﻞُّ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻪ؟.. ﻓﻬﻞ ﺗﻘﺪﺭ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﺃﻥ ﺗﺠﺪ ﻣﺒﺮﺭﺍ لإﻧﻜﺎﺭ ﻣﺎ ﺗﺮﺍﻩ؟..

   ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ

    ﻟﻨَﺪَﻉ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺒﻲ، ﻭﻟﻨﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ، ﻭﻟﻨﺸﺎﻫﺪ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﺃﺟﺰﺍﺋﻪ ﺍﻟﻤﺘﻘﺎﺑﻠﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺍلآﺧﺮ.. ﻓﻔﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺸﺎﻣﻞ ﻭﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﻛﺄﻥّ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻓﺎﻋﻞ ﻣﺨﺘﺎﺭ ﺣﻲ ﻳﺸﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻛﻠﻬﺎ، ﻭﻳﺘﺤﺮﻙ ﻣﻨﺴﺠﻤﺎ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻌﺎﻡ. ﺣﺘﻰ ﺗﺮﻯ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﻋﺪﺓ ﺟﺪﺍ ﻳﺴﻌﻰ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻧﺤﻮ ﺍلآﺧﺮ ﻟﻠﺘﻌﺎﻭﻥ ﻭﺍﻟﺘﺂﺯﺭ.

ﺍﻧﻈﺮ! ﺇﻥ ﻗﺎﻓﻠﺔ ﻣﻬﻴﺒﺔ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻴﺐ (حاشية) ﻭﻫﻲ ﻗﺎﻓﻠﺔ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﺍﻟﺤﺎﻣﻠﺔ لأﺭﺯﺍﻕ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﻛﺎﻓﺔ. ﻣُﻘﺒﻠﺔً ﻋﻠﻴﻨﺎ. ﻓﻬﻲ ﻗﺎﻓﻠﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﺻﺤﻮﻥ ﺃﺭﺯﺍﻕ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ.. ﺛﻢ ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺼﺒﺎﺡ ﺍﻟﻮﺿﻲﺀ (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻤﺲ. ﺍﻟﻤﻌﻠﻖ ﻓﻲ ﻗﺒﺔ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻓﻬﻲ ﺗﻨﻴﺮ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻭﺗُﻨﻀﺞ ﺍﻟﻤﺄﻛﻮلاﺕ ﺍﻟﻤﻌﻠﻘﺔ ﺑﺨﻴﻂ ﺩﻗﻴﻖ (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻏﺼﺎﻥ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﺍﻟﺤﺎﻣﻠﺔ ﻟﻸ ﺛﻤﺎﺭ ﺍﻟﻠﺬﻳﺬﺓ. ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻭﺿﺔ ﺃﻣﺎﻣﻪ ﺑﻴﺪٍ ﻏﻴﺒﻴﺔ. ﺃلا ﺗﻠﺘﻔﺖ ﻣﻌﻲ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻟﻨﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰﺓ ﻛﻴﻒ ﻳﺴﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﻓﻮﺍﻫﻬﺎ ﻏﺬﺍﺀ ﻟﻄﻴﻒ ﺧﺎﻟﺺ ﻳﺘﺪﻓﻖ ﻣﻦ ﻣﻀﺨﺎﺕ (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺛﺪﻱ ﺍلأﻣﻬﺎﺕ. ﻣﺘﺪﻟﻴﺔ ﻓﻮﻕ ﺭﺅﻭﺳﻬﺎ، ﻭﺣﺴﺒﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻠﺼﻖ ﺃﻓﻮﺍﻫَﻬﺎ ﺑﻬﺎ!

    ﻧﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ: ﺃﻧﻪ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺇلا ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﺘﻄﻠﻊ ﺇﻟﻰ ﺍلآﺧﺮ ﻓﻴُﻐﻴﺜَﻪ، ﺃﻭ ﻳﺮﻯ ﺍلآﺧﺮ ﻓﻴﺸﺪ ﻣﻦ ﺃﺯﺭﻩ ﻭﻳﻌﺎﻭﻧﻪ.. ﻓﻴﻜﻤﻞ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪُ ﻋﻤﻞَ ﺍلآﺧﺮ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻇﻬﻴﺮُﻩ ﻭﺳﻨﺪﻩ، ﻭﻳﺘﻮﺟﻪ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﺟﻨﺒﺎ ﺇﻟﻰ ﺟﻨﺐ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.. ﻭﻗِﺲ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﺗﺪﻟﻨﺎ ﺩلاﻟﺔ ﻗﺎﻃﻌﺔ ﻭﺑﻴﻘﻴﻦ ﺟﺎﺯﻡ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻪ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ ﺇلا ﻭﻫﻮ ﻣﺴﺨّﺮ ﻟﻤﺎﻟﻜﻪ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﻭﻟﺼﺎﻧﻌﻪ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﻭﻳﻌﻤﻞ ﺑﺎﺳﻤﻪ ﻭﻓﻲ ﺳﺒﻴﻠﻪ، ﺑﻞ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺟﻨﺪﻱ ﻣﻄﻴﻊ ﻣﺘﺄﻫﺐ ﻟﺘﻠﻘﻲ ﺍلأﻭﺍﻣﺮ. ﻓﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻳﺆﺩﻱ ﻣﺎ ﻛُﻠّﻒ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻭﺍﺟﺐ ﺑﻘﻮﺓ ﻣﺎﻟﻜﻪ ﻭﺣﻮﻟﻪ، ﻓﻴﺘﺤﺮﻙ ﺑﺄﻣﺮﻩ، ﻭﻳﻨﺘﻈﻢ ﺑﺤﻜﻤﺘﻪ، ﻭﻳﺘﻌﺎﻭﻥ ﺑﻜﺮﻣﻪ ﻭﻓﻀﻠﻪ، ﻭﻳﻐﻴﺚ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﺑﺮﺣﻤﺘﻪ. ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺖَ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﺇﺑﺪﺍﺀ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍلاﻋﺘﺮﺍﺽ ﻭﺍﻟﺸﻚ ﺃﻣﺎﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﻓَﻬﺎﺗِﻪِ.